القامشلي– فرهاد بلال
باتت قضية انقطاع الخدمات الأساسية كالمياه والكهربُاء الحدث الشاغل لسُكان شمال وشرقي سوريا, فأصبح الحديث عنهم يشغل الصغير والكبير. فأبسط مقومات العيش في المنطقة إِسْتَحَالَت وباتت شبه معدومة في جغرافية يفوق عدد سكانها خمسة مليون نسمة. تقول ياسمين مشايخ التي تنحدر من مدينة رأس العين /سري كانيه وهجرت أثر الغزو التركي لمدينتها عام 2019 إن حياتهم تحولت إلى “معاناة حقيقية” فآلة الحرب التُركية تلاحق ياسمين والملايين الآخرين أقصى شمال البِلاد .
البنية التحتية الأساسية من محطات كهرباء ومياه وحقول نفط وغاز وغيرها في مناطق شمال وشرق سوريا، كانت هدفاً أساسياً للهجمات التركية العنيفة بدءاً من الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر ولمدة أكثر من عشرة أيام، ما أدى لتدمير أغلبها وخروج معظمها عن الخدمة، وحرمان نحو خمسة ملايين شخص يعيشون في المنطقة من الخدمات الأساسية، إلى جانب الخسائر البشرية المتمثلة بفقدان العشرات من مدنيين وعسكريين لحياتهم وإصابة آخرين.
تتابع ياسمين التي تعيش الأن في مدينة قامشلو لمراسل منصة تارجيت بالقول “نحن نعيش أزمة كبيرة بسبب قلة المياه وانقطاع الكهرباء ,كأننا عُدنا لأيام العصر الحجري “
ورغم أن الهجمات التركية لم تكن الأولى على مناطق شمال وشرق سوريا، إلا إنها إلى جانب أنها كانت الأعنف فقد استهدفت بشكل أساسي المرافق الحيوية والبنى التحتية الأساسية والمؤسسات المدنية، وذلك بعد إعلان وزير الخارجية التركي حقان فيدان أن البنى التحتية بالمنطقة أصبحت أهدافاً للجيش التركي.
من جانبها، أعربت الناشطة جيهان حسين عن امتعاضها من الصمت الدولي تجاه الهجمات التركية وقالت بأنهم لم يشهدوا أية مواقف دولية لوقف هذه الهجمات، منوهةً إلى موقف الحكومة السورية التي قالت بأنها “تعاملت مع الأمر وكأنه غير مرتبط بسوريا كقطعة جغرافية واحدة”.
محطات الكهرباء الأكثر استهدافاً
وبحسب الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فإن محطات توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية كان لها النصيب الأكبر من عمليات الاستهداف، حيث استهدفت الطائرات التركية محطات في كل من عامودا والقامشلي والقحطانية/ تربسبيه ورميلان ما أدى لخروجها عن الخدمة، إلى جانب استهداف منشأة السويدية بريف المالكية/ ديرك التي توفر الغاز والكهرباء لأغلب المناطق.
مسؤول محطات الكهرباء في إقليم الجزيرة إبراهيم يوسف قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إنه ونتيجة للقصف التركي توقفت جميع خزانات المياه والأفران في مدينة عامودا وريفها عن العمل بعد خروج محطة الكهرباء بالمدينة عن الخدمة، مشيراً إلى أنه تم حرمان 70% من المرافق الهامة الأساسية في مدينة القامشلي من الكهرباء جراء استهداف تركيا محطة الكهرباء شمالي المدينة ومؤكداً في الوقت نفسه أن الضرر الأكبر طال محطة السويدية للغاز، التي تنتج قرابة 13 ألف أسطوانة غاز يومياً وهي الوحيدة التي تغذي مناطق شمال وشرق سوريا بالغاز المنزلي، كما أنه كانت تزود إقليم الجزيرة بـ130 ميغا واط من الكهرباء، إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى الثلث تقريباً بعد الهجوم التركي في 23 من تشرين الثاني/ نوفمبر العام الماضي.
ويضيف يوسف: “أن الأضرار في محطة السويدية تختلف نسبياً عن أضرار محطات عامودا والقامشلي، كونها تحوي 4 عنفات غازية و7 عنفات تابعة لشركة النفط، حيث أصبحت عملية توليد الكهرباء وتحويلها جراء الاستهداف المباشر صعبةً للغاية، وبالتالي أثر ذلك بشكل مباشر على عمل آبار النفط”.
دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أعلنت في بيان نشر بالثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حصيلة الاستهدافات التركية على المنطقة مؤكدةً تضرر أكثر من 5 ملايين مواطن نتيجة استهداف 17 موقعاً ومنشآة حيوية كانت تغذي عموم مناطق شمال وشرق سوريا بالكهرباء والغاز وخروجها عن الخدمة، إلى جانب استهداف 11 محطةً للكهرباء إضافةً لتوقف 18 محطة مياه وخروج مشفيين عن الخدمة بشكل كلي، وتوقف مؤقت للعملية التربوية وتضرر آلاف الطلاب جراء استهداف 48 موقعاً تعليمياً وتربوياً وتدمير 3 منشآت صناعية بشكل جزئي، إلى جانب فقدان 44 شخصاً لحياتهم وإصابة 55 آخرين من مدنيين وعسكريين، بما في ذلك أعضاء قوات مكافحة المخدرات الذين قضوا بقصف مركز مكافحة المخدرات في ريف المالكية/ ديرك.
وينظر إلى الهجمات التركية الأخيرة التي تمت باستخدام الطيران الحربي والمُسير إلى جانب القصف المدفعي، على أنها تستهدف بالدرجة الأولى سبل عيش المدنيين، ومحاولة استنزاف الموارد الأساسية وفرض سياسة تجويع على سكان المنطقة التي تضم مئات آلاف المهجرين من المناطق المحتلة ونازحين من مناطق سورية أخرى، عبر استهداف منشآت الكهرباء والنفط والمياه وما يتبع ذلك من تضرر جميع مرافق الحياة التي تعتمد في مجملها على الطاقة والمحروقات.
وتقول جهات حقوقية سورية، إن تركيا حاولت من خلال هجماتها الأخيرة وقصف المرافق الحيوية، استهداف الجانب الاقتصادي في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي تنعم بالأمن والاستقرار وهامش من الحرية والتداولات التجارية وارتفاع بمستوى معيشة السكان قياساً بالمناطق المحتلة ومناطق سيطرة حكومة دمشق، رغم معاناتها على مدى سنوات من إرهاب تنظيم داعش والهجمات التركية والحصار الذي تفرضه كل من أنقرة ودمشق.
تكاليف إصلاح عالية
وحسب التقديرات الأولية لمكتب الطاقة في إقليم الجزيرة، فإن الخسائر المادية التي لحقت بمحطات التحويل الـ 4 التي قُصفت تقدر بأكثر من 6 مليون دولار، في حين بلغت الأضرار التي لحقت بمنشأة السويدية الحيوية أكثر من 50 مليون دولار، فيما تتجاوز قيمة الخسائر للمرافق والمنشآت ككل عتبة ال 100 مليون دولار حسب إحصائيات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لافتاً إلى وجود صعوبات في تأمين قطع التبديل الغير متوفرة في المنطقة، والتي تصل أسعارها لملايين الدولارات في حال استيرادها من الخارج.
أزمة مياه متجددة
محطات المياه بشمال وشرق سوريا كانت الهدف الآخر للطائرات التركية الحربية والمسيرة، حيث أدى القصف لتوقف محطة الهلالية التي تغذي 60% من مدينة القامشلي بالمياه، ومحطة العويجة التي تغذي منطقة السفان والعويجة ومحطة جقجق التي تحوي على خمسة آبار، نتيجة توقف عمل كل من محولات الطاقة الكهربائية الشمالية في القامشلي وعنفات محطة السويدية، لتبرز على السطح أزمة مياه جديدة بالمنطقة التي يقطع الاحتلال التركي عنها منذ 4 سنوات بشكل متقطع مياه محطة علوك بريف رأس العين/ سري كانيه التي تعتبر مصدر المياه الأساسي لأكثر من مليون شخص في مدينة الحسكة وتل تمر ضواحيهما.
الرئيس المشترك لدائرة المياه في القامشلي واصل أسعد، قدر تكاليف إصلاح محولات محطة القامشلي الكهربائية و”عنفات “السويدية الحرارية بأكثر من 153 مليون دولار، مضيفاً خلال حديث لمنصة تارجيت أنهم يشغلون المحطات بالمولدات الاحتياطية التي تعمل بالديزل المرتفعة التكلفة من حيث الحاجة للصيانة الدورية وصرف نحو 20 ألف لتر من مادة المازوت يومياً لتشغيلها لتلبية حاجة المدنيين بالمنطقة.
وعلى أثر ذلك تلوح في الأفق أزمة مياه جوفية بعد الاعتماد شبه الكلي عليها لإمداد خزانات المحطات الكبيرة بآلاف الأمتار المكعبة من المياه، ما ينذر بجفاف العشرات من الآبار القديمة بالمنطقة التي باتت تستعمل بشكل كبير، يضاف إلى ذلك عدم وجود أدوات حديثة لاستجرار المياه إلى الخزانات، حيث يطلق مدير محطة العويجة للمياه جنوبي القامشلي محمد أمين إسماعيل تحذيرات من أزمة وشيكة في حال عدم تجديد الآبار القديمة والتي توقف بعضها بالفعل، مشيراً في الوقت نفسه إلى عدم قدرة الخزانات على تخزين كميات كبيرة من المياه في حالات الطوارئ.