أصدر ديفيد شوبريدج عضو مجلس الشيوخ الأسترالي عن حزب الخضر بياناً أعرب خلاله عن شعوره بقلق بالغ إزاء الهجوم العسكري المستمر للحكومة التركية وانتهاكات حقوق الإنسان ضد الشعب الكردي والمجتمعات التي تعيش في منطقة الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا، وقد دعى خلال بيانه العالم إلى عدم الانشغال بالحرب الدائرة في قطاع غزة وتجاهل الجرائم التي يقوم بها النظام التركي في الأراضي السورية.
وتتصاعد الانتقادات الدولية تجاه الضربات التركية التي تتواصل منذ الرابع من أكتوبر الجاري على شمال شرق سوريا، والتي طالت كثيراً من الأعيان المدنية المحرم استهدافها وفق أحكام القانون الدولي الإنساني، وما تتضمنه تلك العمليات العدوانية من قبل النظام التركي من انتهاكات واضحة وصريحة لحقوق الإنسان في هذا المنطقة بقتل لمدنيين وأطفال ونساء واستهداف القرى الآمنة وضرب مرافق للمياه والطاقة بل ووصل الأمر إلى صوامع الحبوب.
استهداف المدنيين والمرافق الأساسية
وتحدث ديفيد شوبريدج عضو مجلس الشيوخ الأسترالي عن التقارير التي تفيد باستهداف المدنيين والمرافق الأساسية والبنية التحتية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والمناطق السكنية ومحطات الطاقة والمساجد ومخيمات اللاجئين، واصفاً الوضع بـ”الأمر المحزن للغاية”، مؤكدا إدانته هذه الهجمات “بأشد العبارات الممكنة”.
وأعرب شوبريدج عن شعوره بالقلق من أن الحكومة التركية تستخدم التطورات المدمرة في فلسطين وإسرائيل لتعزيز أجندتها الخاصة وتصعيد الهجوم العسكري ضد الشعب الكردي، وبينما يتركز الاهتمام العام على الصراع السابق، قال إنه يود أن يوضح أن انتهاكات تركيا ضد الشعب الكردي لا يجب أن تمر مرور الكرام، كما حث الحكومة التركية على وقف هذه الهجمات الوحشية على الفور.
ومنذ السبت الماضي تشن إسرائيل ضربات شاملة مكثفة أوقعت مئات القتلى إثر هجوم عنيف لحركة حماس الفلسطينية، وعلى الفور وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات واسعة إلى “تل أبيب” داعياً إياها إلى وقف الجرائم التي تقوم بها والانتهاكات الفجة لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يواصل عملياته في شمالي سوريا والعراق ويقتل ويدمر دون أدنى مراعاة لحقوق الإنسان التي تحدث عنها، بل طالت هجماته مساجداً كذلك.
وقال ديفيد شوبريدج الذي يعمل كذلك متحدثاً رسمياً باسم وزارة العدل في نيو ساوث ويلز إنه يجب على المجتمع الدولي أن يدين الهجمات التركية ويطالب بالمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبتها تركيا ضد الشعب الكردي، مضيفاً: “اليوم وكل يوم أقف متضامناً مع الشعب الكردي والشتات الكردي في أستراليا خلال هذه الأوقات الصعبة، وإنني أدعو الحكومة الأسترالية إلى استخدام تحالفها مع الولايات المتحدة والتحالف على الأرض لحثهم على استخدام علاقاتهم الدبلوماسية مع تركيا لإثارة هذه المسألة بشكل عاجل والمطالبة بإنهاء هذه الهجمات”.
علامات استفهام حول موقف المجتمع الدولي
رعم هذا البيان، لم يبد الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية تفاؤلاً بشأن المواقف الدولية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا، إذ يرى أن أنقرة نجحت في تسويق رؤيتها حول ما تسميه بقضية الأمن القومي، كما أنها تعمل على توظيف علاقاتها بالولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي “الناتو” والدول الأوروبية للتغطية على ما تقوم به من ضربات الآن سواء في شمال سوريا أو شمال العراق ضد الكرد.
وأضاف “سمير”، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن النظام التركي يساوي بين الجميع ويضع الكرد في خانة الإرهاب، في حين أن هناك كثير من الشعوب بدأت لا تنجرف وراء النظرة التركية وتضع جميع الكرد في خانة الإرهاب التي تضعهم فيها تركيا، وإنما بدأوا يدركون أن هاك شعب كردي له حقوقه.
الإرهاب والأمن القومي “شماعة” تركية
ويرى الخبير في العلاقات الدولية أن تركيا تستخدم ما تزعم أنه “إرهاب” وستواصل استخدام هذه “الشماعة” لتنفيذ أهدافها وأغراضها وهي بكل وضوح تتضمن أطماعاً في شمال العراق وشمال سوريا، وترفض الالتزام باتفاقية قديمة مع سوريا كانت تعطيها الفرصة للتغلغل لنحو 5 كيلومتر شمال البلاد وهي اتفاقية أضنة، لكنها تريد مساحة أكثر قد تزيد على 35 كيلو متر.
وعن العراق، يقول الدكتور أيمن سمير إن تركيا تعتبر الموصل ولاية تركية، وكان للموصل ليرة في الميزانية التركية يطلق عليها الليرة الموصلية، وبالتالي الطمع التركي وطمع القوميين الأتراك تحديداً قديم لكن يتم تسويقه الآن للعالم تحت غطاء مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي، وهذه هي الرؤية التي سوقتها “أنقرة” كما أنها تستفيد – كما أشرت – من كثير من التعقيدات الدولية والمصالح التي ترتبط الدول الأخرى بها من أجل تحقيق أهدافها في المناطق التي تعتدي عليها.
ازدواجية أردوغان والمجتمع الدولي
بدوره، يقول محمد ربيع الديهي الباحث في الشأن التركي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن أحدث فلسطين والتطورات الأخيرة كانت كاشفة عن قناعات الرئيس التركي ومواقفه التي لا تعبر إلا عن برجماتية وتلاعب بمشاعر الشعوب العربية، من خلال الحديث الدائم والمتواصل عن حقوق الشعب الفلسطيني والانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في وقت\يقوم هو بنفس الممارسات في شمال سوريا.
ويرى “الديهي” أن مسألة تغاضي بعض الدول الكبرى عما يقوم به “أردوغان” في شمال سوريا لن يكون سببها انشغال العالم في تطورات الأوضاع بالأراضي الفلسطينية، وإنما الأمر يرتبط بما أفرزته الحرب الروسية – الأوكرانية من تداعيات على شكل النظام الدولي، ومساعي كثير من الدول إلى استقطاب الأتراك لصالحهم سواء روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وتابع قائلاً إننا نستطيع هنا القول إن أنقرة تستغل هذا الظرف الدولي وتناور من أجل تحقيق أهدافها وأجنداتها، ونحن نرى كذلك كيف ناورت ولا تزال تناور بورقة عضوية السويد في حلف الناتو، وعليه فإنه صحيح أن المجتمع الدولي منشغل بما يجري في غزة، لكن ليس هذا هو السبب الحقيقي خلف تجاهله للضربات التركية، وقد تسبب ذلك في جعل تركيا لا تهتم كثيراً بموقف المجتمع الدولي الذي تتكشف كذلك ازدواجية معاييره عندما يرتبط الأمر بالمصالح.
وكانت القوات التركية قصفت مسجداً في مخمور شمال العراق، وقصفت مستشفى في ديريك بمحافظة الحسكة السورية، وأصابت 5 نساء يعملن في حقل للقطن، وقتلت طفلين عمرهما 9 و10 سنوات في عين عيسى، وتستخدم في ضرباتها الطائرات الهجومية والمسيرات والقاذفات الثقيلة دون تمييز في تلك الضربات بين ما هو مدني وما هو عسكري، أي نفس الممارسات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني.