تختلف الأرقام، لكن يُقدر عدد أشجار الزيتون في عفرين، بأكثر من 18 مليون شجرة، تعود ملكيتها لسكان المنطقة، وتنتج سنوياً أكثر من 270 ألف طن من الزيتون، وهو ما يعادل نحو 55 ألف طن من زيت الزيتون.
لكن منذ أن تم احتلال المنطقة الكردية الخضراء في شمال غرب سوريا، في الثامن عشر من مارس للعام 2018، وهي تعاني تحت وطأة المسلحين السوريين التابعين لتركيا، تحت مسمى “الجيش الوطني السوري”.
إذ تتواصل الانتهاكات والجرائم التي يقوم بها مختلف المسلحين في المنطقة، تحت مختلف المسميات الفصائلية، وهو ما دفع الولايات المتحدة في منتصف أغسطس الماضي، إلى فرض عقوبات على اثنين من متزعمي تلك الفصائل، وهما محمد الجاسم أبو عمشة متزعم فصيل السلطان سليمان شاه، سيف أبو بكر متزعم فصيل الحمزة، نتيجة جرائمهم التي غصّ بها الإعلام.
الزيتون على رأس المنتهكين
وتعد أشجار الزيتون من أبرز من يجري التعدي عليهم في عفرين، بعد سكان المنطقة الأصليين الكُرد، حيث تم منذ اليوم الأول لاحتلال عفرين، التعاطي مع أشجار الزيتون على أنها غنائم حرب للمسلحين وذويهم ممن تم جلبهم إلى عفرين، بصفقة روسية تركية، بغية التوطين فيها.
ونالت من أشجار الزيتون عمليات نهب واسعة، ومُحاصصة للسكان العائدين إلى عفرين في أرزاقهم، او استيلاء تام على أملاك المهجرين قسراً والمغتربين، إضافة إلى عمليات القطع الجائر بغية بيع الاحطاب، والسرقات التي طالت مواسم الزيتون في المنطقة، والإتاوات التي تفرض بشكل سنوي على المالكين الكُرد.
وتتنوع نسب الإتاوات بين فصيل وآخر في عفرين، كما تختلف من عام إلى ثان، متأثرة بجحم الضغط الإعلامي الذي يرصد الانتهاكات، ولعل الأحداث الجارية في المنطقة، والتي أرجعت سوريا ككل ضمن قائمة الاهتمامات الإعلامية إلى مراتب دنية، جعلت المسلحين يتنفسون الصعداء، بعد ملاحقة إعلامية لصيقة، ألحقت بهم العار والخيبة، على ما اقترفوه في عفرين.
آخر الانتهاكات المرصودة
وفي آخر الانتهاكات المرصودة، حصلت منصة تارجيت الإعلامية، على معلومات خاصة من مصدر مُقيم في ناحية شيه \ شيخ الحديد، بريف عفرين، حول فرض مليشيا “فرقة السلطان سليمان شاه”، التي يقودها المدعو محمد الجاسم أبو عمشة، لإتاوات سرية جديدة، ستجمع له مبالغ طائلة من المال.
وقال المصدر الخاص لـ تارجيت: “لا يوجد شيء رسمي من الفصيل، عبر بيان أو أمر مُرسل إلى المخاتير، بل هي أوامر شفوية، حول إتاوات فرضوها على أشجار الزيتون، وهي تختلف عن تعميم آخر لنسبة الاتاوات المفروضة على الزيت، والتي وزعت على مخاتير القرى، وتُعادل 10%، للمعصرة والفصيل”.
وأردف المصدر: “فإضافة إلى ذلك، تم فرض إتاوة على أشجار الزيتون، وهي تأخذ بالدولار حصراً، ويمارس الفصيل ضغطاً غير طبيعي على الأهالي في الناحية، من خلال منح المدنيين الكُرد فرصة لا تتعدى اليوم إلى اليومين لتأمين مبلغ الإتاوة، حيث يتصلون بهم ويقومون بتهديدهم حتى يستجيبوا للدفع”.
ووفق المصدر، تم تعيين نسبة الإتاوة على أشجار الزيتون، كالتالي:
- “المواطنون الكُرد الذي يتواجدون في الناحية، ولهم أشجار زيتون في السهول، تم فرض إتاوة قدرها 1 دولار لكل شجرة، بمعنى أن كان المدني الكردي يملك 800 شجرة، فعليه أن يدفع مبلغ 800 دولار”.
- “المواطنون الكُرد الذي يتواجدون في الناحية، ولهم أشجار زيتون في المرتفعات الجبلة، تم فرض إتاوة قدرها 1 دولار لكل 4 شجرات”.
- “المواطنون الكُرد الموجودون في الخارج (سواء مغتربون أو مهجرون قسراً)، ولهم أشجار زيتون في السهول، تم فرض إتاوة قدرها 20 دولاراً لكل شجرة”.
- “المواطنين الكُرد الموجودون في الخارج (سواء مغتربون أو مهجرون قسراً)، ولهم أشجار زيتون في المرتفعات الجبلية، تم فرض إتاوة قدرها 3.5 دولارات، لكل شجرة”.
كيف يتم جمع الإتاوات؟
وحول الآلية التي اعتمدتها المليشيا في جمع الإتاوة، قال المصدر: “لم يجرِ توزيع قائمة الإتاوات الخاصة بكل قرية على المخاتير في الناحية، بل تم عوضاً عن ذلك، الاستعانة بشخص ما من كل قرية، بشكل عشوائي، وفرض عليهم الفصيل، أن يقوموا بجمع المال من المواطنين الكُرد كلاً في قريته، إذ يتوجه هؤلاء لكل منزل في قريته بشكل شخصي، ويقوم بإعلام السكان الكُرد بمبلغ الإتاوة المفروض عليهم”.
وأكمل: “لا توجد القائمة الخاصة بكل قرية، إلا لدى الشخص الذي فرض عليه الفصيل مهمة جمع الإتاوة، وهو أمر مُتعمد من قبل المسلحين، لوضع جامع الإتاوات أمام المسؤولية عن أي عملية تسريب للقائمة، حيث سيكون بدائرة الاتهام بشكل منفرد أمام الفصيل”.
وأكد المصدر أن “الفصيل يقوم بشكل يومي بإرسال عدة تسجيلات صوتية إلى المدنيين المعينين لجمع الإتاوة، بغية الضغط عليهم للإسراع في عملية جمع الأموال كلاً في قريته، ويحرص الفصيل على أن يحصل ذلك بشكل سري، لإدراكه بأن الإعلام يراقب عمليات السرقة والنهب التي تطال موسم الزيتون”، وذلك للموسم السادس على التوالي.
وبعد أن تم احتلال عفرين، بموجب ما سمي بـ”عملية غصن الزيتون”، والتي أسفرت عن تهجير الغالبية العظمى من سكان عفرين الأصليين الكُرد، أعترف وزير الزراعة التركي في نوفمبر 2018، باستيلاء تركيا على محصول الزيتون في عفرين وبيعه، وذلك رداً على اتهام رئيس حزب الشعوب الديمقراطية آنذاك، لتركيا بنهب محصول زيت الزيتون في عفرين، فيما أكد حينها، النائب عن حزب الشعوب الديمقراطية نور الدين ماجين “إن المسحلين لم يكتفوا بتهريب 50 ألف طن من زيت الزيتون من عفرين، بل قاموا بتدمير حقول الزيتون أيضاً”.
وكانت قد قدّرت وقتها، صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية، قيمة الزيت المنهوب من قبل تركيا من عفرين، بنحو 70 مليون يورو، وذكرت إن 25% من ذلك المبلغ، كان حصة الجماعات المسلحة في عفرين.