يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جاهداً، بحسب كثير من المراقبين، إلى الاستفادة من حرب غزة في إطار ما يسمونه بـ”التوظيف التاريخي” للقضية الفلسطينية من قبل هذا النظام، لكسب مزيد من التأييد الشعبي الداخلي والخارجي، والتغطية على مشكلاته الداخلية، إلا أنهم يرون أن هذه الحرب جاءت لتقدم دليلاً إضافياً على ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين لدى “أنقرة” لا سيما عندما يتعلق الأمر بقتل الأبرياء في شمال سوريا.
وتزامنت الأزمة في غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر الجاري مع هجمات تركية وحشية على شمال وشرق سوريا أيضاً مع بداية هذا الشهر، وقد استخدام فيها النظام التركي كافة الأسلحة الثقيلة والمسيرات وأزهق أرواح أبرياء، كما استهدفت ضرباته المرافق المدنية الحيوية وصولاً إلى قصف محطات الكهرباء والمياه والمنشئات النفطية، على نحو يخالف القواعد القانونية الدولية المنظمة للنزاعات العسكرية.
توظيف تاريخي للقضية الفلسطينية
في هذا السياق، يقول الدكتور طه علي المحلل السياسي المصري، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الساحة التركية تشهد خلال الأشهر الماضية حالة من الانقسام السياسي أعقبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي، وقد جاءت الأحداث فى غزة ليوظفها الرئيس التركي كأداة لإثارة مشاعر وحماسة المواطنين الأتراك الذين ينظرون إلى القضية الفلسطينية بشكل خاص فى ضوء التوظيف التاريخي لها والذى لطالما لعبه أردوغان منذ وصوله للسلطة عام 2002.
وأضاف “علي” أن هذا التوظيف يظهر بوضوح فى المناسبات المختلفة مثل واقعة أسطول الحرية فى عام 2010، كما كانت هناك حركة أخرى لعب بها أردوغان عندما أنسحب من مؤتمر دافوس الاقتصادي، حيث وجهت الآلة الدعائية التركية الناس في كل مكان باتجاه أن الانسحاب كان في إطار مناهضة إسرائيل، علماً أن الانسحاب كان لأسباب أخرى غير فلسطين، وبالتالي فإن الرئيس التركي يجيد توظيف الأحداث المهمة المرتبطة بالقضية الفلسطينية لحشد وإثارة مشاعر الأتراك والشعوب فى المنطقة والشعب التركي على وجه التحديد المناصر له لتجاوز الأزمات السياسية بما في ذلك أزمته السياسية مؤخراً.
وقال المحلل السياسي المصري إن هذا التوظيف يستفيد به أردوغان كذلك للتغطية على عديد من المشكلات الداخلية في مقدمتها الوضع الاقتصادي المتأزم، لا سيما أن الاقتصاد يمر بأزمة غير مسبوقة عبر عنها التراجع الكبير في سعر الليرة التركية، وهنا جاءت أحداث غزة وتطورات القضية الفلسطينية كسبيل يمكن للرئيس التركي من خلاله تجاوز بعض العقبات الداخلية، وبالتالي نوع أو وجه آخر من التوظيف للأحداث في فلسطين.
أكشن إعلامي ولعب على المشاعر
بدوره، يقول عمر رأفت الباحث المتخصص في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إننا نستطيع القول إن الرئيس التركي أردوغان دائماً ما يستفيد من مثل هذه الأحداث لاستغلالها لصالحه، لتزيد شعبيته واستغلالها بصفة عامة للعب على مشاعر الأتراك أو العرب لا سيما ما يجري في قطاع غزة من وقت لآخر، وحديثه بأن تركيا دائماً ما تساند الفلسطينيين وشعبها.
ويرفض “رأفت” فكرة أن الرئيس التركي يدعم القضية الفلسطينية، قائلاً: “الحقيقة تقول إن أردوغان لا يساند فلسطين، بل أنه يحب “الشو” الإعلامي أو الاستعراض الإعلامي، ويلعب على عاطفة المسلمين بأن بلاده تساند المسلمين والإسلام والفلسطينيين، إلا أن الواقع يقول إنه يتعاون مع إسرائيل بشكل كامل ومصلحته العليا فوق أى شيء”، مؤكداً أن الرئيس التركي إذا وجد مصلحته في شيء ضد فلسطين لن يقوم بدعم فلسطين وينطبق هذا على كثير من مواقفه.
وأشار الباحث في الشأن التركي إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها أردوغان بهذه التناقضات، كما أن مبالغته في التعبير عن القضية الفلسطينية تستهدف إلهاء وشغل شعبه وربما دول الجوار والعالم عن العمليات التى يقوم بها فى شمال سوريا، خاصة منذ بداية شهر أكتوبر الجاري، مشدداً على أن أردوغان يكيل بمكيالين، فإذا كان يتحدث عن دعم المسلمين في غزة ويطالب بوقف إطلاق النار هناك، فإن عليه أن يوقف عملياته في شمال وشرق سوريا لأن هذه المناطق بها مسلمين كذلك.
وفي ختام تصريحاته، قال “رأفت” إن أردوغان لن يوقف عملياته في شمال وشرق سوريا التي تقع ضد مسلمين هو يتحدث عن دعمهم، لأن لديه مطامع ومصالح يريد تحقيقها، وكما قلت فهو يكيل بمكيالين حسب مصلحته وأجندته، وأينما كانت المصلحة سيسعى إليها حتى لو كان الأمر يتطلب منه الوقوف ضد القضية الفلسطينية، داعياً إياه مجداً إلى وقف عملياته في شمال سوريا، كما ينادي بوقف عمليات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
نفاق الرئيس التركي
في نفس السياق، يقول المحلل السياسي التركي باريس ديمير، في تحليل نشره موقع “وورلد سوشياليست”، إن الانتفاضة الشعبية في غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي الوحشي كشف سريعاً عن نفاق الحكومة التركية وأردوغان وحتى أحزاب المعارضة الرئيسية، واتهمهم جميعاً بالتواطؤ في قمع الشعب الفلسطيني.
ويقول المحلل السياسي التركي إنه بعد الانتفاضة الفلسطينية، أعلنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على الشعب الفلسطيني، فقتلت المئات ونشرت 100 ألف جندي على حدود غزة، استعداداً لغزو بري كبير، فيما ردت النخبة الحاكمة التركية على إعلان الحرب هذا وعلى الهجمات العشوائية التي تشنها الدولة الإسرائيلية على المدنيين من خلال الدعوة إلى “ضبط النفس” والامتثال للقانون الدولي. وهذا يتعارض تماماً مع موقف الجماهير العريضة في تركيا، التي تتعاطف مع الفلسطينيين.
وأشار المحلل السياسي التركي إلى أن تركيا كانت أول دولة في العالم الإسلامي تعترف بإسرائيل في عام 1949، وقد حافظت دائماً على علاقات تجارية وعسكرية مع تل أبيب كجزء من تحالفها العسكري الاستراتيجي الشامل مع الإمبريالية الأمريكية، وفي الآونة الأخيرة، أعادت البرجوازية التركية تطبيع العلاقات مع حكومة نتنياهو، بما يتماشى مع مصالحها في استغلال احتياطيات النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.