بات الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، مُعضلة تتجاوز انتفاضة السوريين على سلطة مُستبدة قابعة في دمشق، فحتى لو سقط جدلاً النظام الحاكم، سيستيقظ السوريون على جملة من المُتغيرات، أبرزها أن جزءاً من أراضيهم بات خاضعاً للجيش التركي، مع الإقرار بتفوقه العسكري على الجيش النظامي السوري، حتى قبل اندلاع النزاع الداخلي في سوريا العام 2011.
وبالتالي، سيحتاج السوريون، على اختلاف مشاربهم، إلى مُساعدة خارجية، تخلصهم من وجود القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا وإيران، وهو ما يبدو بعيد المنال في المدى المنظور، مع سعي كل طرف منهما إلى ترسيخ وجوده، على حساب السوريين ومستقبلهم.
المُقترح الإيراني لانسحاب تركيا
في السياق، كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في السابع عشر من سبتمبر الجاري، عما طُرح في الاجتماع الرباعي الأخير مع دمشق وأنقرة وموسكو على مستوى وزراء الخارجية، بخصوص سحب القوات التركية من سوريا، حيث قال إنه قد طرحت قضية الحدود السورية التركية، وبناء على ذلك بحثت سوريا وتركيا مع بعضهما البعض في أن تتعهد تركيا “أولاً” بسحب قواتها العسكرية من الأراضي السورية، و”ثانياً” أن تتعهد سوريا بنشر قواتها العسكرية على الحدود و”منع أي اعتداء على أمن الأراضي التركية”.
وأضاف أنه “من الممكن أن تلعب إيران وروسيا دوراً كضامنين في هذا الملف”، وأشار إلى أن بلاده تتطلع إلى التشاور مع الأتراك لمعرفة سبل تحقيق حدود سلمية بين تركيا وسوريا، “من أجل تبديد مخاوف تركيا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية”.
وأتى المقترح الإيراني بعد نحو أسبوعين من تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن موسكو قدمت اقتراحاً لدمشق وأنقرة لعقد اتفاق يقضي بـ”شرعنة” بقاء القوات التركية على الأراضي السورية.
وقال لافروف مطلع سبتمبر الجاري، إن موسكو عرضت على دمشق وأنقرة العودة إلى اتفاق يسمح للقوات التركية بمحاربة “الإرهابيين على الأراضي السورية” بالاتفاق مع دمشق، استناداً إلى اتفاق أضنة 1998، علماً أن الأخير يعتبر اتفاقاً استخباراتياً أكثر منه اتفاقاً بين دولتين، كونه لم يُعرض على البرلمان السوري، ولم يحظ بالقبول منه.
وتتمسك دمشق حتى الآن بشرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أولاً، فيما تزعم أنقرة أنها تريد ضمان أمن الحدود مع سوريا لتبرير بقائها، مع تأكيدها المستمر على عدم نيتها سحب قواتها.
حيث أعلنت تركيا، ردا على تصريحات رأس السلطة في دمشق، بشار الأسد أغسطس الماضي، والتي اشترط فيها انسحاب القوات التركية قبل الحديث عن أي خطوات لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، أن انسحاب قواتها هو خط أحمر في ظل الوضع الراهن، كما زعمت أنقرة أن قوات حكومة دمشق لا تملك القدرة حالياً على تأمين الحدود.
التطبيق ليس سهلاً
وللتعقيب على المقترح الإيراني، وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع، قال “بدران جيا كرد”، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في تصريح خاص لـ منصة تارجيت: “نتابع هذه التطورات عن كثب، ونعلم بأن هناك اتفاقات وتفاهمات تمت في آخر مؤتمر بـ آستانا”.
مُستدركاً: “الظروف والأوضاع والتطورات حالت دون تحقيق البعض منها، لكن نعتقد بأن هناك مساعي لخلق بعض التطورات خاصة بين سوريا وتركيا، بالمُجمل هناك وقائع في سوريا، ونعتقد بأنه ليس من السهل تطبيق ما تم الحديث عنه مؤخراً”.
مُردفاً: “تركيا لديها برنامج في سوريا، وكذلك مشروع احتلالي توسعي، وسوريا باتت ساحة للتغطية عما يجري من نواقص داخل تركيا، عبر توجيه الرأي العام التركي نحو سوريا في كل مرة”.
وحول موقفهم كـ إدارة ذاتية من المقترح الإيراني، بيّن جيا كرد: “عملياً نحن مع الانسحاب التركي، لكن لا نريده أن يكون على حسابات أخرى، ولا على حساب الشعب السوري، نريد أن يكون هناك ما يضمن الاستقرار، وليس اتفاقاً على خرائط نفوذ”.
لا للاتفاق دون الإدارة
وبخصوص إمكانية نشر سلطة دمشق قواتها على الحدود مع تركيا، وفق المقترح الإيراني، علماً أن التحالف الدولي موجود في الشمال الشرقي ضمن مناطق الإدارة الذاتية، أوضح جيا كرد: “فيما يتعلق بالتحالف، فهود موجود لمكافحة داعش والإرهاب، وهذه التطورات مُرتبطة حسب رأينا بتوافق لا تستطيع بعض الأطراف تنفيذه بالكامل، كون هناك خارطة نفوذ في سوريا تتقاسمها أطراف دولية وإقليمية”.
وتابع منوهاً حول استعدادهم لنشر قوات تابعة لحكومة دمشق على كامل الحدود، مقابل انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية: “فيما يتعلق بقبولنا بنشر قوات حكومة دمشق، نحن لا ننخرط في أي تفاهم، دون وجود اتفاق بيننا وبين تلك الأطراف”.
وأكمل: “لدينا توجهاتنا، وحريصون كل الحرص على استقرار مناطقنا وأمن أهلنا، ودون الاتفاق معنا، لسنا بوارد قبول أي شيء، حيث لدينا برامج ومشروع في سوريا، قائم على وحدتها، وتحقيق التغيير الديموقراطي، ونسخر كل سياستنا وأهدافنا في هذا النحو”.
السياسة الروسية والمزاجية
أما حيال تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومُقترحهم لعقد اتفاق يقضي بـشرعنة بقاء القوات التركية على الأراضي السورية، استناداً إلى اتفاق أضنة 1998، فقد لفت الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لـ تارجيت: “بالمنظور العام، لا موضوعية في اتفاقية أضنة، في ظل عدم توفر ظروف تحقيق بنودها، وهي اتفاقية لا تقوم على أية وقائع معقولة”.
وأشار: “بالعودة للدور الروسي، نحن لا نريد أن تقترن السياسة الروسية حيالنا وحيال سوريا بالمزاجية، تارة نجد دعوات روسية للحوار بيننا وبين دمشق، وتارةً تغازل تركيا من قبيل اتفاقية أضنة”.
وختم “بدران جيا كرد” لـ تارجيت: “نريد دوراً روسياً ضامناً للاستقرار وساعياً نحو تفاهمات استراتيجية بين السوريين، ومعززاً للحوار الوطني السوري، عدى عن هذا، لا يمكن خدمة السوريين، ونعول على أن تبتعد كل القوى عن ظاهرة الاتفاقيات فيما بينها، البعيدة عن حاجة السوريين ومستقبلهم”.
ليبدو معها أن المقترح الإيراني الأخير، لا يعدو كونها بالون اختبار، أخفق في كسب التأييد، إن من جانب أنقرة التي لن تنسحب إلا بضغط دولي أو داخلي عليها، أو من جانب حكومة دمشق، التي تؤكد أن التطبيع يستلزم مقدمات أبرزها الانسحاب التركي ووقف دعم مسلحي المعارضة، وإن من جانب الإدارة الذاتية، التي لطالما أكدت على مدى سنوات الحرب السورية، عدم التزامها بأي اتفاق لا تكون شريكة فيه.