تشهد مناطق شمال وغرب سوريا، مواجهات مستمرة بين الفصائل السورية المعارضة التي تسطير هناك، تطورت فيما بعد لتصبح مواجهات بين المسلحين والمدنيين سكان تلك المناطق، أو حتى بين المدنيين أنفسهم، سواء أكانوا نازحين أو مهجرين أو من سكان تلك المناطق.
وتقوم تلك المواجهات على خلفية خلافات شخصية أو مصالح سياسية أو اقتصادية أو قبلية، مثيرة حالة من الغضب والاستياء بين الأهالي، الذين يفتقرون إلى أي جهة قادرة على حمايتهم أو محاسبة المنتهكين.
حوادث متلاحقة
وسجل ناشطون خلال أكتوبر الماضي ونوفمبر الجاري، سلسلة من التجاوزات من الفصائل المسلحة المعارضة، أو مواجهات بين مدنيين مع المسلحين، ومنها في 4 أكتوبر، عندما اعتقل عناصر من الشرطة العسكرية، مدنياً من حماة في عفرين، واتهموه بتهريب الناس إلى تركيا، وضربوه بوحشية حتى أصيب بكسور في أضلاعه، ومنعوا عائلته من رؤيته بذريعة أن التحقيقات لم تنته بعد، ونقلوه إلى المشفى العسكري في عفرين، وأجبروه على الصمت عن الاعتداء، وهددوه بتهمة تهريب المخدرات والبشر إذا تحدث عنه.
فيما اعتقل قيادي أمني في فصيل موالٍ لتركيا، وعذب طفلاً وشاباً من إدلب، أثناء عملهما في أرض زراعية بإعزاز، في 14 أكتوبر، بسبب خلاف شخصي مع ذويهم حول ملفات فساد، وأكد موظف من الهلال الأزرق في إعزاز، أن التشخيص الطبي أظهر أن الطفل والشاب تعرضا لصعقات كهربائية وضرب بأدوات حادة، مما تسبب بشروخ في عظام الساقين والصدر ونزيف تحت الجلد.
في حين قتل مسلح من الجيش الوطني، شاباً في مدينة الباب، بالرصاص قرب دوار خالد ابن الوليد، دون إنذاره بالتوقف، في 15 أكتوبر، بعد أن حاول سرقة دراجة نارية مع شبان آخرين، حيث تمكن الشبان الآخرون من الهرب، بينما أثار مقتل الشاب غضب الأهالي الذين انتقدوا تصرف العنصر المسلح.
أما في الـ20 من أكتوبر، فقد أطلق مسلحان على دراجة نارية، النار على وجيه قبيلة البوشعبان الملقب بابوصطيف السبيعاوي، بعد خروجه من جامع في قباسين بريف الباب، وفروا إلى مكان مجهول، لتشهد قباسين استنفاراً عسكرياً كبيراً من قبل أبناء القبيلة.
أيضاً، خطف متزعم مجموعة مسلحة في فصيل عاصفة الشمال، وعذب شاباً من إدلب في أعزاز، في 22 أكتوبر، وطلب من ذويه فدية 14 ألف دولار، وأرسل لهم صور تعذيبه وتهديده بالقتل، وذكر ناشطون أن الشاب كان قادماً من الإمارات، وأن المتزعم طمع بأمواله.
كذلك، ضرب عناصر من فيلق الشام، في 24 أكتوبر، وجيهاً وشباناً في تادف شمال شرقي حلب، وأطلقوا النار في الهواء، بعد أن منعهم السكان من إنشاء مقر عسكري في البلدة، بينما شهدت بلدة أخترين شمال حلب، في 29 أكتوبر، تظاهرات ضد “فرقة المعتصم”، بعد أن قتلت أحد الأهالي وأصابت آخرين بالرصاص.
وقال شهود عيان إن المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب بطرد الفصيل من البلدة ووقف انتهاكاتها بحق المدنيين، وأضافوا أن الاحتجاجات نشبت على خلفية خلاف عائلي بين آل تمرو وآل زينو، حيث تدخلت الميليشيا لصالح الأخيرة واستخدمت السلاح ضد الأولى، وأشاروا إلى أن هذا السلوك أثار غضب السكان الذين يعانون من سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية.
أيضاً، في 5 نوفمبر، أصيب عنصر من الشرطة العسكرية وطفلة بجروح في اشتباكات بين عشيرة العساسنة ودورية عسكرية في مدينة الباب، وقال ناشطون إن الاشتباكات اندلعت بعد أن اعتدت الدورية على زوجة أحد المتهمين بالاتجار بالمخدرات، مما دفع بأبناء العشيرة إلى الدفاع عنها ومواجهة الدورية بالسلاح.
السلاح الفاقد للوظيفة الوطنية
تؤكد شهادات شهود عيان والناشطين التي تتناقلها وسائل الإعلام، إن الفصائل السورية المعارضة تنتهك حقوق السكان في المناطق التي تسيطر عليها، مع القوات التركية، في شمال غربي سوريا، وهو أمر لا يعد استثناءً على شهري أكتوبر ونوفمبر، كون الحوادث المماثلة رصدت قبل ذلك، ولا يزال يجري رصدها.
وتعقيباً على ذلك، قال المحامي والحقوقي السوري غزوان قرنفل، رئيس “تجمع المحامين السوريين” المُعارض، في حديث خاص لـ منصة تارجيت، إن “الانفلات الأمني والصدامات المسلحة، في تقديري، يعود سببها إلى صراع هذه الأدوات على الأدوار وتوسيع مناطق النفوذ على حساب محدوديتها، بعد أن فقدت البندقية أجندتها الوطنية وتاهت في زواريب خدمة المصالح الإقليمية”.
متابعاً :”أما الصراعات المسلحة بين المدنيين، فتدخل ضمن التجاذبات والانتماءات المناطقية من جهة، وغياب سلطة القانون التي يمكن أن يحتكم إليها الجميع ويركن لأحكامها من جهة أخرى”.
“بالتأكيد، لم تكن هذه المواجهات المسلحة ستحدث لو أن السلاح لم يفقد وظيفته الوطنية وتاه بين الأجندات”، شدد الحقوقي لـ تارجيت، وأضاف: “هذا فضلاً عن الغياب الكامل لمنظومة العدالة، وعجزها عن أداء وظيفتها في ظل وطأة السلاح، وتحكم حامليه بكل مفاصل وتفاصيل حياة الناس”.
وختم بالقول: “وبالتالي، عندما يتحنط القانون، تغيب العدالة بالضرورة”.
وفي ظل تلك الأجواء العامة التي باتت تتسم بها المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، وسيطرة فصائل المعارضة المسلحة شمال غرب سوريا، لا يبدو فقط الواقع وخيماً، بل إن ما قد ينتظرها مستقبلاً قد يكون أشد قتامة، في ظل المخاوف من صفقات قد تطيح بها لصالح سلطة دمشق وروسيا، مع توجه تركيا، للدخول في مساومات وصفقات قد تسمح لها بإبقاء قواعد عسكرية فقط، بالتنسيق مع موسكو ودمشق، لقاء مصالح متبادلة.