بين “معبر الحمران” وإنهاء “دويلة التركمان” شمال حلب.. ما هدف “النصرة”؟

شهدت مناطق شمال حلب من جرابلس وصولاً إلى إعزاز، منذ منتصف سبتمبر الماضي، عمليات عسكرية كانت في ظاهرها اقتتالاً على معبر الحمران الرابط مع مناطق مجلس منبج العسكري، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، لكنها حملت في باطنها أكثر من ذلك، حيث قد يُنهي تمدد “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة” في شمال حلب، المساعي التركية لإنشاء دويلة تركمانية، على شاكلة ما يعرف بـ”جمهورية شمال قبرص”.

النصرة ومعاني تمددها

وفي الصدد، شدد مصدر خاص لــ منصة تارجيت، فضل عدم الكشف عن هويته، على أن لـ”النصرة سياسة خاصة، حيث لا تسمح بتتريك المناطق الخاضعة لسيطرتها، على شاكلة ما هو حاصل في المناطق الخاضعة لمليشيات الجيش الوطني السوري”، وأنه “رغم علاقتها مع تركيا، لكنها لم تخضع قرارها للجانب التركي”.

وأوضح أنه مع “وجود قواعد تركية في إدلب، ليس للجنود الأتراك أي مقدرة على التحرك خارجها، فيما تتكفل النصرة بحماية تلك القواعد ومراقبتها في الوقت نفسه، ولا توجد مثلاً أعلام تركية أو تسميات تركية في إدلب، حيث تدار المنطقة من قبل حكومة الإنقاذ التابعة للنصرة، كما لا يجري التدريس باللغة التركية هناك، مُقارنة مع مناطق المعارضة الأخرى”.

وتوقّع المصدر أن “تقع كامل المناطق من عفرين عبوراً بإعزاز ومارع والراعي وصولاً إلى جرابلس، تحت نفوذ النصرة، مع حصول مقتلة في تلك المناطق بحق المسلحين الرافضين للتعاون معها، وهي حالياً المليشيات ذات الخلفية التركمانية، وعلى رأسها مليشيا فرقة السلطان مراد، التي تتكفل بحماية مقرات ما تسمى بالحكومة السورية المؤقتة المعارضة والتابعة لتركيا، ومقرها في بلدة الراعي، إذ ستكون سيطرة النصرة على الراعي، الشعرة التي ستقصم ظهر المليشيات المدارة تركياً، وتنهي الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن مصطفى وهو من أصل تركماني، وبالتالي إنهاء مشروع الدويلة التركمانية التي تسعى لها أنقرة، في شمال حلب”.

النصرة وتحييد المليشيات من الصراع

وحسب المصدر، “أراد الجانب التركي استبعاد الجميع، وتسليم التركمان مقاليد القرار الإداري والعسكري في مناطق سيطرتها شمال حلب، ونفذت مشروع تركمنة بعض المناطق في عفرين، على حدودها مع تركيا، وتحديداً في ناحية بلبل”.

وأكمل: “لأجل ذلك، كانت قد وضعت تركيا حدوداً للنصرة على تخوم عفرين في معبر الغزاوية، يُمنع تجاوزها، لكن مع إدراك الجولاني وجود مُخطط تركي لخنق إدلب وتسليمها للنظام وروسيا وإيران، بدأ بالسعي إلى إفراغ المٌخطط التركي، عبر التواصل مع مليشيات محددة من الجيش الوطني، وحاول تحييدها كلاً بطريقة، وقد تمكن من تحقيق نجاحات في ذلك، وهو ما لاحظناه في الاقتتال الأخير على معبر الحمران، حيث كانت مليشيا فرقة السلطان مراد ذات الخلفية التركمانية، بمواجهة شبه منفرد مع النصرة”.

“ولم تستطع تركيا إغلاق الطريق أمام الهجوم، لأن النصرة استغلت أحداث دير الزور، لإرسال الآلاف من مقاتليها إلى أرياف الباب وجرابلس والراعي وغيرها، كما أن وجود القواعد التركية في إدلب، ووجود النصرة في محيطها، قيّد الأتراك شمال حلب، لخشيتهم من رد النصرة واستهداف جيشها في إدلب”، بيّن المصدر.

ووفق المصدر فإن “مدناً وبلدات في شمال حلب، حيدت نفسها من الصراع مع النصرة، ومنها الفصائل في مدينة إعزاز، إذ سمحت بعبور أرتال النصرة دون التعرض لها، مع تأكيد النصرة لهم بأنها لن تتعرض لأي فصيل لا يتدخل بالمواجهة، فيما باتت تركيا تائهة بين المتصارعين، وغير قادرة على ضبط الأمور”.

وأخيراً، رأى المصدر، أن “النصرة لن تنسحب من المناطق التي دخلت إليها مؤخراً، حتى إن تم التوصل إلى هدنة ما، كونها تستخدم سياسة القضم، ولم تنسحب سابقاً من عفرين، عندما دخلت بمواجهة مع الجبهة الشامية وجيش الإسلام قبل أشهر، إذ بقيت تحت راية تنظيمات أخرى مُتحالفة معها، وهو الأمر المُرجح في حالة ريف حلب الشمالي، حيث ستبقى الهيئة تحت أسماء أخرى، إلى أن تسنح لها الفرصة بالسيطرة الكاملة على شمال حلب”.

رأي مُخالف

لكن، كان لدى “محمود حبيب”، الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، رأياً مُخالفاً، حيث أشار لـ منصة تارجيت: “يُعبر هذا الاقتتال عن حقائق تكوين هذه الجماعات الإرهابية، المبني على أسس إجرامية تضرب بعرض الحائط كل ضوابط حمل السلاح، فقد استخدموا سلاحهم في مقدمة الجيش التركي، الذي احتل بلدهم وفقدوا بذلك كل معاني الشرف الوطني”.

وتابع: “وأضافوا إلى ذلك الارتزاق الخارجي، فتوجهوا إلى ليبيا وأذربيجان لتنفيذ مصالح دولة الاحتلال التركي، وانتهى بهم المطاف للاقتتال فيما بينهم، بعد أن تحولوا بشكل نهائي إلى تجار حروب وقتلة مأجورين، وهنا لا نفرق بين النصرة التي قضت على كل أشكال الحراك الثوري وبين الجيش اللاوطني، وبالنتيجة هو اقتتال يعكس صورة العمالة والارتزاق وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب السوري”.

وحول إن كانت المواجهة تمثل آخر أيام الحكومة المؤقتة التابعة لتركيا، ومركزها مدينة الراعي شمال حلب، حيث تحميها مليشيا السلطان مراد، قال حبيب: “لا أعتقد أن وراء هذا الاقتتال مُحاولة تركية للتخلص مما يسمى الحكومة المؤقتة، لأن هذه الحكومة أداة رخيصة لتنفيذ سياسات دولة الاحتلال على الأرض السورية”.

وأكمل: “أعتقد أن هذا الضغط على الحكومة المؤقتة باستخدام ذراع النصرة، ما هو الا محاولة تأديب لها، ودفعها للارتماء بأحضان التركي والانصياع الكامل لسياساته، حتى تضمن ولاء هؤلاء المرتزقة، وخصوصاً اذا ما جرت تحولات كبيرة على الملف السوري، عبر تفاهمات أو مفاوضات  قد تضر بمصالح تركيا”.

منطقة عازلة تركمانية سهلة الضمّ

وحيال إن كانت المعركة باتت بين جزء من التركمان السوريين، وهم الموالون منهم لتركيا، وبين النصرة الرافضة لتركمنة شمال حلب، وتتريك مظاهر الحياة، كشف حبيب: “لا تزال النصرة أداة احتلال تركي في إدلب، ولولا الدعم التركي لما استمرت بالقيام بمهمتها لأيام، وإن كانت مظاهر التتريك في ريف حلب أشد وأوضح”.

واستنتج: “بذلك نستطيع القول إن النصرة مُوكلة بتنفيذ سياسات تركيا، ولكن هذه المرة باستخدام الغطاء الديني الذي ينتمي إلى فكر الإخوان المسلمين العابر للقوميات، بعكس سلاح القومية الذي تستخدمه تركيا في ريف حلب، والذي جعل من القادة التركمان أصحاب القرار السياسي والعسكري لضمان السيطرة والتحكم”.

ونوّه في هذا الصدد: “أعتقد أن القوى التي تم الضغط عليها من قبل تركيا، لا ترضخ بشكل كامل للأوامر، وهي بالأساس لا تحظى بثقة تركيا، وليست إلا أدوات رخيصة، لذلك لا أستبعد أن يكون هناك إعادة هيكلة بإشراف النصرة، لفرز الأكثر تطرفاً على الصعيد الديني والعرقي، حيث يحتاج مخطط تركيا لسلب الأراضي السورية، إلى أدوات تنفيذ أكثر قدرة، ولكي يدفع من يتم التخلص منه للقبول بالتنازلات”.

وختم حديثه لـ تارجيت بالقول: “إن إنشاء منطقة عازلة من أغلبية تركمانية، سيتيح لتركيا سهولة ضم تلك المناطق، وذلك من خلال طرد الكُرد بشكل واسع والعرب بدرجة أقل، ومن الممكن أن تفتح لمن تم استبعاده، بوابات جديدة للاستغلال العسكري في داخل سوريا أو خارجها”.

ومع الإشارة إلى أن الحكومة المؤقتة المعارضة، لا تعارض تركيا في أي أمر، وتسير بشكل مُطلق في نهجها، فإن فرضية الضغط عليها من قبل أنقرة، لتحقيق المزيد من الانصياع، تبدو أقل ترجيحاً من فرضية سعي النصرة للقضاء عليها، رغبة في توسيع نفوذها ونشاط حكومتها المسماة بـ الإنقاذ، من إدلب إلى شمال حلب، وهو ما ستكشف عنها قادمات الأيام.

 

قد يعجبك ايضا