إبان تنفيذ هجمات جوية على الكلية الحربية في حمص، ظهيرة الخامس من أكتوبر الجاري، والتي أوقعت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، خلال حفل تخريج دفع من الضباط في القوات النظامية السورية التابعة لحكومة دمشق، والتي تمت عبر طائرات مسيرة، لم يجرِ استخدامها من قبل ضد المناطق الداخلية من سوريا، تباينت الآراء حول الفاعل.
إذ قالت حكومة دمشق فور وقوع الهجوم، إن التنظيمات الإرهابية التي تسيطر على محافظة إدلب، هي الفاعلة، فيما أنكرت المعارضة السورية تلك الفرضية، وزعمت بأن تنظيم “هيئة تحرير الشام” المهيمن على المحافظة لا يملك مقدرات عسكرية تؤهله على ذلك.
و”هيئة تحرير الشام” هي نفسها “جبهة النصرة” فرع القاعدة في سوريا، التي يقودها المدعو “أبو محمد الجولاني”، وقد زعم سابقاً انفكاكه عنها، وهو ما لم يقتنع به كثيرون، نتيجة الفكر المتطرف الذي يحمله منتسبو التنظيمات الجهادية، والذي من الصعب تغيّره مهما تبدلت أسماؤهم.
مُسيرات في كل مكان
ولم تستخدم المسيرات في مكان واحد فقط من المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة في دمشق، إذ كشفت وزارة الدفاع التابعة لها، بتاريخ الثامن من أكتوبر الجاري، عن إسقاط 7 طائرات مسيرة في سماء مناطق في حلب وريفي حماة وإدلب، وذكرت الوزارة، في بيان: “تم إسقاط سبع مسيرات للإرهابيين في سماء حلب وريفي حماة وإدلب، تم إطلاقها من قبل التنظيمات الإرهابية بهدف استهداف مناطق المدنيين لترويع الأهالي الآمنين وتدمير المنشآت والمرافق العامة والخاصة”.
وهو ما قد تكرر بتاريخ العاشر من أكتوبر، عندما تصدت المضادات الأرضية التابعة للقوات النظامية في ضواحي حلب، لهجوم طائرة مسيرة أطلقتها “هيئة تحرير الشام”، مما أدى إلى إسقاطها، كما أسقطت طائرة مُسيرة كانت تُحلق في أجواء السقيلبية بريف حماة.
كما سمعت بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر، أصوات إطلاق مضادات دفاع جوي أرضية، في مدينة حلب، نتيجة التصدي لطائرات مسيرة خُمن أنها انطلقت من مناطق نفوذ “هيئة تحرير الشام”، وضمن هذا السياق، هزّ في الرابع عشر من أكتوبر، انفجار مدينة حلب، ناتجاً عن طائرة مسيرة انتحارية استهدفت موقعاً في منطقة نادي الضباط بحي الفرقان في حلب الجديدة.
آنذاك، وتبعاً لمصادر المرصد السوري، فإن الطائرة المسيرة انطلقت من مناطق نفوذ ما تسمى “هيئة تحرير الشام” في ريف حلب الغربي، فيما أخفقت قوات السلطة بإسقاطها عند وصولها لأجواء قرية باشمرا بريف عفرين، ثم توجهت صوب نادي الضباط بحلب، وكان ذلك الهجوم بالطائرات المسيرة، الخامس في أقل من أسبوع، معظمها استهدف مدينة حلب.
وفي السابع عشر من أكتوبر، أعلنت وزارة الدفاع التابعة للسلطة، أن وحدات من القوات المسلحة تمكنت من إسقاط وتدمر 6 طائرات مسيرة بريفي إدلب وحلب، ونقلت وكالة (سانا) الرسمية، بيان الوزارة الذي قال إن “وحدات من القوات المسلحة العاملة على اتجاه ريفي إدلب وحلب تمكنت من إسقاط وتدمير ست طائرات مسيرة حاولت من خلالها التنظيمات الإرهابية المسلحة المنتشرة في تلك المناطق استهداف القرى والبلدات الآمنة وبعض النقاط العسكرية”.
فيما سُجل آخر هجوم بطائرة مسيرة، طال مدينة حلب، بتاريخ الثامن عشر من أكتوبر، واستهدف حي السريان الجديدة، إذ سقطت المُسيرة بذخيرتها على شرفة منزل بالحي، مما أدى لإصابة شخص بجروح، وسط حالة من الرعب أصابت سكان المنطقة.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، تعمل هيئة تحرير الشام والفصائل، على تطوير الطائرات المسيرة المستخدمة بعمليات الرصد والاستهداف المباشر بالقنابل أو تلك المفخخة منها، في حين لا تمتلك تكنولوجيا للسيطرة وقيادة الطائرات المسيرة مسافة تزيد عن 50 كيلو متراً.
امتلاك “الهيئة” للمسيرات واضح وثابت
وللتعقيب على استخدام المسيرات، واتهام سلطة دمشق لهيئة تحرير الشام بامتلاكها، قال “محمود مرعي”، وهو سياسي سوري من المُعارضة الداخلية، في تصريحات لـ منصة تارجيت: “هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني يملكان مُسيرات، وهذا أصبح واضحاً وثابتاً من خلال تحرك هذه المسيرات باتجاه حمص وحلب واللاذقية”.
وأكد بأنه قد “قصفت الكلية الحربية عند تخريج دفعة من الضباط، من خلال تنظيم هيئة تحرير الشام، أو من خلال الحزب الإسلامي التركستاني”، مشدداً: “الفصيلان يملكان مسيرات ويستخدمان هذه المسيرات”.
وحول مصدر تلك المسيرات التي وصلت إلى التنظيمات الجهادية في إدلب، قال “مرعي”: “حصلوا على هذه المسيرات من النظام التركي، فتركيا تريد للحزب الإسلامي التركستاني، ولهيئة تحرير الشام، أن تملكا المسيرات وجميع أنواع الأسلحة، لأن هذين التنظيمين معتمدان من قبل الجيش التركي والدولة التركية”.
ويعتبر “محمود مرعي” مع آخرين، مؤسساً لـ”المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، كما أصبح عضواً في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سوريا؛ ثم أسس لاحقاً تيار “سوريون من أجل الوطن”.
مسيرات “النصرة” بتوقيع تركي
وأكمل مرعي لـ تارجيت: “تركيا تريد عبر هذه التنظيمات التي تملك المسيرات، أن تفرض شروطها في شمال سوريا، وطبعاً الدولة التركية والجيش التركي يرفضان الانسحاب، وهي تعدّ موسكو بالانسحاب، لكنها تتهرب وتتنصل منذ أكثر من ثلاث سنوات”.
واستطرد: “هي تعدّ بأنها سوف تنسحب من شمال سوريا وسوف تُحرر الخط إم فور، أو الأوتوستراد الدولي، وأن تنسحب من عده مناطق، لكن لا تنفذ ولا تطبق الوعود، حيث لها مصلحة في أن تبقى في شمال سوريا، ولا تريد الانسحاب، والتنظيمات الإرهابية هي بتفريخ ودعم وتسليح وتمويل تركي، لأن لها مطامع بالأراضي السورية”.
وحيال اقتصار الرد من قبل حكومة دمشق، على استخدام المسيرات ضد مناطقها، على القصف الجوي والصاروخي فقط، دون وجود عمل بري، تعمل من خلاله على استعادة إدلب وطرد التنظيمات الجهادية، أوضح مرعي أن “الجيش السوري قصف هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، بالصواريخ والطيران الحربي، لكنه لم يجتح هذه المنطقة برياً، لأن ذلك له حسابات، وهناك اتفاقيات بين روسيا وتركيا، من خلال الاستانا، والتي نتج عنها الانسحاب من حلب، وإنشاء مناطق خفض التصعيد”.
وختم حديثه لـ تارجيت بالقول: “لذلك، لا يستطيع الجيش السوري أن يقتحم هذه المنطقة دون توافق إقليمي ودولي، لكنه يستطيع أن يُحاسب تلك التنظيمات، حيث قصفها صاروخياً وبالطيران، وحدّ من انتشار وضربات تلك المجموعات الإرهابية الموجودة في الشمال السوري”.
ومع دخول سلاح المسيرات إلى مسرح العمليات في سوريا، في يد تنظيمات جهادية متطرفة، يبقى الرهان على موقف حكومة دمشق، إن كانت سوف تذعن للمطالب التركية، التي تسعى للبقاء في الأراضي السورية بشكل دائم تحت حجج وذرائع واهية، أم ستبحث عن حلول جذرية للمشكلة، وتستجلب أسلحة قادرة على مواجهة التغير الطارئ في اللوحة العسكرية، وإعادة الغلبة لنفسها من جديد.