تصعد قوات حكومة دمشق وروسيا بشكل ملحوظ وبوتيرة متزايدة من عمليات القصف والهجمات على أرياف إدلب وحلب وحماة واللاذقية شمال غربي سوريا منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وسط أحاديث عن الاستعداد لشن هجوم عسكري بري للسيطرة على الطريق الدولي “إم4” الرابط بين حلب واللاذقية.
ومنذ التوصل لاتفاق “خفض التصعيد” بين الاحتلال التركي وروسيا شمال غربي سوريا في آذار/ مارس عام 2020 إثر هجوم عسكري لقوات حكومة دمشق سيطرت خلاله على عدة مناطق بريفي إدلب وحماة أبرزها مدينتا معرة النعمان وسراقب، تتواصل عمليات القصف المتبادل والغارات الجوية الروسية على المنطقة، إلا أن وتيرة هذا القصف والغارات تزايدت بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة ما يثير المخاوف من نية روسيا ودمشق بدء هجوم بري.
قصف وغارات يومية وملامح صفقة
وبالتزامن مع القصف المدفعي والصاروخي لقوات حكومة دمشق ينفذ الطيران الحربي الروسي عدة غارات يومياً تستهدف بالدرجة الأولى قرى وبلدات في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي بالقرب من طريق حلب – اللاذقية الدولي “إم4” ما يسفر عن سقوط قتلى وجرحى وأضرار مادية كبيرة، بالتزامن مع حديث مصادر مقربة من حكومة دمشق عن استعدادات وتحضيرات لهجوم عسكري لإبعاد الفصائل الإرهابية عن المنطقة، بعد الهجوم بطائرة مسيرة الذي استهدف الكلية الحربية بحمص وأسفر عن سقوط مئات الضحايا واتهمت دمشق تلك الفصائل بالمسؤولية عن الهجوم.
وأتى هذا التصعيد بالتزامن مع تجدد القصف التركي بالطائرات الحربية والمسيرات على شمال وشرق سوريا مستهدفة المرافق العامة والمنشئات الحيوية والأعيان المدنية والذي استمر لأربعة أيام 5 ـ 9 أكتوبر في دلالة واضحة لوجود ثمة مقايضة وصفقة بين روسيا حكومة دمشق من جهة مع الجانب التركي تتيح لحكومة دمشق قصف شمال غرب سوريا مقابل الضوء الأخضر لأنقرة بقصف شمال وشرق سوريا.
استعدادات لهجوم بري شامل
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من حكومة دمشق أن التصعيد العسكري الذي بدأته قوات دمشق بدعم من الطيران الحربي الروسي شمال غربي سوريا، قد يتطور ليشمل هجوم بري شامل يتم خلالها السيطرة على ريف إدلب الجنوبي انطلاقاً من منطقة جبل الزاوية مروراً بمنطقة سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي وصولاً إلى ريف اللاذقية الشمالي وعلى طول مسار طريق حلب – اللاذقية الذي تسيطر عليه “هيئة تحرير الشام” الإرهابية والحزب التركستاني وفصيل أنصار التوحيد الإرهابيين.
دعم عسكري روسي لقوات حكومة دمشق
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط، قد نقلت قبل أيام عما أسمتها بالمصادر السورية المطّلعة، أنّ القوات الروسية المتواجدة في سوريا زوّدت “الفرقة 25” بقوات حكومة دمشق التي يقودها العميد سهيل الحسن أو ما تسمى بـ”قوات النمر”، بمعدات عسكرية وأسلحة ثقيلة استعداداً لهجوم عسكري بري على ريف إدلب الجنوبي.
خلط الأوراق وخلق توازنات
ويذهب متابعون للشأن السوري، إلى أن روسيا تحاول من وراء تكثيف قصفها الجوي على مناطق بشمال غربي سوريا ودعمها لقوات حكومة دمشق بالأسلحة تحضيراً لبدء هجوم بري، خلط الأوراق في المنطقة وخلق توازنات جديدة على ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة عموماً والضغط على تركيا لتطبيق بنود اتفاق “خفض التصعيد” فيما يتعلق بإبعاد الفصائل المسلحة والتنظيمات الإرهابية عن الطريق الدولي “إم4” مسافة 6 كيلومترات، إلى جانب محاولة الحصول على مكاسب في ملفات أخرى كابتعاد أنقرة عن المحور الغربي في حرب أوكرانيا واستمرار تهربها من العقوبات الأمريكية والأوروبية على موسكو ومواصلة التعامل التجاري والاقتصادي معها.
ومع ارتفاع وتيرة القصف الجوي والبري لقوات حكومة دمشق وروسيا، يتخوف المدنيون في شمال غربي سوريا من هجوم بري وشيك، وما يتبع ذلك من سقوط ضحايا وأضرار مادية ودمار بالبنى التحتية وعمليات نزوح جديدة مع اقتراب فصل الشتاء، خاصةً أن معظمهم هم نازحون من مناطق أخرى، إلى جانب مخاوفهم من إمكانية عقد صفقات وتسويات بين الاحتلال التركي وروسيا تقود لإطلاق يد قوات حكومة دمشق في المنطقة، مقابل حصول تركيا على مكاسب وتوسيع نفوذها في مناطق أخرى.
ويقول محللون، إن حكومة دمشق تحاول استغلال الهجوم على الكلية الحربية بحمص واتهام الفصائل والتنظيمات الإرهابية بالمسؤولية عنه، لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية، وإعادة فتحه أمام القوافل والشحنات التجارية وما تدره من عوائد مالية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمناطقها وما تبع ذلك من حالة تململ وغضب شعبي، إضافةً إلى أن استعادة السيطرة على الطريق تمهد لها للمطالبة بالسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا كمعبري باب الهوى وباب السلامة.
وفي ظل كل هذا التصعيد والتطورات التي تشهدها المنطقة، تسود حالة من الترقب لما تحمله الأيام القادمة التي يتوقع أنها ستكون حبلى بالأحداث التي اعتاد المدنيون الأبرياء أن يدفعوا ضريبتها ويكونوا ضحيتها، مع استمرار تحكم قوى وأطراف دولية وإقليمية بقضية بلادهم، وتسيير الأمور بما يخدم مصالحها بعيداً عن مصالح السوريين، والتي من الواضح أنها راغبة في الإبقاء على الأوضاع الراهنة لسنوات، كما تشير هذه التطورات إلى كيفية تحول الأطراف السورية بما في ذلك قوات حكومة دمشق إلى أدوات لهذه القوى تأتمر بأوامرها.