لا تزال ردود الفعل الرافضة للضربات التركية في شمال وشرق سوريا تتواصل في ظل الجرائم التي يقترفها النظام التركي تجاه سكان هذه المناطق، والتي أفضت إلى سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى فضلاً عن استهداف المنشآت والمرافق المدنية على نحو يخالف كافة القوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة بالنزاعات المسلحة.
في هذا السياق، التقت منصة “تارجيت” الإعلامية، الدكتور أيمن نصري، رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جينف، والذي أكد أن ما يقوم به النظام التركي في مناطق شمال وشرق سوريا يستهدف القضاء على العرق الكردي، وبالتالي نحن أمام جريمة تطهير عرقي واحتلال للأرض، مؤكداً أنه على المستوى الحقوقي فإن للكرد الحق في الدفاع عن أنفسهم كأقلية بكل الطرق حتى لو كان بالقوة المسلحة.
نص الحوار:
*كيف تتابع ما يقوم به النظام التركي من ضربات في شمال وشرق سوريا ومن تهديد للسكان الأصليين في تلك المناطق لا سيما الكرد؟
*هذا الملف أحد الملفات التي أعطتها الأمم المتحدة اهتماماً كبيراً للغاية ومجلس حقوق الإنسان كذلك، وقد أكدوا أن هناك تجاوزات متكررة بحق الشعب الكردي من قبل الجانب التركي، وأن ما يجري حرب جيوسياسية لا تستهدف القضاء على نفوذ الكرد بل القضاء على الكرد تماماً في تلك المناطق. وفي هذا السياق فقد أصبحنا أمام نوع مماثل لما جري من قبل الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، فالجانب التركي يستعرض قوته ويقوم بحرب عنصرية.
*هل نحن أمام حرب تطهير عرقي؟
– بالتأكيد ما يجري في شمال وشرق سوريا حرب تطهير عرقي تستهدف القضاء على الكرد، وهي ليست مرتبطة بفكرة سيطرة على الأرض وإنما كما قلت القضاء على الكرد، وهم في ذلك يحاولون فعل ما فعلوه من قبل بحق الأرمن، لكن أعتقد أنه نتيجة للإعلام الحديث والسوشيال ميديا حال دون المضي قدماً في سيناريو كهذا.
*هل تقصد أنه لولا الإعلام والسوشيال ميديا لفعل الأتراك في الكرد ما فعلوه قديماً بحق الأرمن؟
– بالطبع، لولا الإعلام لارتكب الأتراك مذبحة جديدة مثل مذبحة الأرمن 1912 والأخيرة كما نعلم لم يكن هناك إعلام وقتها فقط اقتصر الأمر على مجرد بعض الصور التي التقطها صحفي فرنسي ولم تكن لديه القدرة على التوثيق بشكل كبير، لكن اليوم مع الإعلام وتطور وسائل الإعلام اختلف الوضع وفي ظل وجود المجلس الدولي لحقوق الإنسان وبالمناسبة، أذكر هنا أن الأتراك هوجموا في العرض الدوري الشامل الذي يجري كل 4 سنوات بشأن متابعة أوضاع حقوق الإنسان في تركيا، وتم مهاجمة أنقرة بسبب التعامل مع الكرد والوضع الداخلي السيء لهم، فالكرد يتعرضون داخل تركيا لانتهاكات كبيرة لا سيما على المستوى الثقافي والتعتيم عليهم ومنعهم من التعليم بلغتهم أو الحديث بها، فالعنصرية التركية فجة للغاية، وكل ما هو غير تركي يتم التعامل معه بشكل عنصري، والهدف في النهاية هو القضاء على العرق الكردي.
*سواء داخلياً أو خارجياً..
– بالطبع وهو داخلياً لديه أدوات مثل التعتيم على وجودهم ومنع التعليم بلغتهم أو منع المدارس الكردية وطمس الثقافة الكردية ويضيق عليهم بكل الطرق ويتعامل معهم كفئة منبوذة في المجتمع بل وممنوع عليهم الاندماج في المجتمع التركي. أما على مستوى التعامل مع الكرد في مناطق شمال وشرق سوريا فإن الأمر مختلف فيستخدم النظام التركي القوة العسكرية الثقيلة، ويحاول السيطرة على الأرض وأي تقدم يمكنه من احتلال أي أرض في شمال وشرق سوريا سيقوم به ورأينا أكثر من مرة دخول القوات التركية إلى العمق السوري.
*وهناك ضربات كذلك بدأت في الخامس من أكتوبر..
– بالفعل، لكن ضربات 5 أكتوبر للأسف لم يكن هناك تسليط ضوء عليه إعلامياً بقدر كاف، نتيجة انشغال وسائل الإعلام والدول في تطورات الأوضاع بقطاع غزة والعدوان الإسرائيلي الأخير، ولكن بصفة عامة هناك للأسف الشديد حالة من الصمت الدولي تجاه ما يحدث ضد الكرد، للأسف يتم التعامل من قبل تركيا معهم كأقلية منبوذة ليس لهم حقوق، والمجلس الدولي لحقوق الإنسان أدان أنقرة أكثر من مرة بسبب ملف الكرد وأنه ليس لهم حقوق في تركيا أو حتى خارجها.
*ما تفسيرك يا دكتور أيمن لهذا الصمت الدولي الذي تحدثت عنه؟
– المشكلة ترجع إلى أن تركيا لديها علاقات اقتصادية وسياسية كبيرة مع كثير من الدول لا سيما القوى الدولية المؤثرة، وللأسف الشديد يتم غض الطرف عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق الكرد، نتجية المصالح الدولية والسياسية، وهنا أشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، فهي من أكبر الداعمين للكرد، ولكن لا تحرك ملك الكرد ضد النظام التركي إلا حين تكون هناك خلافات بين واشنطن وأنقرة، أي أنها تستخدم وتستغل هذا الملف حسب طبيعة العلاقات والمصالح، وعندما يكون لواشنطن مصالح في تركيا لا يتم إثارة الملف الكردي مهما حدث. وفي المقابل نجد أن النظام التركي يستخدم توقيتات معينة للهجوم على الكرد، أي عندما يجد أن علاقاته جيدة مع الغرب والولايات المتحدة يقوم بتنفيذ هجمات ضدهم، لأنها تكون دائماً أفضل فتراته السياسية لتنفيذ أجندته تجاه الكرد.
*أعتقد أن هذا ظهر بوضوح في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، أليس كذلك؟
– بالفعل، فالتحركات التركية ضد الكرد تأتي في الفترات التي تشهد سكون أو هدوء في العلاقات مع واشنطن والدول الغربية، أما الإدارة الأمريكية فنجد أنها لا تبدأ دعم الكرد إلا عندما يكون لديها خلافات مع النظام التركي، وهذا أسوأ ما في الأمر.
*كحقوقي، ما التحرك الذي يمكن أن يقوم بها الكرد في شمال وشرق سوريا؟
– هناك أكثر من تحرك، عن طريق مجلس الأمن الدولي من خلال القيادات السياسية من خلال تقديم طلبات إدانة للجانب التركي، وهذا كان يحدث ويتكرر وكان مدعوماً من بعض الدول الإقليمية. أما التحرك الثاني ويكون داخل المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وهنا عدد من الأعضاء يتبنون القضية الكردية، ويسلطون الضوء عليها من خلال الآليات الخاصة به لا سيما الانتهاكات التي ترتكبها تركيا. وهذا يأتي إلى جانب التقارير التي ترصدها منظمات المجتمع المدني وعملية الرصد والتوثيق مهمة للغاية من قبل تلك المنظمات، كما يحدث في قطاع غزة، والتي تهدف ليس إلى إثبات الحق فقط بل التحرك في إطار الآليات الدولية من خلال الفيديوهات التي توثق جرائم الحرب والقتل خارج نطاق القانون والتعذيب والتهجير القسري، والتهجير القسري حدث كثيراً مع الكرد وتم تهجيرهم من أكثر من مكان، وكل هذه جرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي الإنانسي الذي يحمي الأقليات وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
*النظام التركي يزعم دائماً أنه يحارب تنظيمات إرهابية أو يواجه تهديدات للأمن القومي من قبل الكرد، حتى لو كان الأمر كذلك، هل هذا يعطيه الحق لاستهداف منشآت ومرافق كمحطات المياه أو السدود بل وصل الأمر إلى المخابز والمستشفيات؟
– للأسف الشديد، التلاعب بالألفاظ كثير جداً، فهناك من يرى أن ما يقوم به الكرد مقاومة شرعية، وأنه من حقهم أن يدافعوا عن الأرض التي يعيشون فيها، لكن الأتراك في المقابل يتلاعبون بالألفاظ ويصفون ذلك بالإرهاب.
*ما وجهة نظرك أنت كحقوقي أو على المستوى الحقوقي كيف يحسم هذا اللغط؟
– لو تحدثنا على المستوى الحقوقي، فإن ما يقوم به الكرد نوع من المقاومة ومن حقهم أن يحافظوا على حقوقهم، الكرد توصيفهم في الشق الحقوقي أقلية لها الحق في استخدام القوة المضادة أو رد الفعل لحماية أنفسهم ومصالحهم والجزء الذي يعيشون فيها من الأرض وهنا المقصود مناطق شمال وشرق سوريا، وحتى لو استخدموا القوة العسكرية فلهم الحق لأن الأتراك في المقابل يستخدمون ضدهم القوة العسكرية الغاشمة.