عاد ملف اللاجئين السوريين في تركيا ليتصدر المشهد مجدداً مع تسابق الحكومة والمعارضة لاستثمار الملف في تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية المقررة في نيسان/ أبريل من العام القادم، مستغلين تنامي مشاعر العنصرية والكراهية ضد السوريين بين الأتراك.
فبعد أن كان ملف ترحيل اللاجئين السوريين مادة دسمة وشعاراً انتخابياً ترفعه الأحزاب السياسية في تركيا قبيل وخلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية، عاد رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو لإثارة الملف مجدداً، عبر الدعوة إلى ترحليهم إلى بلادهم وتحميلهم مسؤولية الجزء الأكبر من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والتي تؤكد تقارير وخبراء اقتصاديون إنها نتيجة للسياسات “الفاشلة” للرئيس التركي رجب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم وعلى رأس ذلك خفض أسعار الفائدة.
خطاب عنصري
أوغلو، قال في كلمة خلال اجتماع تحضيري للمؤتمر العام لحزب الشعب الجمهوري، إن حزب العدالة والتنمية حول تركيا إلى “مستودع للاجئين”، مضيفاً أن الحكومة التركية أعلنت إنفاق 40 مليار دولار أمريكي على اللاجئين السوريين في عام 2020، وربما أنفقت 100 مليار بعد ذلك، في وقت تواصل البحث عن استثمارات من بعض الدول بنحو خمسة مليارات دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية.
تصريحات كليجدار أوغلو جاءت بعد أيام على تصريحات مماثلة لزعيمة حزب “الجيد” ميرال أكشنار خلال فعالية لحزبها في ولاية أزمير غربي تركيا، قالت فيها إنهم سينقذون إزمير من اللاجئين السوريين الهاربين من بلادهم وأن بلدية أزمير لن تقدم أي مساعدات إضافية أو خدمات للاجئين، داعيةً إياهم للذهاب إلى قطاع غزة وقتال إسرائيل، وقالت في خطاب تهكمي “إنها ستدفع أجرة إيصالهم إلى غزة”.
باحث دراسات السلام وحل النزاعات الدكتور زارا صالح، قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن خطاب العنصرية والكراهية ليس بجديد على العقلية التركية وما بعد جمهورية أتاتورك لأن دولة مثل تركيا تعتمد إيديولوجيا مقيتة تقوم على إلغاء كافة المكونات الأخرى الموجودة في تركيا أو بالجوار التركي، وعليه ليس مستبعداً أن يتم تصعيد هذا الخطاب ضد اللاجئين الذي ينتهجه الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية وتنافسه بذلك أحزاب المعارضة، مشيراً إلى أن تركيا هي من أكثر الدول التي استثمرت في ورقة اللاجئين عبر التهديد بفتح الحدود أمام ملايين اللاجئين لابتزاز أوروبا والحصول على مليارات الدولارات باسمهم دون أن يذهب منها شيء لهم بل تذهب الأموال لخزينة الدولة التركية، وعليه خلال هذه الفترة يحاول نظام أردوغان والمعارضة الاستثمار بورقة اللاجئين عبر الخطاب العنصري ضدهم”.
ويضيف الدكتور صالح، “أن تركيا تنتهك المعاهدات الدولية باستغلال ورقة اللاجئين، كما أن ممارساتها ضدهم غير قانونية وتنتهك القوانين الأممية التي تحمي اللاجئين وتنص على حقهم بالبقاء في مكان اللجوء في حال وجود حرب في بلادهم، لافتاً إلى أنه تم خلال الانتخابات الماضية في تركيا استغلال ورقة اللاجئين الذين كانوا ضحية التجاذبات الانتخابية بين الأحزاب، وعليه فمن الآن وحتى الانتخابات البلدية القادمة سيكون هناك المزيد من التنافس على خطاب الكراهية ضد السوريين لتحقيق مكاسب انتخابية، كما أن أردوغان لديه مشروع تغيير ديمغرافي بالمناطق الكردية في سوريا لذلك لا يتوقف عن ترحيل اللاجئين قسراً ويحاول إسكان ليس فقط مليوناً هناك بل أكثر من ذلك في حال استطاع”.
خطة ممنهجة للترحيل
وكان الرئيس التركي رجب أردوغان، قد أعلن في آب/ أغسطس الماضي، تشكيل “آلية ثلاثية” من وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية الحاكم وكتلته النيابية، للإشراف على عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مطالباً بضم مدينة حلب إلى الخارطة لإعادة مئات آلاف اللاجئين إليها، وذلك في إطار خطة أعلن عنها العام الماضي لترحيل أكثر من مليون لاجئ إلى الشمال السوري المحتل.
وسبق ذلك إعلان كليجدار أوغلو قبيل الانتخابات الرئاسية بتركيا في أيار/ مايو الماضي، عن خطة من أربع مراحل تضعها أحزاب المعارضة لترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تتضمن الجلوس مع حكومة دمشق والحوار معها وإعادة فتح السفارات للتنسيق بشأن ترحيلهم بإشراف من جيش النظام التركي وقوات حكومة دمشق وقوات تابعة للأمم المتحدة، إلى جانب بناء مستوطنات ومنازل لهم من قبل مقاولين أتراك بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الدكتور زارا صالح، “فإن الطرفين النظام والمعارضة التركية لا يختلفان في الإيديولوجيا الفكرية والتعامل مع قضايا الشعوب الأخرى والتي تقوم على عدم قبول أي طرف آخر سوى التركي، لذلك فليس من المستغرب أن تتنافس هذه الأحزاب فيما بينها باستثمار ورقة اللاجئين السوريين وهو ما سينعكس سلباً على مصر اللاجئين الذين يتعرضون للإهانات والضرب والترحيل القسري دون أي حماية من الجهات المعنية بحماية حقوقهم، وعليه ستشهد تركيا مستقبلاً صعوداً متزايداً في خطاب الكراهية للعب على المشاعر القومية للأتراك، لأن الشارع التركي مهيأ لهكذا خطاب بسبب الثقافة الجمعية التركية”.
ويتعرض اللاجئون السوريون في تركيا خلال السنوات الأخيرة لمضايقات كبيرة وتصاعد في خطاب العنصرية والكراهية ضدهم وحملات ممنهجة لملاحقتهم وترحيلهم، بعد أن استخدمتهم الحكومة التركية على مدى نحو عقد من عمر الأزمة السورية كورقة لابتزاز الغرب والحصول على مكاسب سياسية ومالية، وأموال طائلة من الأمم المتحدة، حيث وثقت تقارير حقوقية ترحيل عشرات الآلاف منهم إلى الشمال السوري المحتلة وتوطينهم في منازل السكان الأصليين الذين جرى تهجيرهم من المنطقة ومستوطنات بنتها تركيا بدعم من دول خليجية لهذا الغرض، ما يفتح الباب إلى جانب ملف الترحيل القسري وما يتبعه من انتهاكات بحق اللاجئين لملف آخر يتمثل بالعمل على تغيير ديمغرافية الشمال السوري، في خطة حذرت منها العديد من المنظمات الحقوقية قالت إنه جرى توطين الآلاف في عفرين لوحدها مقابل انخفاض نسبة السكان الكرد الأصليين هناك من نحو خمسة وتسعين بالمئة قبل احتلال المنطقة إلى نحو ثلاثين في المئة بعد الاحتلال.