يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازم على مواصلة عدوانه العسكري على شمالي سوريا والعراق، وقد دلل على ذلك قرار البرلمان التركي بالموافقة على تمديد تفويض إرسال قوات عسكرية خارج الحدود لعامين إضافيين، الأمر الذي يعني بحسب مراقبين أننا سنرى مزيداً من الانتهاكات والاعتداءات التركية واستمرار الضربات التي تنفذ بداية من أكتوبر الجاري.
وفي مؤشر على حالة الانقسام الكبيرة داخل البرلمان وافق على مذكرة التفويض 357 نائباً من إجمالي 600 عضو أبرزهم بالطبع حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف، بينما كان الشعب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي أبرز الرافضين، إلى جانب حزب المساواة والديمقراطية الشعبي المناصر لقضايا الأقليات والذي يرفض العمليات العسكرية ضد الكر في الأراضي السورية والعراقية.
هذه أهداف أردوغان من التصعيد
في هذا السياق، يقول كرم سعيد الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية إن تمديد بقاء القوات العسكرية التركية سواء في شمال سوريا أو العراق، أصبح دورياً وروتينياً منذ بدء أنقرة عملياتها قبل سنوات، لكن المختلف هذه المرة أن هناك عملية ترويج ودعاية تركية كبيرة رافقت القرار، وهذا يرتبط بعديد من التحديات التي يعمل أردوغان على مواجهتها.
وأوضح سعيد، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن النظام التركي بهذه الدعاية يريد تحقيق مجموعة من الأهداف، أولها تحييد الضغوط الداخلية التي ترفض انخراط تركيا في أية أعمال عسكرية خارجية أو الانخراط العسكري في صراعات المنطقة، لا سيما وأن هناك انتقادات واسعة تجاه حزب العدالة والتنمية بأن الوجود العسكري التركي الخارجي لم يحقق مردوداً إيجابياً للبلاد، بل العكس ما حدث أن الهجمات الإرهابية تكاثرت داخل تركيا على مدار السنوات الماضية وكان لها تأثيره الكبير على الاقتصاد والسياحة.
ولفت الخبير السياسي المصري إلى أن هذا التمديد يعكس رسالة إلى الخارج بأن تركيا ماضية في سياساتها والانخراط في صراعات المنطقة والخريطة الإقليمية الجديدة، ورسالة كذلك لدول الجوار التركي وتحديداً سوريا والعراق بأن أنقرة لن تتراجع قيد أنملة عن مواقفها، مضيفاً أن توقيت التصويت على القرار يأتي كرسالة تحد للولايات المتحدة بشأن علاقة الأخيرة مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أعلن قبل أيام أنه طلب من الإدارة الأمريكية أن توقف تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية، وذلك بحسب بيان لوزارة الخارجية التركية في اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، إلا أن الفكرة ليست موضع قبول لدى واشنطن التي لديها تحفظات كثيرة على الضربات التركية لا سيما أن “قسد” كانت شريكاً رئيسياً للتحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وصولاً إلى القضاء عليه.
وقد بدأ هذا التفويض لأول مرة عام 2014، والذي بموجبه شن النظام التركي عديداً من العمليات العسكرية العدوانية تحت مسميات مختلفة، فيما كان أردوغان جدد قبل أيام عزم بلاده على إقامة منطقة عازلة بمساحة 30 كيلو متر خارج الحدود مع سوريا والعراق بداعي أنه يحارب الإرهاب عقب تفجير استهدف مقراً أمنياً في أنقرة، وزعم النظام التركي أن المنفذين أتوا من شمال شرق سوريا رغم نفي قوات سوريا الديمقراطية هذا الادعاء جملة وموضوعاً.
استمرار المطامع التركية في المنطقة
يقول الدكتور تيسير عبدالجبار الألوسي الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن مطامع تركيا مستمرة في المنطقة وتمديد التفويض يعني تواصل العدوان والانتهاك لسيادة العراق وسلامة إراضيه، منتقداً صمت الحكومة المركزية ببغداد إزاء الانتشار العسكري التركي الكبير داخل الأراضي العراقية سواء كان ذلك عبر وجود قوات أو نقاط ارتكاز أو قواعد أو ضربات جوية.
ويرى “الألوسي” أن تمديد التفويض يعني قراراً باستمرار الأطماع التركية والتي وصلت حتى إلى الاستيلاء على مياه الأنهار المارة عبر العراق وتعطيش العراقيين عبر بناء عشرات السدود على نهري دجلة والفرات، دون أن يكون هناك أية تحركات تستطيع وقف تلك الممارسات التي كانت تتطلب أن تكون هناك خطة من الحكومة الاتحادية لحماية الشعب العراقي.
وترى عديد من التقارير الغربية أن الضربات التركية على قوات سوريا الديمقراطية لا سيما خلال الفترة الأخيرة قد تسببت في خلافات عميقة بين أنقرة وواشنطن، فقد طالبت الأخيرة الأولى مراراً بوقف تلك العمليات التي من شأنها تقويض جهود مكافحة تنظيم “داعش”، كما تصاعدت الخلافات حتى لو في الخفاء بعد إسقاط القوات الأمريكية في سوريا مسيرة تركية كانت تنفذ إحدى الضربات بالقرب منها.
ليبيا ليست بعيدة
من جهته، يقول الدكتور حسين الشارف الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن ليبيا ليست بمنأى عن تبعات قرار تمديد التفويض للقوات التركية لتنفيذ عمليات خارج الحدود، فصحيح أن الأعين تتجه نحو سوريا والعراق لكن الأراضي الليبية عانت هي الأخرى من التدخلات العسكرية التركية والتي كانت لخدمة الميليشيات وتيارات الإسلام السياسي والمتطرفين.
وأوضح “الشارف” أن الليبيين رأوا القوات والأسلحة التركية وكافة أشكال الدعم للميليشيات والمرتزقة في ليبيا خلال السنوات الأخيرة إثر اتفاقيات أمنية غير شرعية بين حكومة طرابلس السابقة والنظام التركي، والتي لعبت دوراً رئيسياً في إجهاض العمليات التي كانت تجري لتطهير البلاد من سطوة الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، مضيفاً أنه بناء على ما جرى وتدخل أنقرة من قبل فإنه ليس من المستبعد أن نرى مستقبلاً تدخلات عسكرية تركية جديدة في ليبيا طالما أن هذا التفويض مستمر ويتم تمديده بل ويمكن توسيع نطاقه.
وفي 2 يناير 2020 صوت البرلمان التركي بالموافقة على إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا في ضوء اتفاقية أمنية وعسكرية كانت أنقرة وقعتها مع حكومة فايز السراج التي تعبر عن الغرب الليبي، وقد وقعت تلك الاتفاقية في 27 نوفمبر من عام 2019، وكانت إلى جانب مذكرة أخرى تنص لأول مرة على تفاهمات بشأن ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا.
الصورة الأولى:
توقعات بتصاعد الضربات التركية بعد قرار تمديد التفويض
يبدو أن الرئيس التركي أردوغان عازماً على مواصلة عدوانه العسكري على شمالي سوريا والعراق، وقد دلل على ذلك قرار البرلمان التركي بالموافقة على تمديد تفويض إرسال قوات عسكرية خارج الحدود لعامين إضافيين، الأمر الذي يعني أننا سنرى مزيداً من الانتهاكات والاعتداءات التركية.