“جرائم لا تتوقف”.. مطالب دولية بالتحقيق مع القوات التركية لقتلها مدنيين شمال سوريا

تتواصل النداءات الدولية التي تطالب بإجراء تحقيق بشأن الضربات التي تنفذها تركيا في مناطق شمال وشرق سوريا وأحدثها منظمة هيومن رايتس ووتش، التي أكدت أنه ينبغي على السلطات التركية التحقيق في الأضرار التي لحقت بالمدنيين في حملتها الجوية التي شنتها في الفترة من 5 إلى 10 أكتوبر، مشيرة إلى أن غارات الطائرات بدون طيار التركية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 11 مدنياً وإصابة عديد من الجرحى في المناطق الكردية السورية.

وفي الخامس من الشهر الماضي بدأت تركيا ضربات مكثفة على مناطق واسعة في شمال سوريا وشمال العراق، بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن تفجبر مقر أمني في العاصمة التركية “أنقرة”، وزعمت السلطات أن منفذي الهجوم مروا عبر الأراضي السورية وتدربوا فيها، رغم النفي القاطع من قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، على نحو يجعل مراقبين ينظرون إلى الهجوم باعتباره مجرد ذريعة جديدة لينفذ النظام التركي تلك الضربات العدوانية.

تفاصيل مروعة في شمال وشرق سوريا

وروى تقرير “هيومن رايتس ووتش”، وفق ما نقل موقع نورديك موينتور المتخصص في الشؤون الدولية وشؤون الشرق الأوسط التجربة المروعة التي عاشتها إحدى الأسر الكردية في شمال شرق سوريا، وهي أسرة السيدة ركزة صالح فواز وابنتها، اللتين أصيبتا بجروح خطيرة أثناء الغارات خلال عملهما في حقل قطن. وألقت “هيومن رايتس ووتش” باللوم على القوات المسلحة التركية بسبب ما قالت إنه الافتقار الواضح إلى الاحتياطات اللازمة لمنع سقوط ضحايا من المدنيين.

في هذا السياق، يقول عبدالرحمن ربوع الكاتب الصحفي السوري، في اتصال لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الغارات التركية على شمال وشرق سوريا اعتدنا عليها منذ سنوات وتأتي بحجة محاربة الإرهاب وحفظ الأمن القومي التركي وغيرها من الحجج المرفوضة لدى جموع السوريين، فهي أولاً عدوان تركي على الأراضي السورية، كما أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يتم الاعتداء عليها هي قوات سورية شاركت في حماية الشعب السوري والقضاء على الإرهاب والتنظيمات المتطرفة التي دخل معظمها من الأراضي التركية، وساهمت مساهمة حقيقية وفعالة في حماية المنطقة وتحريرها من الإرهاب.

وأضاف أنه بالتالي أن تأتي قوات تركية إلى الأرض السورية وتتهم فصيل دافع عن السوريين في مواجهة الإرهاب مثل “قسد” فهذا أمر مرفوض بالنسبة لنا كسوريين، والأهم أن النظام التركي خلال عملياته هذه سواء التي جرت من قبل أو التي تجري حاليا ارتبط بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية سواء من خلال قتل المدنيين الأبرياء أو التهجير أو ضرب الأهداف المدنية مثل بعض المرافق.

وأكد “ربوع” أن تورط تركيا في جرائم حرب بمناطق شمال وشرق سوريا أمر لا شك فيه، وقد وصل الأمر إلى استهداف شخصيات مدنية بالاسم وهناك عشرات الأسماء أو الأشخاص تمت تصفيتهم، وحتى لو كان الاستهداف غرضه قوات سوريا الديمقراطية فلا يحق لأنقرة ذلك، فهي قوات معترف بها دولياً وتعاونت معها الدول العربية من أجل القضاء على داعش.

ويرى الكاتب الصحفي السوري أن دعوة “هيومن رايتس ووتش” تركيا للتحقيق في ارتكاب قواتها جرائم قتل مدنيين شمال وشرق سوريا، تأتي نتاجاَ أو تتويجاً لجهود قام بها أهالي هذه المنطقة والإدارة الذاتية التي تطالب المجتمع الدولي بالضغط على النظام التركي لوقف تلك العمليات العدوانية، وقد بذلت في هذا السياق جهوداً كبيرة لتوثيق تلك الجرائم وإرسالها لكافة المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية وإلى حكومات الدول، وطلبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحديداً أن يتم إصدار بيان يطلب من أنقرة وقف هذه الهجمات.

وفي ختام تصريحاته، أكد عبدالرحمن ربوع أن الشعوب التي تعيش في مناطق شمال وشرق سوريا تريد الاستقرار والبناء وقادرة على استيعاب الجميع، وأن من يديرونها قادرين على تقديم تجربة تتسم بالشفافية والنزاهة في الحكم، والتجربة أثبتت أنهم قادرون على تلبية احتياجات السوريين في هذه المناطق، لكن للأسف الهجمات التركية تعرقل هذه التجربة.

وقد أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن شهر أكتوبر شهد “تصعيداً تركياً كبيراً جداً” بحسب وصفه، عبر البر والجو خلف عشرات القتلى والجرحى وخسائر مادية فادحة بممتلكات عامة وخاصة، حيث أحصى 44 استهداف من قبل المسيّرات التركية التي أسفرت عن مقتل 17 شخص وجرح 27 آخرين، بينهم 40 استهداف على الحسكة أسفرت عن مقتل 4 مدنيين بينهم طفل. وذكر كذلك أن المقاتلات التركية الحربية شنت 36 ضربة جوية تسببت بمقتل 31 شخص بالإضافة لإصابة أكثر من 53 من العسكريين والمدنيين، فيما طال القصف البري عشرات المناطق وخلف 3 شهداء مدنيين وهما طفلان وسيدة.

جرائم موثقة وليس هذا هو التحذير الأول

وليست هذه هي المرة الأولى التي تدين فيها منظمة هيومن رايتس ووتش الهجمات التركية، فقد نقلت عن جماعات مدنية أن الضربات على أكثر من 150 موقعاً في شمال وشرق سوريا في محافظات الحسكة والرقة وحلب أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص بينهم مدنيين وألحقت أضرارا بالمباني المدنية، كما دعت إلى إجراء تحقيقات فورية في الأحداث، وحثت تركيا على تقديم تعويضات للضحايا أو أسرهم.

وطالت الضربات التركية كذلك بعض المرافق التي يحرم القانون الدولي المساس بها، حيث ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن محطة مياه علوك توقفت عن الخدمة وتعد المصدر الوحيد لمدينة الحسكة نتيجة قصف القوات التركية وينذر توقفها بكارثة إنسانية لأنها تمد مدينة الحسكة بالمياه الصالحة للشرب والتي يسكنها أكثر من مليون نسمة.

وذكر المرصد كذلك أنه قد تم قصف محطة السد الغربي وخروجها عن الخدمة بسبب تضرر المحولات الموجودة فيها والتي بدورها تغذي محطة السد الشرقي المصدر الوحيد لمحطة تصفية الحمة والتي يتم فيها عملية كلورة مياه مدينة الحسكة وضخها، مشيراً كذلك إلى أن هناك 12 قرية على خطوط التماس بريفي تل تمر وأبو راسين شمال غربي الحسكة باتت خالية من قاطنيها بشكل كامل، وذلك بسبب تعرضها للقصف من قبل القوات التركية والميلشيات الموالية لها.

وذكر كذلك أن سكان 60 قرية أخرى في ريف أبوراسين وصولاً لبلدة تل تمر يعيشون حالة من الخوف والرعب، بسبب الاستهدافات المستمرة والمصير المجهول الذي يلاحقهم من حالة عدم الاستقرار والقصف المتبادل بين قوات “قسد” والقوات التركية والميليشيات الموالية لها على خطوط التماس.

النظام التركي اعتاد ارتكاب الجرائم

بدوره، يقول حازم العبيدي المستشار السياسي لمركز الرافدين للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف، في اتصال لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن المشكلة تكمن في أن النظام التركي اعتاد ارتكاب هذه الجرائم سواء في شمال سوريا أو شمال العراق دون محاسبة، إما بسبب التواطؤ الدولي معه، أو حتى بسبب صمت بعض الحكومات العربية لا سيما الحكومة العراقية التي لم تتخذ بعد موقفاً حاسماً من تلك الضربات وكأن مناطق الشمال ليست جزء من التراب العراقي.

وانتقد “العبيدي” بيان منظمة هيومن رايتس ووتش معتبراً أنه بياناً مهماً لكنه جاء معيباً، لأنه قصر أسباب سقوط ضحايا بين الأبرياء على عدم التزام القوات التركية بإجراءات حماية المدنيين، لأنه في البداية يجب إدانة هذا التدخل باعتباره عدوان يخالف المواثيق والعهود الدولية، والنقطة الثانية أن هذه القوات المحتلة تتعمد أو تنفذ تلك الجرائم ولا تبالي ولا تخشى أي عواقب، بدليل أن النظام التركي يتمادى على مدار السنوات الماضية في هذه الانتهاكات.

ويرى المستشار السياسي لمركز الرافدين أن القضية في شمال وشرق سوريا بالنسبة للنظام التركي لا تتعلق بإرهاب أو أمن قومي بقدر ما تتعلق بإرضاء الأجندة التوسعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهي ذاتها الأجندة التي يتبناها القوميون الأتراك الذين يعتمد عليهم في السنوات الأخيرة لدعم وتوسيع قاعدته الشعبية حتى لو كان ذلك على حساب الكرد داخلياً وخارجياً وحتى لو كان ذلك أيضاً على حساب الدول العربية، وحتى لو وصل الأمر به إلى استهداف السدود ومحطات المياه والضغط على سكان هذه المناطق لتهجيرهم.

يذكر أن الضربات التركية دفعت المنظمات الإنسانية إلى تعليق أعمالها في مخيم واشو كاني في ريف الحسكة، احتجاجا على تعرض المخيم لضربات جوية من قبل سلاح الجو التركي، حيث يبلغ عدد تلك المنظمات نحو 12 وقد توقفت عن العمل بسبب التصعيد التركي الذي يتم فيه استخدام أسلحة ثقيلة ومسيرات وغيرها من وسائل القصف، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

قد يعجبك ايضا