تتداخل خيوط مُتشابكة من الصعب فصلها، عقب الهجوم الدامي الذي شنته حركة حماس، فرع جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، على البلدات الإسرائيلية في غلافها، فجر السابع من أكتوبر الجاري، والتي أسفرت عن مقتل نحو ألف ومئتي مواطن إسرائيلي، بين مدني وعسكري.
فبين ما رأى أنها ردة فعل طبيعية على مظلمة لحقت بالشعب الفلسطيني، رأى آخرون أنها عملية تحمل توقيع إيران، مع ارتفاع ترجيحات قطع الولايات المتحدة، للطريق الواصل بين العراق وسوريا، من خلال ربط منطقة التنف، مع مناطق قوات سوريا الديمقراطية.
فيما ذهبت آراء ثالثة، إلى الاعتقاد بأنها من تخطيط وتدبير موسكو، وتنفيذ طهران، كون مصالح الطرفين الروسي والإيراني تتقاطع في إعادة خلط الأوراق بالمنطقة، فالروسي الذي يبدو غارقاً في وحل الحرب الأوكرانية، يحتاج إلى حلول إسعافية، والإيراني الذي يجد نفوذه في خطر، يسعى للحفاظ على مكاسبه التي حققها على دماء السوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين، ولعله لم يوجد مكان أكثر ملاءمة لذلك من غزة.
الأسد في خطر
بالصدد، لا تقتصر الجبهات التي تملكها إيران عبر أذرعها على غزة، فالدولة الجارة سوريا، والتي تحدّ إسرائيل من الشمال الشرقي، تعتبر هي الأخرى إحدى الأدوات الإيرانية، وبالتالي يعتبر دخولها للحرب وارداً، وهو ما دفع مسؤولين غربيين، ومنهم أمريكيون إلى التنبيه من ذلك، والتحذير من مغبة تورط دمشق.
إذ أوردت مصادر صحفية مرموقة، أنباءً عن مباشرة الميليشيات الإيرانية في سوريا، بحملة لدعم ومساندة حركة حماس، وذكرت مصادر محلية لـصحيفة الشرق الأوسط في التاسع من أكتوبر، بأن قادة الميليشيات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، بدأوا حملة علاقات عامة عبر المراكز الثقافية في محافظة دير الزور، لتحشيد الرأي العام، بغية دعم حركة حماس، إلى جانب الإعلان عن فتح باب التبرعات والتطوع لقتال إسرائيل، من على الجبهة السورية الجنوبية.
دعوة تلقفتها الإمارات بالتحذير، في العاشر من أكتوبر، إذ نبهت السلطة في دمشق، من التدخل بالحرب بين حماس وإسرائيل، أو السماح بشن هجمات من الأراضي السورية، حيث نشر موقع (أكسيوس) الأمريكي، نقلاً عن مصدرين إماراتيين مطلعين على الجهود الدبلوماسية الإماراتية، تحذير الإمارات للمسؤولين السوريين من التورط في الأمر، وتوسعة الصراع.
كذلك، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن إسرائيل وجهت تحذيراً لحزب الله اللبناني، عبر فرنسا، بأنه إذا ما دخل الحرب فإن إسرائيل، قد تقوم “بتوجه ضربات لدمشق، مثل ضربات التي توجهها للضاحية الجنوبية، وأن الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه سيكون بخطر”.
مشاورات سورية إيرانية
لكن السؤال الأهم يبقى، هو مدى السيادة التي لا تزال تحتفظ بها دمشق لنفسها، حيث يتواصل توريد الأسلحة الإيرانية لسوريا رغم التحذيرات، فيكون الرد باستهداف متكرر لمطارات دمشق وحلب، وهو ما وقع في الثاني عشر من أكتوبر، إذ أقرّت إسرائيل، باستهدافها المطاريْن بهدف “توجيه رسالة إلى إيران، بألا تتدخل في حرب غزة”.
وأتى القصف آنذاك، عشية زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبد اللهيان إلى سوريا، واضطر وقتها للذهاب إلى بيروت، قبل أن يزور دمشق، إلا أن القصف لم يمنعه لاحقاً من لقاء بشار الأسد، وتأكيدهما “الوقوف مع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع ضد إسرائيل”.
ليرد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الخامس عشر من أكتوبر، من القاهرة، ويقول مهدداً: “لا ينبغي أن يصب أحد الزيت على النار في مكان آخر”.
إيران تستخدم غزة
وللتعقيب على جملة المعطيات أعلاه، وإمكانية دخول الجبهة السورية إلى المواجهة مع إسرائيل، قال المُعارض السوري كمال اللبواني في تصريح لمنصة تارجيت: “هناك مُخطط إيراني لإزعاج الغرب، وجرّه للتفاوض معها على برنامجها النووي، بحيث يُسمح لها إكماله، وتُهيمنَ طهران على سوريا والعراق ولبنان”.
وأردف حول تقييمه لمَن أشعل الحرب في غزة: “استخدمت (إيران) غزة، وإذا كانت غزة كافية لجر الغرب إلى التفاوض، سوف تقف عندها، وإن لم تكن كافية، فسوف تُشعل الجبهة السورية، وإن كانت الجبهة السورية غير كافية، فسوف تُشعل الجبهة اللبنانية، وإن لم يجرِ الاستجابة لها، سوف تُقحم الحشود العراقية، وتبدأ بزعزعة الاستقرار في الأردن”.
ووفق اللبواني، لدى “إيران أوراق متدرجة حسب الوضع، وإن كان سيقبل الغرب أم لا”، مُستدركاً: “الواضح حالياً إن الغرب لا يريد أن يُفاوض إيران، لكن حدة الهجوم على غزة، انكسرت للنصف بعد جرائم الحرب التي قامت بها إسرائيل، إلا أنها لا تزال تمتلك العزيمة للاستمرار”.
النظام السوري مرعوب وجبان
ونوّه المُعارض السوري إلى أن الحرب الإسرائيلية، كان يجب أن تكون مع أيران بشكل مُباشر، فقال: “لو كانوا يريدون إنهاء هذه المشكلة، من المفروض أن يقوموا بضرب أيران، أي الرأس الإيرانية ورأس حزب الله، لتنتهي القصة بشكل كامل”.
أما حول السلطة في سوريا، فوجدها اللبواني بأنها بلا حول ولا قول، مشيراً إلى أن “النظام السوري مرعوب وجبان قطعاً، لكنه لا يملك قراره، ومن سوف يتدخل (بالحرب إلى جانب غزة) ليس الدولة السورية، ولا الجيش السوري، بل سوف تتدخل مليشيات محلية، وسوف يقولون إنهم فلسطينيون، وأناس متحمسون، والنظام لا دخل له”، مؤكداً: “هم يخططون ويتواصلون وحشدوا أناساً وجاهزون، لكن لا نعلم متى تأتيهم ساعة الصفر”.
الحرب من تخطيط المخابرات الروسية
كما لم يغفل المُعارض السوري، عن الدور الروسي في حرب غزة، حيث أرجع أصل الحرب إلى الروس أنفسهم، مُوضحاً: “تحاول موسكو، ألا تظهر، لكنها بالأصل مستفيدة جداً مما يجري، كونها تُريد إحراج أمريكا وإشغالها عن أوكرانيا، وإظهارها بموقف الضعيف أمام العرب، لكسبهم إلى صفها”.
وأكمل: “موسكو مستفيدة لكنها لن تُضحي بعلاقاتها مع نتنياهو، كي لا تدعم إسرائيل الجانب الأوكراني.. موسكو لا تظهر لكنها تقف وراء العملية بشكل كامل، وكل ما يجري في المنطقة من تخطيط المُخابرات الروسية ولصالحها”.
وأنهى المُعارض السوري حديثه لـ منصة تارجيت بالقول: “لو دخلت سوريا إلى الحرب، لن تكون النتيجة إسقاط النظام، كونه لا مصلحة لإسرائيل في ذلك، بل ستقضم قطعاً من الجنوب، وتضمها، ولن نعود إلى رؤيتها مُجدداً، ستقصف الأهداف الحيوية في سوريا، وستكون فرصة بالنسبة إلى إسرائيل، لكي تقتحم الأراضي السورية وتُسيطر عليها، هذا عدى عن الخسائر المدنية الهائلة”.
وما بين موسكو وطهران ودمشق وأنقرة والضاحية الجنوبية وحرب غزة، يبدو أن للجميع مصالح في الحرب، رغم الخلافات الواضحة التي تفرق صفوف المستفيدين منها، فيما ليس لأحد مصلحة في السلام، سوى الشعوب التي تقمعها أنظمة وتنظيمات، تجد ضالتها في الاستبداد والشعارات.