سياسة تتريك ممنهجة شمالي سوريا وملاحقة واختطاف للمعارضين

توثق تقارير حقوقية وإعلامية انتهاج تركيا والفصائل التابعة لها سياسة تتريك في المناطق المحتلة شمالي سوريا، بدءاً بفرض اللغة والتعامل بالليرة التركية وصولاً إلى افتتاح فروع للجامعات وربط المناطق إدارياً بولايات تركية وليس انتهاءً بتغيير أسماء الشوارع والحدائق والمرافق العامة والمؤسسات بأسماء تركية.

سياسات تقابل برفض من ناشطين وصحفيين وحقوقيين ومنظمات مجتمع مدني سورية، تقول إن حملات التتريك تهدف لربط هذه المناطق بتركيا وصولاً إلى سلخها عن سوريا وضمها إلى تركيا وفق خطة ممنهجة يجري العمل عليها من قبل السلطات التركية ومؤسسات وهيئات مرتبطة بها، بموازاة عمليات الاختطاف والتهجير والاستيطان لتغيير ديمغرافية المنطقة وطمس تاريخها وإرثها الثقافي.

وكشفت تقارير إعلامية عن تصاعد في عمليات الملاحقة والاختطاف والتغييب للرافضين لسياسات التتريك، في جميع المناطق المحتلة بدءاً من إعزاز وعفرين غرباً وصولاً إلى رأس العين/ سري كانيه شرقاً، حيث تم توثيق اختطاف خمسة معلمين رافضين للتتريك في مدينة تل أبيض/ كري سبي من قبل الفصائل التابعة لتركيا بعد فصلهم من وظائفهم من قبل ما يعرف بالمجلس المحلي الذي عينته أنقرة في المدينة.

تعليم اللغة التركية لمئات آلاف الأطفال

وكان معهد “يونس إمره” التركي الذي يعتبر أداة السلطات التركية الأساسية لنشر لغتها وثقافتها في الخارج قد أعلن في آب/ أغسطس الماضي، عن خطة لتتريك المناطق المحتلة شمالي سوريا، تبدأ في المرحلة الأولى بتعليم 300 ألف طفل سوري اللغة التركية ودمجهم بالثقافية التركية، حيث افتتح فرعه الثاني بمدينة الباب شرقي حلب بحضور عدد من المسؤولين ورؤساء الجامعات الأتراك وهو الفرع الثاني بعد فرع إعزاز الذي افتتح عام 2020 إلى جانب افتتاح الفرع الثالث في جرابلس والرابع في عفرين.

وقالت رئيسة فرع معهد “يونس إمره” في مدينة الباب هلال تشولاك بكلمة خلال الافتتاح، إن لديهم ثلاث مجموعات رئيسية تتلقى التعليم باللغة التركية هي الأطفال وطلاب المدارس الثانوية والراغبون في إجادة اللغة للقيام بالأعمال التجارية، مضيفةً أن نحو 1000 شخص في الباب حصلوا على شهادة تعلم اللغة التركية.

مساع لقضم المناطق السورية

ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان إبراهيم شيخو: “إن جميع الممارسات التي تنتهجها تركيا بالشمال السوري توحي بأنها تتصرف أن تلك المناطق جزء أصيل من جغرافيتها أو أنها في طور الإعداد لإلحاق تلك المناطق بخارطتها إما رسمياً أو بحكم الأمر الواقع، حيث أنه منذ بدء الاحتلالات التركية في 2016 وصولاً إلى 2019 واحتلالها نحو 10 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية لم تدخر جهداً لتتريك المنطقة وهو ما يعكس الهدف التركي المضمر بقضم تلك المناطق، كما عمدت لتغيير السجل المدني للسكان الأصليين وفرض البطاقة الشخصية التركية بدلاً من السورية وتغيير المناهج الدراسية، مشيراً إلى أن الكرد تجرعوا النصيب الأكبر من الممارسات وسياسات التتريك لمناطقهم، إذ أن الهدف التركي الضمني هو محاربة التطلعات الكردية في الحصول على الحقوق القومية حتى لو كان ذلك في إطار سوريا موحدة، وصولاً إلى الهدف الأساسي وهو ضم مناطق الشمال السوري وأخرى بالعراق وإقليم كردستان تطبيقاً لـ”الميثاق الملي”.

ويضيف شيخو في حديث لمنصة تارجيت، “إنه عندما بدأت تركيا هجماتها العسكرية في الباب وجرابلس وعفرين ورأس العين وتل أبيض، نشرت كبريات الصحف التركية خارطة للمنطقة وفق “الميثاق الملي” وفيها يتم اقتطاع أجزاء من سوريا والعراق وأرمينيا وضمها لتركيا، تلبية لطموحات رئيس النظام التركي رجب أردوغان باحتلال مزيد من الأراضي، لافتاً إلى أن الممارسات المتبعة من تغيير أسماء القرى والأماكن والساحات وربط المناطق بالولايات التركية وفرض اللغة وافتتاح فروع للجامعات كلها تدل أن تركيا تريد تتريك المنطقة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه تم تداول معلومات مؤخراً عن نية أنقرة تعيين والياً تركياً لجميع مناطق الشمال السوري وصولاً لضمها على غرار لواء إسكندرون”.

تغيير الأسماء والسجل المدني

وتقول تقارير حقوقية، إن مؤسسات الصحة والتعليم والبريد والصرافة والكهرباء والمياه والهاتف وغيرها من المنشآت بالشمال السوري تدار بواسطة مسؤولين وموظفين أتراك، كما تم استبدال الليرة السورية بالتركية في التعاملات وتم إحلال مناهج تركية في المدارس، كما جرى افتتاح فروعاً لبعص الجامعات كجامعة حران في أورفا، وتم ربط المناطق المحتلة إدارياً بالولايات التركية كهاتاي وغازي عنتاب وأورفا، إلى جانب تغيير السجل المدني للسكان الأصليين بتلك المناطق وسحب البطاقة الشخصية والعائلية السورية واستبدالها بأخرى تركية.

وبحسب التقارير، فإن سياسات تغيير التركيبة السكانية والتغيير الديمغرافي والتتريك، تأخذ طابعاً أكثر ضراوة في المناطق الكردية كعفرين ورأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، حيث تم تهجير مئات آلاف الكرد من مناطقهم وتوطين سوريين من مناطق أخرى ولاجئين مرحلين من تركيا بدلاً عنهم، كما تمت إزالة المعالم الكردية وتغيير الأسماء الكردية للشوارع والمراكز والأحياء واستبدلت بأخرى تركية، ورفع العلم التركي وصور الرئيس التركي رجب أردوغان في المؤسسات والمرافق العامة والساحات، بهدف طمس الهوية الكردية لتلك المناطق،

أطماع توسعية واحتلالية

ويحذر ناشطون وحقوقيون من أن سياسات التغيير الديمغرافي والتتريك بالشمال السوري تؤكد توجه السلطات التركية لضم هذه المناطق إلى تركيا مستقبلاً، وهو ما أوضحته التصريحات المتكررة لمسؤولين أتراك، بشأن المطالبة باحتلال مناطق سورية أخرى كمدينة حلب تحت ذريعة إعادة اللاجئين إليها، إلا أنها تكشف استمرار تمسك الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية بما يعرف بـ”الميثاق الملي” الذي تم وضعه قبل أكثر من مئة عام، والذي يطالب بالسيطرة على مناطق في شمال سوريا والعراق، على اعتبار أنها مناطق تركية.

قد يعجبك ايضا