تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية شمال حلب، من مفارقات كبيرة، تُشعر المراقبين بأن المجالس التي تدير تلك المناطق برعاية تركية، منفصلة بشكل كامل عن الواقع.
مناسبة الحديث، ما أصدرته في الخامس من نوفمبر الجاري، المجالس المحلية في مدن وبلدات الباب وبزاعة وجرابلس وقباسين والغندورة بريف حلب، عن قرار بفتح باب التسجيل لدخول اللاجئين السوريين في تركيا، إلى الأراضي السورية، عن طريق معبر جرابلس، بإجازة لمدة شهر واحد، لمن يحمل بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”، مُقابل دفع رسوم مالية تصل إلى 200 دولار أمريكي عن كل شخص، قيل فيما بعد، إنه قد جرى تخفيضها لـ100 دولار.
الترحيل المجاني أوفر من الزيارة بضريبة
ولا تقف المفارقة هنا عند المبلغ الكبير الذي فرضته تلك المجالس، والذي يعادل بالليرة التركية التي يتداولها السوريون في تركيا وليس الدولار، ما يصل إلى نحو 5600 ليرة تركية في حال كانت الضريبة 200 دولار، بل إن تركيا نفسها، ترحّل مئات السوريين يومياً عبر معابر باب السلامة، تل أبيض وباب الهوى، شمالي سوريا، دون أن يتكلف هؤلاء أي مبالغ جراء الترحيل إلى الداخل السوري، وهو ما يعني أن الترحيل أوفر لمن يرغب بزيارة الأراضي السورية، من المقيمين في تركيا.
وقد بلغ عدد المرحلين من الأراضي التركية إلى سوريا قسرياً خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر، قرابة الـ 3300 مُرحل، بينهم عراقيون، حيث قالت حينها مصادر ضمن إدارة معابر باب السلامة، تل أبيض وباب الهوى، إن السلطات التركية ترحل اللاجئين، ليتم تسليمهم إلى الفصائل المسلحة الموالية لها في المعابر الثلاث، ومنها ينُقلون إلى مراكز إيواء خاصة، بهدف استكمال التحقيق الأمني بشأنهم، بينما تتسُلّم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) عبر معبر باب الهوى، اللاجئين المرحلين إلى طرف إدلب.
بينما وصل عدد كامل المرحلين خلال شهر أكتوبر الماضي، وفق مصادر إدارية في تلك المعابر، إلى أكثر من 10 آلاف سوري بشكل قسري، وسبق أن ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن السلطات التركية رحلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا.
الترحيل القسري رغم الدعم الأوروبي
لكن لا يبدو أن المجالس التابعة للمعارضة السورية والخاضعة للنفوذ التركي، قد جاءت بشيء جديد، فتركيا نفسها تستخدم اللاجئين كمصدر للتمويل، حيث سلط تقرير لموقع euronews في السادس من نوفمبر، الضوء على تزايد حجم دعم الاتحاد الأوروبي للحكومة التركية، بذريعة تعزيز برامج دمج اللاجئين السوريين في البلاد، وذلك خوفاً من تنامي ظاهرة اللجوء والهجرة إلى أوروبا، في أوساطهم على خلفية تصاعد الخطاب العنصري في تركيا.
وأشار التقرير إلى أن بروكسل، زادت منذ عام 2011، دعمها للمدارس والرعاية الصحية والبرامج التعليمية مثل التدريب المهني المقدم للاجئين السوريين، إلى حوالي 10 مليارات يورو، كما لفت إلى أنه رغم وجود أعداد قليلة من المسؤولين الأتراك، ممن يرجحون بقاء السوريين في البلاد بشكل دائم، إلا أن الحكومة وبمساعدة الاتحاد الأوروبي، تعمل بهدوء على إنشاء برامج اندماج من خلال دورات التدريب المهني.
إلا أن الموقع أوضح أن تلك السياسة باتت تصطدم بتصاعد خطاب العنصرية والكراهية في تركيا ضد اللاجئين، حيث تزايدت حوادث العنف بين الأتراك والسوريين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وذكر أنه رغم أنّ استطلاعات الرأي تظهر أن الأغلبية الساحقة من الأتراك تفضل عودة السوريين، وهو ما تسعى الحكومة إليه عبر إنشاء مئات الآلاف من المنازل والمستوطنات في شمال سوريا (ما يعتبر ضمن جهودها لتغيير ديموغرافية تلك المنطقة)، إلا أن استعداد تركيا المستمر لاستضافة السوريين مقابل الدعم المالي، يلقى ترحيباً وأهمية خاصة بالنسبة لبروكسل.
فيما كانت قد أشارت بيانات لرئاسة الهجرة التركية منتصف أكتوبر، إلى أن أعداد السوريين في أكتوبر، انخفضت بمقدار 19 ألفاً و127 سورياً مقارنة بالشهر الذي سبقه، لافتة إلى أنه انخفض عدد السوريين المسجّلين منذ بداية العالم الحالي بنحو 250 ألفاً إجمالاً، لينخفض بذلك عددهم إلى أدنى مستوى له خلال السنوات السبع الماضية، وذلك بالتوازي مع تصاعد الحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وتأزّم الأوضاع الاقتصادية، وفقدان فرص العمل وغلاء المعيشة.
إدانة واستهجان للقرار
أثار قرار المجالس المحلية في شمال حلب، استياء كثير من السوريين، وبالصدد أشارت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أمس الإثنين، إلى أن “السلطات التركية لم تصدر أي قرار رسمي بفتح التسجيل على الزيارات إلى سوريا، لعموم المواطنين السوريين الحاملين لبطاقة الحماية المؤقتة على أراضيها من معبر جرابلس الحدودي”.
ولفتت إلى أن “الوافدين من معبر جرابلس سيحصلون على ورقة من المجلس المحلي فقط، دون وجود أي أوراق صادرة من الجانب التركي، تضمن لهم العودة بعد انتهاء المدة الممنوحة لهم”.
وذكرّت بأنه “منذ أن أعلن وزير الداخلية التركي السابق “سليمان صويلو” في 11/ حزيران/ 2022، عن وقف منح الإجازات للسوريين المقيمين في تركيا تحت بند الحماية المؤقتة خلال فترة عيدي الفطر والأضحى، سمحت بعض الولايات التركية الحدودية بمنح إجازات للمواطنين السوريين حاملي أوراق إقامة من هذه الولايات فقط أو الحاصلين على الجنسية التركية وفق شروط محددة”.
وأدانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فرض “أي رسوم على السوريين العائدين إلى بلدهم من أي مكان في العالم”، واعتبرت أن “الرسوم غير شرعية، وتنتهك حق المواطن السوري بالعودة إلى بلده في أي وقت شاء”.
وطالبت الشبكة، “المجالس المحلية في الشمال السوري والحكومة السورية المؤقتة، والمسؤولَين عن معبر جرابلس الحدودي من الجانب السوري، بإلغاء هذه الرسوم التعسفية”، وأكدت أن المبلغ المطلوب “مرتفع للغاية، مُقارنة مع دخل السوريين داخل تركيا”.
تصرفات غير منطقية
وللتعقيب على ما ورد، قال “إياد الخطيب”، عضو المجلس العام لـ”حزب سوريا المستقبل”، وعضو مكتب العلاقات العامة في “مجلس إدلب الخضراء”، في تصريح خاص لـ منصة تارجيت: “بالتأكيد التصرفات التي تقوم بها هذه المجالس غير منطقية، وذلك أمر طبيعي، حيث إذا عدنا لآلية تشكيل تلك المجالس، نرى أنها شكلت على أيدي قوات الاحتلال التركية المتواجدة هناك، ومهمة هذه المجالس تنفيذ سياسات ومصالح الاحتلال”.
مردفاً: “من يعمل في هذه المجالس هم مرتزقة مأمورون، وقراراتهم مرتبطة بمصالح الاحتلال التركي، وليس بمصالح الشعب، حيث إن الأمر ذاته يحدث في مناطق النظام التي تديرها وتتحكم بها المليشيات الطائفية المرتبطة بإيران، ونجد سعي الطرفين للحصول على المال بأي طريقة، لتمويل أنفسهم على حساب الشعب، الذي يعاني من الحصار والفقر وانعدام سبل العمل والعيش”.
وبالسؤال حول المفارقة بين فرض مجالس المعارضة ضريبة للزيارة، في الوقت الذي تُرحل فيه تركيا يومياً، مئات اللاجئين السوريين، بيّن “الخطيب”: “بالتأكيد ليس منطقياً، فرض رسوم على الشعب الذي يعاني بالأصل من النزوح والفقر، ولكن تصرفات المعارضة تجاه تركيا لا تحمل الندية، ولا تعدو هذه المعارضة كونها مرتزقة مهمتها فقط تنفيذ الأوامر وتمرير المصالح التركية على حساب السوريين والقضية السورية”.
أما حيال سبب تسعير الضريبة بـالدولار الأمريكي، عوضاً عن الليرة التركية، علماً أنها العملة الرسمية للتداول في المناطق الخاضعة لفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني”، أوضح “الخطيب” إن ذلك “ربما هو محاولة لدعم الدولة التركية بالقطع الأجنبي، لأن عائدية هذه المبالغ هي للنظام التركي، الذي يعاني من انهيار اقتصادي وتهاوي في سعر الصرف منذ عدة سنوات”.
لتبدو معادلة استيعاب ما يصدر عن مجالس المعارضة السورية في شمال حلب، صعبة الحل، فهي والمعارضة عموماً، لطالما وجدت في فرض سلطة دمشق، على القادمين إلى سوريا عبر المطارات الرسمية، صرف مبلغ 100 دولار بسعر البنك المركزي، موضع استهجان، لكنها في نهاية المطاف اختارت السير على نفس الطريق، مع أفضلية تُسجل هنا لسلطة دمشق، وهي أنها لا تأخذ كامل الـ100 دولار، بل تصرفه بسعر البنك المركزي، الذي يكون دائماً أقل من سعر الصرف في السوق الموازية.