باحث سياسي مصري: أردوغان وإسرائيل لديهما نفس “ثقافة الاحتلال” السوداء

مع بدء العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة، ذهب البعض إلى تشبيه ما تقوم به تل أبيب في شمال قطاع غزة بممارسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شمال وشرق سوريا، من حيث العدوان والتخطيط لإقامة مناطق عازلة وتهجير السكان، بل وارتكاب نفس الانتهاكات أو لنكن أكثر دقة الجرائم ضد شعوب هذه المناطق التي تتعرض للاحتلال وكأنهما وجهان لعملة واحدة.

بل إن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان له تصريحاً شهيراً خلال الأيام الماضية يؤكد أنه سيتم القضاء على من يصفهم بـ”الإرهابيين” في شمال سوريا وكانت عبارته كما يراها البعض غطاءً لعمليات قتل الأبرياء بهجمات مستمرة منذ الرابع من أكتوبر، وهو نفس الأمر بالنسبة لإسرائيل التي أكدت في السابع من أكتوبر أنها ستنهي تماماً على من تصفهم كذلك بالإرهابيين في غزة والنتيجة آلاف الأبرياء سقطوا ضحايا لها.

وفي إطار الوقوف على مدى صحة هذه المقاربة بين النظامين في تركيا وإسرائيل، حاورت منصة “تارجيت” الإعلامية الأكاديمي والباحث السياسي المصري هاني الجمل الذي يرى أن كل من أنقرة وتل أبيب لديهما نفس الثقافة الاحتلالية التي وصفها بـ”السوداء”، وكلهما يسعيان إلى التوسع والتمدد في إطار تحركات استعمارية تدعمها قوى الإمبريالية والرأسمالية العالمية.

نص الحوار:

*البعض يشبه بين ما تقوم به تركيا في شمال سوريا وإسرائيل في شمال قطاع غزة، ما رأيك في هذا التشبيه؟

– هناك تشابه كبير جداً بين موقفي الاحتلال التركي والاحتلال الإسرائيلي، الموقف الإسرائيلي يسعى للتمدد من أجل إقامة منطقة عازلة في شمال غزة وهي نفسها سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شمال وشرق سوريا، ومن المعلوم أن هناك اتفاقية تتيح التمدد التركي داخل العمق السوري في حدود 5 كيلومتر، إلا أن ما يقوم به الرئيس التركي في الوقت الراهن أنه يتمدد إلى أكثر من ذلك وربما تصل الأمور إلى قرابة 100 كيلومتر في العمق السوري، وهو هنا يزعم إنه يستهدف حزب العمال الكردستاني سواء في الشمال السوري أو الشمال العراقي.

*لكن يبدو في كثير من الأوقات أن الأمر لا يقتصر على مسألة حزب العمال الكردستاني كما يدعي، وإنما ربما لديه أهدافاً أبعد من ذلك، هل تتفق معي؟

– بالفعل أتفق معك تماماً، لأن الهدف الأسمي للرئيس التركي أن يتوسع في المنطقة وأن يزيد من مساحة المنطقة العازلة، وهنا هو يريد كذلك بالأساس تقطيع أواصر الكيان الكردي في المنطقة سواء كان الأمر متعلق بكرد سوريا أو بكرد تركيا، هو يريد تقطيع هذه الأواصر، ويعمل على طمس الهوية والثقافة الكردية، وبالتالي أردوغان يحارب الكرد ككل. وهنا أشير إلى أن حرب الأتراك ضد القائد عبدالله أوجلان بالأساس هي حرب ضد الرمز الكردي بالأساس، وللأسف توحد الفكر بين الجانب التركي والرأسمالية العالمية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في ذلك الوقت ومعهم الاتحاد الأوروبي هم من نسجوا للأسف الشبكات التي أدت إلى القبض على السيد عبدالله أوجلان بما يحمل من أفكار تضع حلولاً لكثير من إشكاليات الشرق الأوسط والتي تقوم على فكرة التعايش السلمي والنهوض بالمرأة، وتصوراته كانت قادرة على وضع دول منطقة الشرق الأوسط في مصاف الدول، ومشكلة أوجلان تكمن في أن أفكاره كانت تشكل تحدياً كبيراً ضد الإمبريالية العالمية، وبالتالي كان هناك تكاتف من تلك الدول في القبض على السيد عبدالله أوجلان، وأعقب ذلك المحاولات المستمرة من قبل أنقرة للتمدد في مناطق شمال سوريا والعراق لتقطيع أواصر الكرد.

*لماذا يحرص النظام التركي مهما اختلفت أوجهه على تقطيع أواصر الكرد كما تقول؟ ما الذي تخشاه أنقرة؟

– لأن الكرد في هذه المنطقة كانوا يرغبون في وجود وطن قومي لهم سواء في الشمال السوري أو العراقي أو الإيراني أو التركي، وعندما وصل أردوغان إلى سد الحكم وضع نصب عينيه تقطيع تلك الأواصر، تارة بالعداء ضد السيد عبدالله أوجلان وصولاً إلى حرمانه من لقاء محاميه وأفراد عائلته، وتارة تحت شعار استهداف حزب العمال الكردستاني في العراق أو تركيا أو سوريا، وتارة باستهداف الكرد داخل تركيا وتحديداً حزب الشعوب الديمقراطي، وقد ارتبط ذلك بتمدد عسكري أصبح جزءً من السياسة التركية في المنطقة.

*أردوغان في البداية لم نكن نلحظ عليه مثل هذه السياسات التوسعية، ما سر التحول؟ وهل كان يتحين فرصة ما ليظهر هذا الوجه لديه؟

– الرئيس التركي استغل مجموعة من الظروف والمتغيرات الدولية للقيام بمثل هذه السياسات التوسعية ومواصلتها، فقد استغل حالة الربيع العربي في المنطقة، وانقلاب بعض الجماعات والتيارات السياسية على بشار الأسد في سوريا، وقد استفاد من هذه الحالة في سوريا وتمدد في كثير من المناطق الرخوة أمنياً، وقد استغل كذلك وجود الجماعات الإرهابية التي تم توطينها في الأراضي السورية لا سيما في منطقة شرق الفرات، واستطاع أن يخلق منطقة عازلة، يستهدف فيها الأطفال والنساء والمدارس والعزل والمصانع والمناطق الزراعية المختلفة، وللعلم هذه المناطق من أخصب المناطق من حيث الزراعة ومساحة زراعية كبيرة وكانت تركيا تستفيد منها من قبل إذ كانت تغذي المناطق السياحية التركية. وبالتالي أردوغان يريد صناعة جيب أمني خلف حدوده، والأمر الثاني تقطيع أواصر الكرد وطمس الهوية الكردية والتي تعتبر في خاصرة تركيا، ويحاول انتزاع أنياب بعض القوى العسكرية الكردية التي تشكلت، ويعمل على إسكات الأصوات التي تعالت وتتواصل مع منظمات المجتمع المدني في العالم كله والتي تفضح حروب الإبادة التي يقوم بها ضد الكرد.

*هل يمكن القول إنه في هذا التوقيت يستفيد كذلك من حالة الانشغال العالمي في حرب روسيا وأوكرانيا ثم مؤخراً حرب غزة؟

– بالفعل، إن أردوغان يستغل حالة الانشغال في العالم بما يحدث في الأراضي الأوكرانية، وكذلك الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في الأسابيع الأخيرة، إلى جانب ذلك فإنه يستفيد من حالة الضعف التي تعيشها الإدارة الأمريكية في وجود جو بايدن، فالأخير ليس بالرجل القوي الذي تخشاه الدول في الوقت الراهن. وعلى المستوى الداخلي فقد عمل أردوغان على ترميم نظامه السياسي للفوز بالولاية الرئاسية الثالثة بعد أن كان على المحك، باستخدام بعض الشخصيات الكردية المقبولة عالمياً مثل وزير المالية محمد شيشمك ووزير الخارجية هاكان فيدان، وهذه الشخصيات أعطت أردوغان قدراً من المرونة فيما يقوم به ضد الكرد أمام المجتمع الدولي ولكل الخطط العسكرية التي يتبناها أردوغان والقمع الداخلي للكرد والقمع الذي يمارسه عبر الحدود.

*كيف ترى توجهات النظام التركي بشأن إعادة اللاجئين السوريين؟

– أردوغان يعمل على إعادة اللاجئين السوريين والذين استضافهم ويصل عددهم إلى نحو 3 ملايين ونصف، ويعمل الآن على إعادة توطينهم في مناطق شمال وشرق سوريا التي دخلها، أي إعادة هؤلاء اللاجئين وفق رؤية تركية معينة تتماشى مع مخطط تقطيع أواصر الكرد، فمن خلال إعادة توطين اللاجئين في مناطق شمال سوريا سيتم تشكيل منطقة عازلة بشرية بين الكرد في جنوب تركيا والكرد في شمال سوريا، كما أنه استغلهم من قبل لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يترافق مع ما يمكن تسميته بحالة خزي من بعض الأنظمة السياسية في المنطقة ضد التدخلات التي يقوم بها النظام التركي.

*من تقصد تحديداً بالأنظمة التي تقول إن لديها خزياً تجاه سياسات أردوغان التوسعية؟

– مثل الموقف العراقي، للأسف الحكومات العراقية المتعاقبة حتى الآن ليس لديها موقفاً ثابتاً صلباً ضد الآلة العسكرية والحربية الشديدة التي تستخدمها تركيا في شمال العراق، وفي بعض الأوقات يمكن القول إن الضربات التركية كانت تأتي على هوى حكومات عراقية ولا ننسى أنها مدعومة من إيران، والأخيرة في بعض الأجزاء لديها تحاول التخلص من الكرد وقضيتهم، وبالتالي نحن للأسف وكأننا أمام اتفاق إقليمي دولي على طمس الكرد وهويتهم ومحاولة تشتيت هذه القوى الكردية، والتي أعتقد يجب الحفاظ عليها كجزء من الحضارة الإنسانية، لا سيما أن للكرد موروثاً ثقافياً كبيراً ومؤثراً، أؤكد مرة ثانية أنه يجب الحفاظ على هوية الكرد وتراثهم الإنساني ويجب مخاطبة المنظمات الدولية المعنية لتوثيق هذا التراث، ويجب أن يكون لدى الكرد حكمهم حتى لو في إطار حكم ذاتي داخل حدود دولهم.

*أعود بك مرة أخرى إلى سياق الحرب في غزة، إلى أي مدى يقتسم النظام التركي مع إسرائيل نفس الثقافة الاحتلالية؟

– إسرائيل والنظام التركي لديهما نفس الثقافة، أي ثقافة الاحتلال السوداء، وللأسف أردوغان عندما تولى كان يضع نصب عينيه التوسع والتمدد في إطار ما يمكن تسميته بالدولة العثمانية الجديدة، والرئيس التركي سعى لهذه المسألة لأن لديه هاجساً بأنه كيف يكون لأتاتورك كل هذا الصيت والتأثير على مدى قرن تقريباً وهو لا، وبالتالي أردوغان يريد أن يؤسس قرناً جديداً له، قرناً عثمانياً جديداً يضاهي القرن الذي دشته مصطفى كمال أتاتورك، أي أننا أمام دولة أردوغانية تقوم على نفس الفكر الاستعماري التمددي، وكما تتمدد إسرائيل طبقاً لتمدد المستوطنات، فإن أردوغان يتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي في نفس فكرة التمدد، إما بالسياسة أو بإطلاق النار، ولا يقتصر هذا التمدد على منطقة الشرق الأوسط فقط، بل يصل إلى مناطق مثل ناجورني كاراباخ في أذربيجان، فيتعاون معها ويمدد نفوذه مع الأخيرة بالسياسة ويستخدم القوة العسكرية ضد الكرد في سوريا والعراق والقمع ضد الكرد داخل تركيا، وهذه نفس التحركات الاستعمارية التي تؤمن بها إسرائيل والتي تؤمن بها دول الإمبريالية الرأسمالية التوسعية.

قد يعجبك ايضا