تعيش إدلب منذ بداية أكتوبر الجاري، تصعيداً عسكرياً واسعاً من قبل القوات النظامية التابعة لحكومة دمشق، وطائرات حليفتها موسكو، وذلك عقب شن هجمات دامية على الكلية الحربية في حمص، والتي أسفرت عن مقتل ضباط مُتخرجين وذويهم، قدر عددهم بأكثر من 123 قتيلاً.
ويقع التصعيد في مناطق كانت تعتبر بأنها مشمولة بما يسمى “خفض التصعيد”، التي يرعاها الجانبان الروسي والتركي، لكن لا يبدو بأنها أضحت كذلك، مع القصف المتبادل، والذي تطور حالياً إلى قصف بالطيران الحربي الروسي، أو استهداف “هيئة تحرير الشام” بالمسيرات، لمواقع في حلب مؤخراً.
حيث تشهد مدن وأرياف إدلب وحماة وحلب، قصفاً حكومياً مكثفاً، فاستهدفت القوات النظامية بعشرات القذائف المدفعية والصاروخية الأحياء السكنية في مدينة إدلب ومدينتي سرمين وجسر الشغور وقرى وبلدات قميناس وبداما والنيرب ومعارة النعسان ومجدليا بريف إدلب، كما طال قرى وبلدات كفرعمة وتديل والوساطة والقصر وأطراف كفرنوران ومدينة دارة عزة غربي حلب، وقرى القرقور وتل واسط والعنكاوي بسهل الغاب أقصى شمال غربي حماة، فيما جددت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على ريفي إدلب وحماة شمال غربي سوريا.
وبالتوازي مع التصعيد، تُرسل تركيا المزيد من الأرتال العسكرية التي تضم معدات لوجستية وعربات إلى محاور في إدلب، حيث تنتشر القوات التركية في أكثر من 60 نقطة وقاعدة عسكرية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) شمال غربي سوريا، منذ أن تدخلت بشكل مباشر في المنطقة خلال العام 2018.
لكن الغريب أن لا أحد تبنى هجوم الكلية الحربية في حمص، في حين اتهمت حكومة دمشق “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” بالوقوف خلف الاستهداف “عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة”، مؤكدةً أنها “ستردّ بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت”.
النظام مُتهم بقصف الكلية الحربية بحمص
وللتعقيب على هجمات القوات النظامية التابعة لحكومة دمشق، والطائرات الحربية الروسية على إدلب، قال “رضوان الأطرش” وهو مدير المركز السوري للتنمية المجتمعية، ومُقيم في محافظة إدلب، حول رؤيتهم لما جرى ويجري، في حديث خاص لـ منصة تارجيت: “بخصوص اتهامات نظام الأسد للمسلحين بقصف الكلية الحربية، فهي تبقى اتهامات دون تقديم أدنى دليل عليها”.
مُتابعاً: “هذا من طبع النظام، فهو دائماً يتهم فصائل الثورة بمن فيها هيئة تحرير الشام، بأي عملية تحدث في مناطق سيطرته، مردفاً ذلك بتلقي هذه الفصائل دعما من الخارج، مع العلم أن هذه الفصائل لا تمتلك مثل هذه المسيرات التي تصل إلى عمق مناطق سيطرة النظام”.
وعقب تنفيذ الهجوم على الكلية الحربية في حمص، رجح البعض أن تكون تركيا من نفذت القصف، نتيجة رغبتها بالضغط على سلطة دمشق والروس، للحصول على تنازلات، حيث يصر الطرفان على خروج تركيا من الأراضي السورية، فيما تصر أنقرة على الحصول على مكاسب، أهمها أن تتمدد القوات الحكومية في شرق الفرات، وتقضي على قوات سوريا الديمقراطية، نتيجة عجزها عن الحصول على ضوء أخضر أمريكي بذلك.
فيما اعتقدَ آخرون بأن السلطة في دمشق، ومن خلفها إيران، يمتلكان الفائدة الكبرى من قصف الكلية الحربية لحمص، لتبرير العمليات ضد إدلب، أولاً، وللملمة أبناء الساحل حول السلطة، بعد ارتفاع الأصوات المناوئة له هناك وفي السويداء، ثانياً.
وحيال اعتقادهم في إدلب حول هوية مُنفذ الهجوم، قال رضوان الأطرش لـ تارجيت: “أعتقد أن النظام نفسه من قام بالعملية، كي يكسب تعاطفاً دولياً وعربياً، وبالأخص تعاطف محلي، بعد أن انفجر بركان الشعب ضده في السويداء، وبدأت تتعالى الأصوات في الساحل ودمشق”.
وأكمل: “النظام من عادته خلط الأوراق للاستفادة منها في بقائه على كرسي الحكم وعدم تطبيقه أي قرار دولي، ومن قام بتفجير خلية الأزمة التي كانت تبحث عن مخرج للأزمة، لن يعجز عن تفجير الكلية الحربية، ولا نستبعد موافقة إيران على التفجير والتخطيط له برفقة بشار الأسد”.
الاقتحام سيقلب السحر على الساحر
وفي ظل القصف المتواصل على إدلب، وتصورهم إلى ما ستؤول إليه الأحداث في المحافظة، إن كانت تقدماً برياً للقوات النظامية عبر اجتياح المحافظة، أم اقتصار الأمر على القصف الانتقامي، رأى مدير المركز السوري للتنمية المجتمعية إن “القصف على إدلب لن يتوقف، باستثناء مرور أيام قليلة عمّ فيها الهدوء”.
وأردف: “كل القصف الذي حصل، كان حصيلته مدنيون وأغلبهم في منازلهم أو أراضيهم الزراعية”، مشيراً إلى أن “النظام عاجز اليوم عن فعل أي شيء لولا الدعم الروسي والإيراني له”.
واستطرد: “لو فكر النظام بالاقتحام البري بمفرده، أظن أن السحر سينقلب عليه، خاصة أن له جبهة عسكرية عريضة، ناهيك عن تململ حاضنته بعد استهدافها مؤخراً بالصواريخ، وهذا سوف يشكل عامل ضغط عليه، وليس من مصلحته ذلك، كما أنه ليس من مصلحة كل السوريين استمرار الحرب، والحل الوحيد هو تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، الداعية لانتقال سياسي عادل وشامل”.
وأياً كان مَن قصف الكلية الحربية في حمص، فإن الحدث أتى في زمنٍ يحمل مَخاض عسير للمنطقة، عنوانه القوة العسكرية، بدأ بالقصف التركي على مناطق شمال وشرق سوريا، ومرَ بقصف إدلب، ووصلَ إلى أحداث غزة التي طغت مؤخراً، وهي في جملتها تبدو متفرقة لكن متكاملة أيضاً، صوب الفوضى العارمة الشرق الأوسط، وتغييب لغة الحوار والعقل والحلول السياسية.