يُعرف الاستيطان على أنه قيام مُستعمِرين باستيطان أرض خارج حدود دولتهم، أو بتأييد من دولة استعمارية، عبر نقل سكان من منطقة إلى المنطقة المستعمَرة، حيث يحصل المستوطنون على الأرض، ويبيدون أو يعزلون سكانها الأصليين.
كما يعرف الاستيطان على أنه الاستيلاء على الأرض واستغلال سكانها واقتلاعهم من أراضيهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، وتنبثق الطبيعة العنصرية للاستيطان من إيمان المستوطنين بتفوقهم الحضاري واحتقارهم للسكان الأصليين، وشعورهم بالتفوق عليهم وبالقوة.
ويتحقق في عفرين تعريف الاستيطان بشكل كامل، حيث قام المستعمِر التركي بالتوافق مع الروس ونظام دمشق، بنقل أناس مهجرين من مناطق سورية مختلفة وسط سوريا، إلى عفرين كمنطقة مستعمَرة.
أيضاً حصل فيها القادمون الجُدد على الأرض، بعد أن تمت إبادة سكان عفرين الأصليين أو تهجيرهم، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، مهما أستتر الأتراك وميليشياتهم السورية خلف مبررات واهية، زاعمة بأن عفرين أرض سورية وأن كل السوريين يحق لهم التوجه له، حيث كان ذلك منطقياً وحاصلاً فعلاً عندما كان أهلها من يحكمونها ويعيشون فيها، لكن ليس بعد أن قتل أهلها وتهجيرهم.
كذلك يتحقق في عفرين باقي تعريف الاستيطان، حيث تم الاستيلاء على الأرض واستغلال سكان عفرين، أو اقتلاعهم من أراضيهم وديارهم بالإبادة أو التهجير، وكان ذلك منبثقاً من الطبيعة العنصرية، ومن إيمان المستوطنين بتفوقهم الحضاري واحتقارهم للسكان الأصليين، وشعورهم بالتفوق عليهم وبالقوة المستندة بالأساس إلى جيش دولة غازية.
تسمية الأمور بمسمياتها
ولأنه لا يمكن إنكار ما حصل في عفرين، حتى من قبل من كان يؤيد الغزو التركي للمنطقة في العام 2018، بزعم أن حزباً كردياً ما، موال للسلطة في دمشق، وهي الدعاية التي لطالما عملت قنوات المعارضة السورية الممولة من أنقرة وقطر تحديداً، على نشرها والترويج لها، لتبرير استهداف الشعب الكردي وحقوقه الدستورية، فليس من الممكن إلا تسمية الأمور بمسمياتها، وبالتالي تسمية ما يحصل في عفرين، بالاستيطان وبالفم الملآن.
فمثلاً، بناء التجمعات السكنية في مدينة إعزاز أو إدلب المجاورتان لـ عفرين، ربما يعتبر احتضاناً للمهجرين قسراً من باقي المناطق السورية، لكن بناء ذات التجمعات في عفرين هو استيطان، كون طريقة دخول مسلحي المعارضة مختلفة جذرياً في الحالتين.
فبينما هي حراك مسلح ضد سلطة دمشق في شمال حلب أو إدلب، استقبل فيها الجيش التركي بالورود في كثير من المدن، كانت الحالة مختلفة جذرياً في عفرين، حيث دخلها الجيش التركي والمسلحون التابعون للمعارضة عنوة وغزواً، وتنكيلا وتهجيراً وسلبا ونهباً واستيلاءً وتعذيباً وقتلاً، وما مشاهد الغنائم التي تعاملت بها مليشيات المعارضة يوم الثامن عشر من مارس للعام 2018، التي أسماها أهالي عفرين بـ”يوم الجراد”، عند سقوط مركز عفرين بيدهم، إلا تأكيداً على ما ورد.
يومها، سُمعت أصوات التكبير في مختلف أرجاء عفرين، وبدأ المسلحون بسرقة المواشي والآليات الزراعية والسيارات والمشاغل وكل ما وصلت إليه أياديهم، بما فيها بقاليات المواد الغذائية ومحتويات المنازل، وهي ليست إلا نتيجة لإحدى تعريفات الاستيطان، وهي احتقار السكان الأصليين، والشعور بالتفوق عليهم وبالقوة.
مستوطنة تلو الأخرى
عقب 18 مارس للعام 2018، بدأت تركيا بتنفيذ مشروعها لتغيير ديموغرافية عفرين، وهي تبني في سبيل ذلك، المستوطنة تلو الأخرى، بذريعة تأمين منازل للقاطنين في خيام، أو ضمن سعيهم لنقل ملايين السوريين من داخل تركيا إلى شمال سوريا، من ضمنها عفرين ورأس العين وتل أبيض.
بالصدد، قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، نهاية أغسطس الماضي، إنه تجري “عمليات تتريك وتهجير ممنهج في الشمال السوري عبر بناء مساكن نموذجية، ورفع الأعلام التركية، وتغيير أسماء الأماكن وبعض المدارس”.
وأردف: “تركيا تعمل على إنشاء قاعدة شعبية في الشمال بعمليات التغيير الديمغرافي باستقدام أبناء الغوطة وحمص وغيرها من المحافظات، للسكن في عفرين، وفي حال انهيار سوريا، ستكون المنطقة جاهزة لأن تكون لواء إسكندرون ثان، وتصبح أراضي تركية، لأنه لا يوجد دولة في سوريا ولا يوجد مجتمع دولي يقول لنا إن سوريا يجب أن تبقى موحدة سوى في الإعلام”.
وأكد عبد الرحمن: “وجود 3 عمليات عسكرية تركية لا يعطي الحق لها أن تفرض القوانين التركية”، مشيراً إلى قول “المسؤولين الأتراك بأن حلب للدولة التركية، وأن أردوغان قال بأن مليون سوري عاد لسوريا، بشكل طوعي، بينما الواقع أن كل الذين عادوا من تركيا إلى سوريا، غالبيتهم جرى إبعادهم من الأراضي التركية قسراً”.
وفي السياق، قال موقع نورث برس العامل في شمال سوريا، نهاية سبتمبر الماضي، بأن عدد المستوطنات التي بنتها المنظمات السعودية والكويتية والفلسطينية والقطرية، في منطقة عفرين، بلغ نحو 36 مستوطنة، تتوزع في مناطق شران والشيخ حديد وجنديرس وبلبل وراجو قرب مدينة عفرين.
المستوطنات خدمة إخوانية لتركيا
وللتعقيب على استمرار عمليات الاستيطان في عفرين، وإشراك أسماء بعض الدول العربية فيها، رغم نداءات أهالي عفرين ونشطائها لوقف ذلك والامتناع عن تمويل المشاريع الاستيطانية، قال “هيمن كورداغي”، وهو ناشط سياسي مُنحدر من عفرين، وعضو في “المُبادرة الوطنية من أجل عفرين”، خلال تصريح خاص لـ منصة تارجيت: “بالنسبة إلى المنظمات والهيئات والجمعيات التي تعمل في الشمال السوري، هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجماعة الإخوان المسلمين كحركة عالمية، وتمثل واجهة مدنية خدمية وخيرية للأجندات السياسية لحركة الإخوان المسلمين، التي تعمل في كل بلد تحت مسمى مختلف، لكنها في النهاية مرتبطة ارتباطًاً وثيقاً مع بعضها البعض بالفكر والتوجهات والأجندات”.
وأكمل: “حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، من ضمن جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فمن الطبيعي أن تعمل هذه الجماعة على خدمة أجندات الدولة التركية، بواجهة مدنية خيرية، اجتماعية بشكل أو بآخر”، مؤكداً: “كل ما يقومون به في الشمال السوري هو بتوجيه من الدولة التركية، وأعمالهم مكملة للمخطط الذي ترسمه تركيا، حيث تنفذه هذه الهيئات والجمعيات والمؤسسات”.
وأردف: “إذا أخذنا بعين الاعتبار كيفية حصول احتلال عفرين، كمقياس، سوف يكون الجواب بنفس السوية، إذ كان التآمر على عفرين والتخاذل الدولي الذي حصل، بمواجهة بسالة أبناء شعبنا ودفاعهم عن عفرين، وعن الوجود الكردي على أرضهم وأرض أجدادهم، لكن المؤامرة كانت أكبر من حجم المقاومة، كونها كانت على مستوى دولي، لذلك فالممارسات التي تحصل في عفرين، من قبل تلك الهيئات والمؤسسات هي برعاية الدولة التركية، وبالتالي لا بد من تكاتف دولي على مستوى المنظمات والهيئات الدولية”.
وأشار: “في ملف عفرين، لم نحصل على ذلك الدعم، بل فقط تم تداولها على المستوى الإعلامي وتعريف قضيتها، لكن من الناحية السياسية والعسكرية، هناك تخاذل دولي وتغاضي”.
الإخوان واستغلال أسماء الدول
وحول مشاركة بعض الدول العربية في تشجيع عمليات الاستيطان وبناء المستوطنات في عفرين، قال هيمن: “لا أعتقد أن تلك الدول مشاركة كحكومات في هذه الأعمال، ولكن تنظيم الإخوان المسلمين يستخدم أسماء بعض الدول للتستر خلفها وشرعنة وتدويل المؤامرة على عفرين بشكل أكبر، وشرعنة ممارستهم الإرهابية غير المشروعة، وغير الإنسانية”.
مستذكراً بـ”أن الدفاع البطولي عن عفرين، حصل في ظل الإدارة الذاتية، لكن المؤامرة كانت أكبر من إمكانات الإدارة الذاتية”، قائلاً: “مثلما أعرف عن قرب، فإن الإدارة الذاتية تبذل كل جهودها، وتطرح قضية عفرين في كل لقاءاتها”، مؤكداً أيضاً بأن “الجمعيات المدافعة عفرين، تتواصل بدورها مع الحكومات، من أجل منع المنظمات من تشجيع الاستيطان في عفرين، تحت ذريعة المساعدات والتغطي بالشعارات الإنسانية لتبرير التغيير الديموغرافي في عفرين”.
قائلاً بالصدد: “هناك الكثير من المنظمات الحقوقية، ومنها المبادرة الوطنية من أجل عفرين، تواصلت مع مجموعة من المنظمات الدولية ومع شخصيات وحكومات، ومنها حكومة الكويت وفلسطين، التي كانت منظماتها مُساهمة بالاستيطان في عفرين، وتوجد لها مكاتب في تلك الدول، حيث قامت الحكومات بمراسلة تلك الجمعيات، ومنها في الكويت، إذ أعلنت في الصحف الرسمية وقف تلك الأنشطة، وحتى في فلسطين، حيث تم فضح أنشطة تلك الجمعيات”.
ومع مُطابقة بناء التجمعات السكنية في عفرين لتعريف الاستيطان والمستوطنات، يبقى أن يقال بأن كل الإجراءات التركية هناك، هي استثنائية وغير مشروعة، ولا بد لها أن تنتهي يوماً، بنهاية التواجد التركي على الأراضي السورية، كونه مستنداً على منطق القوة وليس قوة المنطق.