السينمائي محمود جقماقي: مُكافحة التطرف غير مُجدية بالعسكرة.. والمطلوب: مشروع ثقافي
اُفتتح خلال الفترة ما بين 12 و15 سبتمبر الجاري، الدورة الثانية من مهرجان الداخلية السينمائي الدولي، الذي نظمته الجمعية العمانية للسينما، بالتعاون مع مكتب محافظ الداخلية وعدة جهات حكومية، بولاية الحمراء في محافظة الداخلية بدولة سلطنة عمان.
وشارك في المهرجان 155 فيلماً من 21 دولة، من بينها ستة أفلام سورية، حيث وصل للمنافسات النهائية 46 فيلماً، من بينها فيلم “بعد الموت” الذي حصد المركز الثالث ضمن التنافس مع عشرة أفلام وثائقية دولية، وهي للمُخرج الكُردي السوري محمود جقماقي، المُنحدر من عفرين، والذي هُجر منها قسراً عقب ما سمي بـ”عملية غصن الزيتون” التركية، في العام 2018، حيث انتقل قبل عدة أشهر إلى فرنسا.
ويروي فلم “بعد الموت” قصة فنان كُردي من مدينة كوباني شمال سوريا، حيث بدأ رحلته لخلق الأمل وبث روح الحياة في مدينته، من خلال إعادة تدوير بقايا الحرب وصنع أشكال ومجسمات فنية، بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي العام 2014.
فاجعة عفرين غائبة سينمائياً
وللحديث عن المشاركة، قال “محمود جقماقي” في حديث خاص لـ منصة تارجيت، حول تقييمه لتواجد الأفلام الكردية في المهرجانات والمسابقات الدولية، وخاصة المنتجة من قبل الكرد السوريين، مقارنةً بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان: “نظراً لحجم الإمكانات والموارد المتاحة لدى الكرد، وقياساً بحجم التغيرات الكبرى التي تجري، اعتقد ما تزال خطواتنا السينمائية في روجافا خجولة، وما دون المأمول، لأسباب يطول شرحها، ومنها تعقيدات الحرب ومفرزاتها المتعددة”.
وأردف: “أقول هذا بأسى، كون روجافا تعتبر مسرحاً لأهم الأحداث والمتغيرات، وتستقطب أنظار واهتمام العالم، كرواد مشروع تغييري نهضوي كبير، وبمنتهى الشفافية، الصورة النمطية عن الكُرد بوصفهم مقاتلين شجعان فقط، تؤذيني وتجرح إنسانيتي، ومن المؤسف إن السينما لم تفعل ما يساهم في تغيير هذه الصورة النمطية، وهو الأقدر على ذلك فنياً ومعرفياً”.
وبعيداً عن فلمه “بعد الموت”، سألت منصة تارجيت المخرج جقماقي حول عفرين، إن كان لها نصيب في أفلامه وإنتاجه السينمائي، فقال: “بخصوص عفرين، وبصرف النظر عن الجانب الوجداني كوني أنتمي لها، لكن لا وجود لقضية وفاجعة عفرين على الخريطة السينمائية الكردية، وتُقتصر مُحاولاتنا على تجارب وخطوات فردية، لا ترتقي لحجم المأساة والمقاومة التي يبذلها الناس بأشكال مختلفة”.
وتابع: “لدي تجربة سينمائية، وهي فلم وثائقي قصير اسمه “لورين دايكه”، قمت فيها بتوثيق أيامي الأخيرة في عفرين، خلال الغزو التركي، والفلم شارك في عدة مهرجانات، أبرزها الإسكندرية لدول المتوسط ٢٠١٩، كما تم تكريمه في مهرجان هولير “سينما ضد الإرهاب ٢٠٢٠”.
وأكمل: “بالطبع العمل الفني والسينمائي يحتاج لجهد مؤسساتي مُنظم، والجهود الفردية تكون بمثابة صرخة أو مُحاولة لتحريك المياه الراكدة، وإذا أردنا الحديث بشفافية، يجب أن نعترف بأننا مذنبون بحق هذه المرحلة، وبحق مدننا المُحتلة: عفرين، سري كانيه، كرى سبي، كونه في كل منزل تجد أكثر من قصة تستحق من يشاهدها ويُعرفها للعالم”.
الإنتاج هو العقبة
وحول مشاريعه السينمائية المُستقبلية المُتعلقة بـ عفرين، أوضح جقماقي: “حالياً أعمل على سيناريو فلم روائي، ولكن دوماً يظل الإنتاج هو العقبة التي تكاد تكون الوحيدة لإنجاز مشروع سينمائي متكامل، لكننا نتأمل بأننا سوف نتجاوزها”.
“عموماً دائماً هناك مشاريع تنتظر التنفيذ، إذا توفرت الشروط الفنية والمهنية لذلك”، بيّن جقماقي وسرد: “خاصة أنه وبعد هذه السنوات على الاحتلال التركي، لم يتم إنتاج عمل سينمائي واحد يروي ما حدث في عفرين، من مقاومة وفاجعة وخيبة وتهجير، وهذه بالدرجة الأولى مسؤولية المؤسسات الثقافية والفنية في روجافا، كونها صاحبة القرار والموارد الإنتاجية، والتساؤل هو ما الجدوى من صرف ميزانيات ضخمة على إنتاج مسلسل ركيك وفاشل فنياً ودرامياً، لم يسمع به سوى العاملين فيه، ومن المسؤول عن تهميش ملاحم عفرين وسري كانيه، وما هي معاييرهم”.
وشدد: “للأسف فإن الحرب أفرزت أمراء حرب في شتى ميادين الحياة، الاقتصادية والثقافية والفنية، وهذا ما يُفاقم الأزمة”.
خطورة التطرف الديني والإسلام السياسي
وقد انتقل المخرج السينمائي “محمود جقماقي” مؤخراً إلى عالم اليوتيوب والبودكاست، وحيال المأمول من ذلك، في تغيير في المجتمع المحيط به، بعد عقد من الآن، أوضح لـ تارجيت: “أنا قادم من خلفية إسلامية ودراسة أكاديمية لعلوم الشريعة الإسلامية، وأدرك تماماً خطورة التطرف الديني والإسلام السياسي، ولا ننسى أن الذي خطف ثورة الشعوب وأحلامهم في التغيير والتنعم بأمطار الحرية هو الإسلام السياسي”.
واستتبع: “لطالما كنا نحلم بثورة كبياض الياسمين وطهر الزيتون، ولكن خرجت لنا كائنات من التاريخ وأحرقت كل جميل، وهنا تكمن أهمية المُساهمة في التنوير والحوار المنفتح وإعادة النظر في المورث الديني، وتغليب لغة العقل على منهج النقل، وهذا مشروعي القديم الجديد، لدي ما أقوله للمهتمين بهذا الشأن وأحببت مُشاركتهم به، ويحتمل الخطأ والصواب”.
ولا تختصر معاناة المخرج السينمائي الكردي محمود جقماقي على الحاضر مع الإرهاب وأجنحة الإسلام السياسي، حيث عانى منهم قبل بدء الحراك الشعبي في سوريا العام 2011، إذ عمد هؤلاء إلى إيقاف مشروع آخر له، وكان عبارة عن كتاب، إذ سرد تفاصيلها جقماقي لـ تارجيت، فقال: “كان لدي مجموعة قصصية اسمها (الضوء الأسود) في العام ٢٠١٠، والتي ظلت ما يقرب السنة لدى لجنة الرقابة في وزارة الإعلام السورية في دمشق للمراجعة والرقابة”.
وأشار: “بعد جهد جهيد، حصلت على الموافقة، وقمنا بتصميم الغلاف وكل التفاصيل الإخراج الفني، ولكن في مرحلة طباعة الأغلفة، رفض صاحب المطبعة العمل، وقام بطحن وإتلاف النسخ المشغولة، كونها تحمل أفكاراً إلحادية كافرة”، حسب وصف مالك المطبعة.
وفي صددها، بيّن جقماقي: “المجموعة القصصية كانت تناقش قضايا دينية، سياسية واجتماعية ناقدة، ولهذا لم تكن صدمتي كبيرة بحجم العنف والإرهاب الذي انفجر في سوريا، كوني كنت أدرك كواليس الشريعة والقمع الثقافي إن صح التعبير”.
وختم جقماقي حديثه لـ تارجيت بالقول: “يبقى الفن والمعرفة هما السبيل الوحيد لترميم النفس البشرية بعد حالة الحرب والدمار التي عشناها، لأن مُكافحة العنف والتطرف بالوسائل العسكرية الكلاسيكية غير مجدية وغير كافية، ولابد من مشروع فني ثقافي يُعالج المُعضلة من الجذور”.
هذا ولم يملك القطاع السينمائي الكردي في سوريا، سابقاً مقومات للنهوض به قبل العام 2011، نتيجة السياسات العنصرية الخاصة التي كانت تتباها السلطة بحق المكون ككل، لكن وبعد خروج المناطق ذات الخصوصية الكردية في شمال سوريا، عن سلطة حكومة دمشق، دخلت في حالة حرب مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وفيما بعد مع الجيش التركي.