قبل أيام صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بأن بلاده سترد على الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية في سوريا والعراق، التي تأتي من بعض الأطراف الموالية لإيران في ضوء ما يعتبرونه رداً على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة المدعومة من واشنطن، ما يهدد بفتح جبهات جديدة وتوسع الصراع إقليمياً.
وقد قال السكرتير الصحفي للبنتاجون العميد بات رايدر، في أحدث تصريحاته له، إن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تعرضت لهجوم بطائرات بدون طيار أو صواريخ 27 مرة على الأقل في الأيام الأخيرة، مع انتشار مزيد من القوات الأمريكية في المنطقة، مشيراً كذلك إلى أن بعضها جاء بعد ضربات أمريكية طالت منشئات يستخدمها الحرس الثوري الإيراني شرق سوريا.
هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة وانتشار أمريكي
وكشف مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية في تصريحات لشبكة “فويس أو أميركا” الأمريكية عن تنفيذ عدة طائرات بدون طيار هجومية في اتجاه واحد لاستهداف قاعدة الأسد الجوية في غرب العراق، كما تم استخدام عدة صواريخ في هجوم آخر على نفس القاعدة، واستهدفت الصواريخ القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في موقعين مختلفين شرق سوريا أيضا، أحدهما في قاعدة تعرف باسم القرية الخضراء وأخرى في موقع لدعم عمليات مكافحة الإرهاب.
ولم تتسبب تلك الهجمات منذ 17 أكتوبر ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي في خسائر بالأرواح، لكنها أوقعت 17 إصابة لأمريكيين بجروح طفيفة في سوريا وأربع إصابات طفيفة لأفراد أمريكيين في العراق، كما أصيب أحد المقاولين الأمريكيين في قاعدة الأسد الجوية بنوبة قلبية بينما كان يحتمي في مكانه أثناء إنذار كاذب بهجوم جوي وتوفي، حيث وقع ما لا يقل عن 20 هجوماً على القوات الأمريكية في العراق وسوريا في الفترة ما بين 17 و26 أكتوبر فقط، وفقًا للبنتاجون، الذي أعلن لاحقاً ارتفاع تلك الهجمات إلى 28.
لكن في المقابل، عمدت الولايات المتحدة إلى نشر منظومات دفاع جوية إضافية من طراز “ثاد” وأنظمة باتريوت الصاروخية إلى الشرق الأوسط، رداً على الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها قواتها في المنطقة، لاسيما في العراق وسوريا، كما أكد المتحدث باسم البنتاجون أنه سيتم ينشر 300 جندي إضافي في منطقة الشرق الأوسط لدعم جهود الردع الإقليمية ومواصلة تعزيز قدرات حماية القوات الأمريكية.
وقد وضعت وزارة الدفاع الامريكية بصفة عامة حوالي 2000 جندي في حالة استعداد عالية لانتشار محتمل في الشرق الأوسط، دعماً لإسرائيل في مواجهة حركة حماس، لكن مراقبون يقولون إن ذلك الانتشار لا يعني قتال القوات الأمريكية إلى جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي وإنما هدفه منع أي دعم قادم من سوريا ولبنان والعراق، وكذلك مواجهة أي استهداف للقوات الأمريكية.
رد يحمل رسالة إلى إيران
وحول تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ومغزاها، يقول الدكتور نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن الأمريكية، في اتصال لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن هذه التصريحات تعني أن واشنطن سترد على أي هجوم قد تتعرض له قواعدها العسكرية في العراق أو سوريا، لكن سيكون هذا الرد أيضاً رسالة إلى إيران، لأن الإدارة الأمريكية مقتنعة أن تلك الجماعات التي تنفذ هذه الهجمات ولاؤهم لطهران.
ويرى ميخائيل أن هذه التصريحات لا تعني أن الولايات المتحدة ستدخل حرباً جديدة في الشرق الأوسط، لأنه في واقع الأمر هي مشغولة أكثر بدعم الهجمات الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، وبالتالي لا تريد أن يتم فتح جبهة جديدة قد تتسبب في التزامات أمريكية أمنية لفترة طويلة، وهذا أمر لن ترضى عنه المؤسسة العسكرية التي لا تريد الخوض في حرب جديدة، وإنما التعامل بشكل سريع مع تلك الهجمات.
وأعرب أستاذ العلوم السياسية عن اعتقاده بأننا قد نرى الفترة المقبلة عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة سواء في الداخل الأمريكي أو خارجها عبر استهداف مواقع وأهداف أمريكية في المنطقة، بسبب حالة الغضب الشديدة ضد واشنطن نتيجة تأييدها العنيد والعنيف للمجزرة التي تحدث في قطاع غزة، وبالتالي هناك نوع من السخط لدى كثير من الجماهير، وقد يترجم ذلك في عمليات إرهابية ضد الأهداف الأمريكية.
وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم الخميس أن الولايات المتحدة نفذت ضربات ضد منشأتين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني ومجموعات تابعة له في شرق سوريا، وقد أتت تلك الضربات بعد رسالة بعثها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مرشد إيران علي خامنئي يحذره فيها من أن أي هجوم على القوات الأمريكية يهدد بتوسيع نطاق الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، كما أكد متحدث باسم البيت الأبيض أنها كانت رسالة مباشرة.
استهداف واسع للحضور الأمريكي
ورغم تنفيذ واشنطن غارات على مواقع لوكلاء إيران، إلا أن ضربات تلك المجموعات ضد الأهداف الأمريكية لم تتوقف سواء بالصواريخ أو الطائرات المسيرة، بينما أكد وزير الدفاع الأمريكي أن بلاده ستواصل غاراتها في إطار ردع هؤلاء، لكن المخاوف تتصاعد من إمكانية أن تتحول تلك الوقائع إلى نزاع أوسع.
في هذا السياق، يقول الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة إنه من الواضح أنه سيكون هناك استهدافاً واسعاً للحضور الأمريكي في العالم، وليس فقط على مستوى الشرق الأوسط، وهناك تقديرات لوكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية بأن الفترة المقبلة ستشهد تكثيفاً لاستهداف الحضور الأمريكي ليس فقط كقوات وقواعد ومنشئات، بل كذلك كسفارات وقنصليات ورعايا، أي خريطة كاملة لتك التهديدات حددها الأمريكيون.
وأضاف فهمي، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن هذه التهديدات تأتي نتيجة الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل، وترتبط كذلك بأن يتحرك الوكلاء الإيرانيين في المنطقة بإيعاز من طهران لتخفيف الضغوط على حركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، وبالتالي باتت الأهداف الأمريكية في مرمى البصر من تهديدات المواجهة.
لكن في الوقت ذاته، يؤكد الخبير المصري في شؤون الشرق الأوسط أن الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران هدفها بالأساس محاولة لجم الصراع، وعدم تمدده بصورة أو بأخرى وكأن الإدارة الأمريكية تستجدي التهدئة من إيران، والأخيرة بدورها ستفهم الأمر بصورة مختلفة وهو أن تكون هناك مساومات بين الطرفين لضبط حدود المواجهة، وبالتالي سيعمل الإيرانيين على التصعيد، كنوع من تأكيد القوة.
ويرى “فهمي” أن الأراضي السورية والعراقية أصبحت إحدى أهم المسارح الأكثر أهمية وخطورة بالنسبة للجانبين الأمريكي والإيراني، فهي الجبهة المرشحة بصورة كبيرة للتفاعل والتداخل في تطورات الأحداث، وإن كان سيناريو تحديد نطاق الصراع هو القائم في الوقت الحالي على الأقل.