لطالما رفعت إيران شعارات (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)، لكنها في الوقت عينه، اقتصرت على جعله شعاراً فقط، ساعية من خلال ذلك إلى استقطاب الشعوب العربية باسم القضية الفلسطينية، وهو ما نسفته “ثورات الربيع العربي”، نتيجة الدور المريب الذي لعبته إيران، في قمع الشعوب المنتفضة، خاصة في سوريا، لتفقد إيران وميلشياتها، الكثير من التأييد والزخم الذي كانت تحظى به سابقاً.
لكن أحداث السابع من أكتوبر الماضي، والهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على إسرائيل، وجدته إيران، فرصة لإعادة تعويم نفسها بين الشعوب العربية، من خلال الظهور بمظهر المدافع عن القضية الفلسطينية، والداعم للعمل العسكري ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وهي محاولة لا يبدو أنها ستنجح فيها، لهول الممارسات التي نفذتها إيران عبر أذرعها في عدة دول عربية، تتجاوز فلسطين من حيث المساحة بعشرات المرات.
تنصل إيراني من هجوم حماس
ورغم أن الهجوم الحمساوي في السابع من أكتوبر، قد صبّ في شعار إيران الشهير (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل)، إلا أن ذلك لم يمنع المرشد الإيراني، علي خامنئي، من التنصل منه في العاشر من أكتوبر، عندما نفى ضلوع بلاده في الهجوم، وهو ما كانت إيران قد زعمته من قبل، قائلة إن الاتهامات التي طالتها، تستند إلى “دوافع سياسية”.
في حين قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة: “ندعم فلسطين على نحو لا يتزعزع، لكننا لا نشارك في الرد الفلسطيني، لأن فلسطين فقط هي التي تتولى ذلك بنفسها”، على حد تعبيرها.
إلا أن ذلك لم يمنع الأمريكيين من توجيه أصابع الاتهام إلى إيران، إذ ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في الثامن من أكتوبر، أن “مسؤولين أمنيين إيرانيين شاركوا في التخطيط للهجوم” المفاجئ الذي شنته حماس على إسرائيل، وتسبب بمقتل المئات من المدنيين الإسرائيليين، وأفادت الصحيفة الأميركية أن “إيران منحت الضوء الأخضر للهجوم، خلال اجتماع عقد في العاصمة بيروت، بعد تخطيط استمر منذ أغسطس الماضي”.
بينما قال جوناثان فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، في العاشر من أكتوبر، إن إيران متواطئة على نطاق واسع في الهجوم، ولفت فاينر خلال مقابلة مع شبكة “سي بي أس” الأميركية: “ما يمكنني قوله دون أدنى شك هو أن إيران متواطئة على نطاق واسع في هذه الهجمات”، مردفاً: “كانت إيران الداعم الرئيسي لحماس منذ عقود، لقد قدموا لهم الأسلحة، والتدريب، والدعم المالي”.
وأكمل: “ولذلك، فيما يتعلق بالتواطؤ الواسع، نحن واضحون للغاية بشأن دور إيران”، بيد أنه استدرك بالقول: “ما لم نره بعد في هذه اللحظة وما زلنا ننظر إليه عن كثب هو أدلة على تورط مباشر في الهجوم الحالي، وهو ما تفعله أيضاً القوات الإسرائيلية”.
أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، فقد اعتبر في التاسع والعشرين من أكتوبر، أن المزاعم بأن طهران على صلة مباشرة بهجوم حماس في 7 أكتوبر “بلا أساس”، مدعياً في مقابلة مع شبكة (سي.إن.إن): “دائماً ما ندعم فلسطين سياسياً وإعلامياً ودولياً، ولم ننكر ذلك أبداً”، وأردف: “هذه هي الحقيقة، لكن فيما يتعلق بهذه العملية التي تسمى طوفان الأقصى، لم يكن هناك أي صلة بتلك المعطيات بين إيران وعملية حماس هذه، لا حكومتي ولا أي جهة من بلدي”، على حد وصفه.
إيران تستخدم القضية الفلسطينية
وحول ما سبق، قال “هاني سليمان” المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث والدراسات، وهو مُتخصص مصري في الشؤون الإيرانية، في حديث خاص لـ منصة تارجيت: “أعتقد أن مفتاح فهم هذه الإشكالية يتعلق بالقضية الفلسطينية في السياسة الخارجية الإيرانية، أنها تاريخياً لم تتعدى مسألة التطويع والاستخدام، لتحقيق أهداف إيرانية ليست في خدمة القضية الفلسطينية بحد ذاتها”.
وتابع: “ايران بعد قيامها ومحاولة اختراق الجسد العربي، ارتأت أن أقرب طريق هو الاختراق الوجداني العاطفي واللعب على مسألة القضية الفلسطينية والمظلومية، على أساس أن ذلك يتسق مع ما تروج له إيران، من فكرة المقاومة والثورة والتمرد على قوى الطغيان والولايات المتحدة الأمريكية، وأعتقد أن هذا كان يلقى رواجاً في الشارع العربي”.
وشدد: وبالتالي أريد أن أقول، إن إيران تستخدم القضية الفلسطينية كأداة، من خلال خطاب عاطفي يستخدم الشعارات، أكثر منه دعماً واقعياً، وحتى فيلق القدس الذي سمي على اسم القدس، قد فقد بوصلة اتجاهاته، ولم تقم إيران بأي عمليات في مصلحة القضية الفلسطينية، وضد إسرائيل بشكل مباشر عسكرياً، لخدمة القضية الفلسطينية”.
واقعياً غير حقيقي
“إنما يتم تطويع هذا الهجوم على إسرائيل، لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، أو تحقيق أهداف في مناطق أخرى”، أكد الباحث المصري لـ تارجيت.
وأضاف: “لا يعد إطلاق بعض الصواريخ أو التحرش بالسفن الإسرائيلية أو غيرها من هذه العمليات، ممكن المقارنة مع حجم التهديد الإيراني وتهديد المليشيات الإيرانية سواء الحوثيين أو حزب الله لإسرائيل، مع عملية الاجتياح البري لغزة، أو إذا ما انتهكت وقامت بعمليات إبادة لأهالي غزة، وهذا ما حدث، لكن دون تحرك إيراني، بجانب بعض المحاولات على استحياء من حزب الله في الشمال، وبعض الضربات الصاروخية المحدودة من جانب الحوثيين، حتى يتم تصديق فكرة أن إيران هي من تدافع عن فلسطين والقضية الفلسطينية”.
مستدركاً: “لكن هذا واقعياً غير حقيقي، بالمقارنة بما خصصته، وما قامت باستثماره إيران في ميليشياتها بالعواصم العربية، ففي العراق، توجد أكثر من 69 مليشيا، أو في سوريا وفي لبنان من خلال حزب الله، أو الحوثيين في اليمن، وحجم الدمار وعدم الاستقرار الذي أصاب هذه الدول، وما خصصته إيران من تركيز كبير لتحقيق ذلك الهدف وهو تصدير ثورتها، لا يُقارن بما فعلته بالهدف الرئيسي المُفترض أن يكون دعم القضية الفلسطينية”.
مُختتماً حديثه لـ تارجيت بالقول: “اعتقد أنه خطاب لا يتعدى فقط التطويع، دون أن يكون هناك نية حقيقية أو حشد وتركيز قوي من جانب إيران للهجوم على الكيان الصهيوني، بل فقط بعض الدعم وبعض التنسيق مع مليشيات حماس، لكن ردة الفعل لا تتفق أبداً مع حجم التهديد ومع حجم ما تحدثت به إيران تاريخياً عن دعم القضية الفلسطينية، وإبادة العدو الصهيوني والأمريكي”.
وعليه، يبدو أن الأهداف الإيرانية في حرب غزة، تتجاوز القضية الفلسطينية، إلى قضية هي أهم بالنسبة لطهران، ألا وهي إعادة تعويم نفسها لدى الشعوب العربية، عقب أن خسرت قاعدة واسعة بفعل أدوارها في سوريا واليمن ولبنان والعراق، وهي مهمة تبدو مستحيلة، حيث لن تستطيع شعوب تلك الدول، ولا باقي الشعوب العربية أن تتناسى كم الجرائم والانتهاكات التي مارستها ولا تزال، مليشيات طهران في بلادهم.