جاء انتخاب أوزجور أوزال رئيساً لحزب الشعب الجمهوري خلفاً لكمال كليجدار أوغلو معبراً عن مرحلة جديدة في هيراركية هذا الحزب وتفرض عليه التعامل مع كثير من الملفات المعقدة بينها الموقف من الكرد، والذين كان الرئيس السابق للحزب قد تحالف معهم في انتخابات مايو عندما كان يخوض سباق رئاسة الجمهورية، في حالة غير مسبوقة من التناغم بينهما أحدثتها بشكل كبير الرغبة في إسقاط الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.
لكن “كليجدار أوغلو” – بحسب كثير من التحليلات – وحزبه فقدوا أصواتاً كبيرة منهم في جولة الإعادة بعد تحالفه مع حزب قومي متطرف، وكأن الانتخابات وقتها تحولت بالنسبة للكرد إلى اختيار بين سيء وأسوأ أي بين المتحالفين مع القوميين الذين يكنون العداء لهم، وبالتالي فإن التساؤلات الآن قائمة بشأن الرؤية التي سيتعامل بها أوزجور أوزال معهم، وما إذا كان سيسير نحو مزيد من التحالف معهم أم سيكون هناك تراجعاً حتى لو بدرجة ما.
انتقادات لقرارات كمال كليجدار أوغلو
بعض من مواقف أوزجور أوزال يمكن التعرف عليها عبر بعض الوقائع، فخلال مرحلة الترشح لرئاسة الحزب، وجه سؤال إليه بشأن الكرد، حيث انتقد تحالف كمال كليجدار أوغلو مع أوميت أوزداج رئيس حزب النصر القومي المتطرف في انتخابات مايو الرئاسية خلال جولة الإعادة تحديداً، إذ أكد أن هذا التحالف سبب إزعاجاً كبيراً للناخبين الكرد على نحو دفع كثيرين منهم لمقاطعة تصويت الجولة الثانية، وهو ما أثر على فرص الحزب في الفوز برئاسة الجمهورية.
وأوضح، في لقاء أجراه مؤخراً، أنه ذهب إلى ديار بكر وسمع بنفسه ما يقوله الناخبون الكرد وهم غاضبون من صفقة “كليجدار أوغلو” ورئيس حزب النصر، فهل سيذهبون للتصويت لرئيس حزب الشعب الجمهوري السابق الذي اتفق مع أوميت أوزداغ على توليه وزارة الداخلية حال فوزه، مؤكدون أنهم شعروا بخيبة أمل وأن قرارهم كان بعدم التصويت لهما وعدم منحهم الفرصة للفوز.
وعقب توليه رئاسة الحزب، كان “أوزال” قد صرح قائلاً: “أعد بسياسة تمس العمال الكرد والأتراك والعلويين والسنة واليمين واليساريين والفقراء وغير المستقرين”، وهي تصريحات يرى كثير من المراقبين للشأن التركي أنها تعبر عن قدر كبير من الانفتاح لدى زعيم المعارضة الجديد، لكن ربما يكون للملف الكردي وضعاً مختلفاً.
تغيرات في إطار ثوابت حزب الشعب الجمهوري
في هذا السياق، يرى كرم سعيد الخبير في الشأن التركي أن أوزجور أوزال سيسير على نفس خطى كمال كليجدار أوغلو في مسألة التقارب مع المكون الكردي، ولكن ليس بنفس الدرجة، إذ أن كثيرين يرون أن الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري أمعن في مسألة التحالف مع الكرد وتحديداً حزب الشعوب الديمقراطي، وهو الأمر الذي خلق خلافات من قبل داخل طاولة الست أي التحالف الانتخابي الذي كان يقف خلف “كليجدار أوغلو”.
وأضاف، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن هذا لا يعني أن حزب الشعب الجمهوري تحت قيادة “أوزال” سيتخلى عن مسألة دعم حقوق الكرد، على العكس سيواصل التأكيد على ضرورة أن يكون هناك حل للقضية الكردية وفق رؤية الحزب التقليدية، التي تقوم على فكرة احتواء الأزمة، والعمل على إيجاد حل سياسي لها بما لا يتعارض مع مصالح الأمة التركية في المجمل.
ولفت الخبير في الشأن التركي إلى أن هذا النهج من قبل أوزجور أوزال سيتم ترجمته في التأكيد على رفض الاعتقالات التعسفية التي يدأب النظام التركي عليها حالياً، وسيدعم مزيداً من الحقوق والحريات للكرد، في إطار تحقيق نوع من التوافق الداخلي والحفاظ على المجتمع التركي من حالة الاستقطاب والانقسام.
انتخابات البلديات ستكون كاشفة
في وسط تلك الخيوط غير الواضحة بعد للعلاقة بين الكرد وحزب الشعب الجمهوري تحت قيادة “أوزال”، يرى كثيرون أن الانتخابات البلدية المقبلة ستكون كاشفة عن ملامح ما ستكون عليه، ففي انتخابات 2019 لم يقدم حزب الشعوب الديمقراطي المحسوب على الكرد مرشحين في البلديات الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة، وذهبت أصوات الكرد لحزب المعارضة الرئيسي وحقق فوزاً تاريخياً بهاتين البلديتين.
لكن بعد انتخابات مايو الرئاسية 2023، أو لنكن أكثر تحديداً بعد تحالف “كليجدار أوغلو” مع أوميت أوزداغ، أعلن حزب الشعوب الديمقراطي أو تحالف اليسار الأخضر أنه سيدفع بمرشحين له في البلديات الرئيسية، ما يعني أن الصوت الكردي لن يذهب لحزب الشعب الجمهوري، وهو ما يعني بحسبة الأرقام تقلص فرص الحزب في الحفاظ على الأقل على البلديات الرئيسية التي اقتنصها من حزب العدالة والتنمية، ما يشكل تحدياً كبيراً أمام “أوزال” عليه التعامل معه.
بدوره، يقول محمد ربيع الديهي الباحث في العلاقات الدولية أن اختيار أوزجور أوزال لخلافة كمال كيلجدار أوغلو لقيادة حزب الشعب الجمهوري بعد 13 عام من قيادة الأخير، تعد بمثابة مرحلة جديدة في تاريخ المعارضة التركية والحزب أيضا، وذلك في ظل تراجع شعبية كمال كليجدار أوغلو خلال الآونة الأخيرة، خاصة بعد خسارة الانتخابات الرئاسية ونظرة البعض له أنه السبب في إفشال مساع طاولة الست للتوافق على مرشح قوي لمنافسة “أردوغان” في انتخابات مايو الماضي.
ويرى “الديهي”، خلال اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن هذه المرحلة الجديدة في حزب الشعب الجمهوري سيكون لها انعكاساتها بطبيعة الحال على التعامل مع ملف الكرد، معتبراً أنه يشكل أولوية في ظل قيادة الزعيم الجديد، خاصة رؤيته وطريقة التعامل معهم، وهنا يجب التذكير بأنه من الإنصاف القول إن ملف الكرد يعد أحد الأوراق التى تلعب به الأحزاب السياسية قبل الانتخابات لكسب أصواتهم، وبالتالي قد تكون الانتخابات البلدية المزمع انعقادها العام المقبل.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن “أوزال” سيعمل على مغازلة الكرد وجذبهم للاستفادة من أصواتهم في بعض المناطق خلال الانتخابات البلدية، كما حدث من قبل في بلديتي إسطنبول وأنقرة واستطاع الحزب الفوز بالبلديتين في آخر انتخابات، بفضل الدعم الكردي، على نحو شكل ضربة موجعة وقتها لحزب العدالة والتنمية و”أردوغان” شخصياً الذي كان يعتبر أن من يخسر إسطنبول يخسر تركيا.
ويعود مرة أخرى “الديهي” ليؤكد أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار – كما ذكر – أن الأحزاب السياسية التركية تتلاعب بالملف الكردي حسب المصلحة، قائلاً إنه للأسف في نهاية المطاف نجد كثيراً من الأحزاب لديها قناعة بأن الأحزاب الكردية أو الكرد بصفة عامة يشكلون خطراً على الدولة وهي نظرة خاطئة، لافتاً إلى أن هذه القناعات تزداد أكثر بين الأحزاب القومية التي يتحالف معها الرئيس التركي خلال السنوات الأخيرة للحفاظ على قاعدته الشعبية المهتزة.
واستشهد في هذا السياق بـ”أردوغان” نفسه الذي كان يتشدق في بداياته بالدفاع عن حقوق الكرد وحل القضية الكردية، وكان لديه قاعدة واسعة بين الكرد، لكن تبخرت كل أحاديثه وأصبح الكرد في عهده يعيشون واحدة من أسوأ فتراتهم داخل تركيا، لا سيما في ظل الاعتقالات العشوائية التي تطالهم والتضييق الشديد عليهم، ووضع كثير من البلديات التي فازوا بها في الانتخابات البلدية الأخيرة تحت الوصايا.
استعادة الصوت الكردي
وفي إطار ما ذكره الباحث بشأن مغازلة “أوزال” للكرد، كان رئيس حزب الشعب الجمهوري الجديد قد صرح بأن على حزبه العمل على استعادة أصوات الناخبين الكرد المستائين، معرباً عن خشيته من استمرار الوضع على حاله، حيث سيحرص الكرد على إثبات قوتهم أمام المعارضة في الانتخابات البلدية، مؤكداً أنه لو لم يتحالف الرئيس السابق للحزب مع أوميت أوزداغ لكان الفارق بينه وبين أردوغان ضئيلاً بجولة الإعادة.
وأكد “أوزال” أنه في الخامس من نوفمبر تحدث عن هذا الأمر ولفت إلى أن إدارة الحزب تغيرت بالكامل، وأنه وإن حدث ما يكسر قلوب الكرد – على حد تعبيره – فقد كانت هناك أشياء إيجابية قبل انتخابات مايو الرئاسية يمكن العمل عليها، مشيراً إلى أنه قد دعا وقتها إلى بدء صفحة بيضاء جديدة قائلاً: “لقد تعلمنا من أخطائنا”.