رغم أن الصراع بقطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس يسيطر على المشهد في منطقة الشرق الأوسط والعالم خلال هذه الفترة، إلا أنه وبموازاة ذلك أيضاً لا حديث يعلو على حديث القصف والاستهدافات الإسرائيلية للأراضي السورية وتلك التي تتعرض لها القواعد الأمريكية وقواعد التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا من قبل الفصائل التابعة لإيران والتي تقابلها غارات مكثفة للطيران الأمريكي على مواقع تلك الفصائل، وسط مخاوف من تحول صراع غزة إلى حرب إقليمية شاملة.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكد تعرض قاعدة التحالف الدولي لمحاربة داعش في حقل “كونيكو” للغاز بريف دير الزور الشرقي، لهجوم بأربعة صواريخ مصدرها مناطق سيطرة قوات حكومة دمشق والفصائل التابعة لإيران غربي نهر الفرات، وسط سماع دوي انفجارات عنيفة في القاعدة بالتزامن مع وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لقوات التحالف وتحليق مكثف لطائرات التحالف في أجواء المنطقة، واستهداف مواقع للفصائل الإيرانية بقريتي طابية شامية ومراط شرقي دير الزور، ما أسفر عن تدمير منصات لإطلاق الصواريخ.
ويأتي هذا التصعيد بعد ساعات على قصف طائرات مجهولة يرجح أنها تابعة للتحالف الدولي، بصواريخ شديدة الانفجار شاحنات ضمن الأراضي السورية دخلت عبر معبر القائم – البوكمال على الحدود السورية العراقية ما أسفر عن تدمير ثلاث منها، سبقه استهداف طائرات حربية أمريكية موقعين للحرس الثوري الإيراني في محيط مدينة البوكمال أقصى شرقي سوريا.
البيت الأبيض يهدد
وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، قد حذر مطلع الأسبوع خلال لقاء مع قناة “سي بي إس” الأمريكية المسؤولين الإيرانيين من أن الجيش الأمريكي لن يتردد بمهاجمة المواقع التابعة لإيران في حال تعرضت القواعد الأمريكية بالمنطقة لهجمات من قبل الفصائل التابعة لطهران، مشيراً إلى أن هناك مخاطر لامتداد الصراع الدائر في قطاع غزة إلى مناطق أخرى، وذلك بعد بيان لوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، قال إن القوات الأمريكية هاجمت موقعين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا، بناءً على أوامر من الرئيس الأمريكي جو بايدن.
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي قالت في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” حددوا الأهداف من ضرب المنشآت التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا وهي الدفاع عن القوات الأمريكية المتواجدة على الأرض، وهي ضربات دقيقة وموجهة ضد مواقع الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني دون إصابة مدنيين، لكن كانت هناك إصابة 12 جندياً أمريكياً ومقتل متعاقد واحد جراء الاشتباكات مع تلك الفصائل، مضيفةً أن الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن مواطنيها وجنودها ضد الإرهاب الإيراني”.
بيدرسون يحذر
ومن جانبه، قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين، إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدأ يمتد بالفعل إلى سوريا، مشيراً إلى القصف الجوي الإسرائيلي على مطاري حلب ودمشق الدوليين عدة مرات، ما أدى لتوقف مؤقت للعمليات الجوية الإنسانية التي تسيرها الأمم المتحدة، ولافتاً في الوقت نفسه للمخاطر الكبيرة التي يواجهها الشعب السوري جراء التصعيد بالمنطقة، نظراً للتطورات الخطيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وأضاف بيدرسون، أن النزاع السوري في حالة جمود “استراتيجية” منذ آذار/ مارس 2020 كما أنه يتصف بالعنف وأوضاع متقلبة وصراع كبير على السيطرة، مشدداً على أن استمرار غياب المسار السياسي والمشاركة الحقيقية والتقدم نحو حل سياسي للصراع يهدد بتصعيد أكبر خلال الفترة المقبلة، ويطلق العنان لمراحل وعمليات ضخمة من العنف وعدم الاستقرار، على حد تعبيره.
البقاعي، اعتبرت تصريح المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون بشأن امتداد التصعيد إلى سوريا، يوضح أنه يخشى امتداد العمليات القتالية الجارية في فلسطين بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الحدود الشمالية، والمخاوف راجعة لتواجد حزب الله ومشتقاته من الميليشيات بشكل كبير جداً في سوريا، هذا الحزب الذي هجر نصف الشعب السوري وقتل مئات الآلاف من السوريين، والآن يحاول أن يتحرش بإسرائيل والدخول بالمعركة ولكن دخول محدد من أجل أن يقول أنا موجود، إلا أنه وبأوامر من إيران لا يريد أن يكون جزءاً من هذه الحرب، وعليه فإن تصريحات بيدرسون تأتي من باب التحذير والتنبيه وليس من باب الجزم بأن التصعيد سيصل إلى سوريا لأن إيران لا تريد أن تدخل حرباً مع إسرائيل ولا مصلحة لها في ذلك، ومصلحتها حققتها لها حماس عبر زعزعة الاستقرار بالمنطقة ومنع حصول الاتفاق السعودي الإسرائيلي الذي يحمل حل الدولتين وهو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية”.
وتأتي تصريحات بيدرسون، بعد يوم واحد فقط، على تنفيذ طائرات حربية إسرائيلية غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية لقوات حكومة دمشق في محيط مدينة نوى بريف درعا الغربي، دوت على إثر ذلك انفجارات عنيفة بالمواقع المستهدفة، بالتزامن مع قصف مدفعي إسرائيلي على مواقع ضمن اللواء “112” وكتيبة مدفعية تابعة لقوات حكومة دمشق قرب مدينة نوى، رداً على ما قال إنه إطلاق قذائف صاروخية على منطقة الجولان من الأراضي السورية.
وكانت طائرات الجيش الإسرائيلي قد نفذت قبل أيام غارات على مستودعات للصواريخ والأسلحة وراداراً في كتيبة الرادار بمحيط بلدة “قرفا” واللواء اثني عشر في منطقة إزرع بريف درعا، ما أسفر عن مقتل 11 عنصراً من قوات حكومة دمشق وإصابة ما لا يقل عن 10 آخرين، بالتزامن مع تعرض مطار حلب الدولي لغارات إسرائيلية هي الرابعة خلال أسابيع، ما أدى لأضرار كبيرة في مدرجه وخروجه عن الخدمة وذلك بعد أيام على استهدافه من قبل إسرائيل إلى جانب مطار دمشق الدولي وخروجهما عن الخدمة لأيام.
مساع إسرائيلية إيرانية لتصدير الصراع
ومع ارتفاع وتيرة التصعيد والقصف المتبادل بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى، تتزايد المخاوف من امتداد الصراع بشكل رسمي إلى سوريا في ظل تزايد التحذيرات وتصاعد النبرة الكلامية من قبل المسؤولين الإسرائيليين بموازاة تزايد وتيرة الهجمات داخل الأراضي السورية، وحديث محللين عن رغبة تل أبيب من وراء ذلك إلى جانب إرسال رسائل لإيران التغطية على اهتزاز صورتها عسكرياً بعد هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والاختراق الأمني الكبير الذي تمكن من خلاله عناصر حركة حماس التوغل داخل إسرائيل، إضافةً للحديث عن رغبة إيرانية بتحويل سوريا لساحة الصراع الأولى مع الغرب وإسرائيل بدلاً من جنوب لبنان، للحفاظ على الوضع القائم وتجنب انخراط حزب الله بالحرب.
وبحسب رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي، “فإن المشهد في سوريا لن يتغير لفترة طويلة، لأن منطقة الشرق الأوسط كلها قادمة على تغيير كبير، وعندها سيكون التغيير في سوريا جزء منه”.
ووسط كل هذه التطورات والمعطيات، يجد السوريون أنفسهم ضحية لصراعات بين أطراف إقليمية حولت بلادهم إلى ساحة للنزاع، وسط استمرار صمت حكومة دمشق وعجزها عن الرد أو اتخاذ أي موقف، وتحميلها المسؤولية الأكبر عما يجري بعد أن سلمت البلاد لروسيا وإيران، وفق ما يقول السوريون.