لا يمر حدث في المنطقة والعالم، إلا وتستغله أنقرة بغية استهداف مناطق شمال وشرق سوريا، حيث الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، وهو مبعث قلق لدى الكثير من سكان تلك المناطق، من صفقة جديدة قد تطيح بحقوقهم وآمالهم، التي لطالما سعوا لها في خضم الحرب الأهلية المستعرة في البلاد، منذ أكثر من اثني عشر عاماً.
وقد عزز تلك المخاوف، ما حصل في 7 أكتوبر، عندما أطلقت حركة حماس، هجوماً واسعاً على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، أسفر عن مقتل حوالي 1400 إسرائيلي وإصابة الآلاف، لتصبح منذ ذلك اليوم، الحرب بين إسرائيل وحماس، محط اهتمام الغرب، وتتوجه لها الأولويةً في التغطيات الإخبارية، ما انعكس سلباً على الانتهاكات والقصف التركي على شمال شرقي سوريا، والذي تركز على تدمير البنية التحتية.
وقد أقر مُتابعون غربيون بأن الحرب في غزة، أخذت الانتباه عما يجري في شمال وشرق سوريا، فيما استخدمت تركيا رغبة الغرب في ضم فنلندا والسويد للناتو لتحقيق مكاسب على حساب مناطق الإدارة الذاتية، عبر الاستحواذ على بعض التنازلات التي سمحت لها بتنفيذ اعتداءات عسكرية، كان آخرها حملة قصف جوي في الخامس من أكتوبر الماضي، تسببت بأضرار اقتصادية قُدرت بنحو مليار دولار أمريكي.
كما كان لافتاً للغاية طريق التعاطي الأمريكي مع القصف التركي لمناطق الإدارة الذاتية من جهة، وطريقة التعاطي مع الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، حيث اتسم في الحالة الأولى باللامبالاة، في حين عمل في الحالة الثانية بكامله عزمه لإبداء المساندة والدعم، فنشرت الولايات المتحدة حاملتي طائرات في البحر الأبيض المتوسط لردع “الأعمال العدائية” ضد إسرائيل، أو مواجهة “جهود توسيع نطاق الحرب”، في ظل الخشية الإقليمية من اتساع نطاق الصراع إلى الحدود السورية أو اللبنانية.
مسد تدين المجازر في غزة
لكن ذلك لم يمنع مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، من إبداء الموقف في الثامن عشر من أكتوبر، مما يحصل في غزة، حيث أدان المجلس المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين في قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وقال إنه: “يتابع التطورات الخطيرة والأحداث المأساوية في قطاع غزة والكارثة الإنسانية التي يعيشها”.
وأضاف البيان أن “مسد” يعبر عن حزنه العميق وأسفه الشديد على فقدان الأبرياء لأرواحهم، ويعزي أُسر الضحايا، مشدداً على ضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته، واتخاذ إجراءات نافذة لوقف التصعيد والكف عن نزف الدماء، وعدم استهداف المدنيين، والتقيد بأقصى درجات الالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
فيما قال مسؤولون في الإدارة الذاتية، إن الإدارة وقواتها العسكرية والأمنية “يقظة”، حيال توسع الصراع بين إسرائيل وحماس، للحفاظ على أمن واستقرار مناطقها، وأكدوا أن شرارة الحرب المستعرة في غزة ستطال سوريا، ومناطق شمال وشرق سوريا، بدليل القصف الإسرائيلي لمناطق في الداخل السوري والمطارات السورية.
وقد باتت سوريا ساحة للصراع على النفوذ لدى الكثير من الدول سواءً لوجود التحالف الدولي؛ بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الذي يحارب الإرهاب، نتيجة التواجد الروسي والتدخلات الإيرانية والتركية، إذ تقصف فصائل موالية لإيران، قواعد التحالف الدولي بين الحين والآخر، والتي تتركز في مناطق الإدارة الذاتية.
لكن المراقبين يشيرون إلى أن الحرب قد لا تكون هناك مباشرة بين الطرفين الأمريكي والإيراني في شمال سوريا، إنما عبر تحريك طهران لأذرعها، وهو ما سيكون مواتياً لأنقرة، حيث يبدو الطرفان الإيراني والتركي مُتفقتين إلى حد بعيد في الملف السوري، وفي ملف غزة، ولجهة ضرب التواجد الأمريكي ومحاولة إنهائه في شمال سوريا.
الإدارة الذاتية تدعم حل الدولتين
وللتعقيب على المخاوف من ارتدادات حرب غزة، على مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، قال الدكتور “عبد الكريم عمر” مُمثل الإدارة الذاتية في أوروبا، بحديث خاص لـ منصة تارجيت، إن “ما يحدث في غزة بالتأكيد سيكون له تداعيات كبيرة دولية وإقليمية في الشرق الأوسط”، مردفاً: “نحن جزء منه كسوريين، لذلك بالتأكيد، سيكون له تداعيات على الداخل السوري”.
وأردف: “نحن في شمال وشرق سوريا، جزء من سوريا، وموقفنا واضح بخصوص هذا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نحن ضد استهداف المدنيين، بصورة خاصة النساء والأطفال من أي طرف كان، ومع خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، وندعو إلى حل القضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية ذات الصلة، التي تؤدي بالتالي إلى قيام دولتين، دولة فلسطينية ودولة إسرائيل”.
وبالنسبة إلى تركيا، وتخمين المراقبين بأنها سوف تستغل أحداث غزة، لمحاولة النيل من مناطق الإدارة الذاتية، عبر صفقات مع أمريكا أو روسيا كما حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض، قال “عمر” لـ تارجيت: “هي دائماً ما كانت تستغل الصراع بين الشرق والغرب، وتستغل وجودها في الناتو، ونتيجة لذلك احتلت عفرين ورأس العين\سريه كانيه وتل أبيض\كري سبي”.
“كما استغلت الحرب الروسية الأوكرانية، واستغلت طلب السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو، وفرضت على هاتين الدولتين توقيع مذكرة تفاهم على حساب شعبنا”، أوضح “عمر” لـ تارجيت، وأشار: “لذلك لا نستبعد أن تستغل هذه الأزمة الجديدة، نتيجة انشغال المجتمع الدولي والرأي العام والإعلام، للقيام بعدوان جديد، تستهدف فيه مكونات شمال وشرق سوريا”.
لكن وبأي حالة، فإن المخاوف الموجودة وإن كانت مُبررة، فهي لا يمكنها أن توقف الحياة في مناطق الإدارة الذاتية، خاصة إذا ما علمنا أن أي تراخ أمريكي هناك، سيقابله تعزيز للدور الروسي والإيراني في المنطقة، وهو ما تعمل الولايات المتحدة بالأساس على مواجهته، واستجلبت لأجله كل أساطيلها.