حافظت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول تجنيد الأطفال على إدراج تركيا ضمن قائمة الدول المتورطة في تلك الجريمة بسوريا وليبيا للسنة الثالثة على التوالي، إذ أنها قد أدرجت للمرة الأولى عام 2021، وقد كانت ولا تزال الدولة الأولى والوحيدة العضو بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ضمن تلك القائمة، ليضاف هذا الأمر إلى سجل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيء في مجال حقوق الإنسان لا سيما خلال السنوات الأخيرة.
وجاءت “أنقرة” وفق التقرير ضمن عدة حكومات حول العالم لديها إما قوات مسلحة أو قوات أمنية أو شرطة أو جماعات مسلحة تابعة لتلك الحكومات تجند الأطفال أو تستخدمهم، وقد أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً ترفض فيه ما جاء بالتقرير، لتتبخر بذلك طموحات كانت أعربت عنها واشنطن من قبل بأن النظام التركي لديه الفرصة لمعالجة تلك القضية.
نهج جديد لدى الإدارة الأمريكية
يقول الدكتور ماك شرقاوي القيادي السابق بالحزب الجمهوري الأمريكي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا ضمن هذه القائمة لأنها بالفعل تجند الأطفال واستمرار وجودها يعبر عن نهج جديد لدى الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أنقرة، وذلك بالرغم من طبيعة العلاقات والروابط التي تجمع بين البلدين لا سيما العضوية في حلف شمال الأطلسي، كما أن هناك كثيراً من الروابط والملفات الاستراتيجية بينهما.
واستدرك قائلاً بأن ما فعلته تركيا ورئيسها “أردوغان” بإقحام بلاده فيما يحدث في الملف السوري واحتلال شريط حدودي يصل عمقه من 30 إلى 80 كلم في بعض الأماكن تحت مزاعم حماية أمنها، وزجها بكثير من المرتزقة الذين تم تجنيدهم والدفع بهم إلى تلك المناطق وإلى ليبيا كان سبباً في القرار، مشيراً إلى أن بين من تم تجنيدهم ضمن هؤلاء المرتزقة أطفالاً أقل من 18 عاماً.
ولفت المحلل السياسي الأمريكي إلى أنه وفقاً القانون الدولي كل من كان دون الـ 18 فهو طفل، وعندما يتم تجنيد مرتزقة بين تلك الفئة العمرية فإنها جريمة، وتعني أن الدولة تسمح بتجنيد الأطفال، وهي تهمة من الخطورة بمكان كونها تعرض تركيا لإمكانية اتخاذ عقوبات ضدها وحجب المساعدات الأمريكية والدولية أيضاً.
ولفت “شرقاوي” إلى أنه يمكن أن يكون هناك بعض الظلال السياسية على هذا القرار ترتبط بما تفعله تركيا خارج الزمرة الدولية وخارج رغبات الولايات المتحدة باستخدام الأطفال في كثير من الملفات، وأيضاً التدخلات التركية في النزاع القائم بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كارباخ وكذلك تدخلات أنقرة في الأزمة الليبية.
وقد صدر تقرير الخارجية الأمريكية في إطار قانون منع تجنيد الأطفال بالولايات المتحدة الصادر عام 2008، حيث يسرد في قسم منه الدول التي ارتكبت انتهاكات على صلة بهذا الملف، وفي قسم منه يتناول الدول التي يمكن أن تحرم من المساعدات الأمريكية لتورطها في تجنيد الأطفال وقسم يتعلق بالدول التي يتم استثنائها من حظر المساعدات رغم تورطها لأسباب تتعلق ببرامج تعليم وتدريب عسكري وعمليات حفظ للسلام.
تجنيد أطفال سوريا تحت أعين تركيا
بدورها، تقول سينم محمد ممثل مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) في واشنطن، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن هذا التقرير وما جاء فيه يشكل خطوة إيجابية لتصحيح المسار ووقف الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل المدعومة من تركيا، وإن كانت الأخيرة قد أبدت انزعاجها مما ورد بالتقرير، لكن علينا أن نعلم أنه عندما يتعلق الأمر بموضوع مثل تجنيد الأطفال فإن الاتهامات التي وردت بهذا التقرير الرسمي لا يمكن أن تكون عشوائية.
وأوضحت أنه بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية فقد وقع الجنرال مظلوم عبدي على اتفاقية جنيف التي تنص على عدم تجنيد الأطفال و تلتزم هذه القوات بتلك الاتفاقيات وهنالك رقابة على ذلك، في المقابل فإن تركيا التي أشرفت على تشكيل الفصائل العسكرية للجيش الحر وتدعمها مالياً وعسكرياً قد غضت البصر تماماً عن عمليات تجنيد القصر ضمن تلك الفصائل، مؤكدة أن هذه التجاوزات لم تقتصر على مناطق الشمال السوري المحتل فقط، بل تجاوز الأمر ذلك وأصبح التجنيد لهؤلاء الأطفال عابراً للحدود، مشيرة إلى حدوث ذلك في أذربيجان وليبيا.
وقالت السياسية السورية الكردية البارزة إن موضوع إدراج الأطفال ضمن قطاعات عسكرية أمر خطير للغاية، فهو إما أن يكون قسرياً أو يتم عبر إغراءات مادية تستغل حاجة الأسر الفقيرة، وبالتالي أصبح شيئاً فشيئاً ضمن نطاق الإتجار بالبشر، وتلك جريمة تستوجب محاسبة كل من يتورط فيها كونها تشكل انتهاكاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وقد دأب النظام التركي خلال السنوات الماضية على تشكيل مجموعات مسلحة من الأقلية التركمانية في سوريا والذين عملوا كمرتزقة لخدمة المصالح التركية، كما أن التركمان كانوا أصحاب الكلمة الفصل كذلك في الفصائل المسلحة ذات الغالبية غير التركمانية، بل وأرسلت أنقرة المرتزقة التركمان كذلك للقتال في ليبيا إلى جانب قوات الغرب الليبي.
خط مفتوح بين سوريا وليبيا
الحال في ليبيا ليس ببعيد عن سوريا، إذ يقول الدكتور حسين الشارف وهو أكاديمي ليبي بارز، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الليبيين شاهدوا أطفالاً يقاتلون وسط الميليشيات التي كان الجيش الوطني الليبي يواجهها في العاصمة طرابلس خلال عملياته في مواجهة التنظيمات والجماعات الإرهابية التي تدعمها تركيا، مؤكداً أنهم كانوا أطفالاً دون 18 سنة يقاتلون ويحملون السلاح في صفوف هذه المجموعات الإرهابية.
وأضاف “الشارف” أن الأمر لم يقتصر على تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات الموالية لتركيا في ليبيا، بل يذكر أنه في عام 2012 تقريباً قام المهدي الحاراتي وهو أحد أبرز قادة الميليشيات غرب ليبيا بتجنيد أطفال ونقلهم للقتال في سوريا إلى جانب الفصائل الموالية لأنقرة وهو الذي قد قاتل في سوريا من قبل إلى جانب تنظيمات متشددة، كما أنه كان يقود عملية تنظيم المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى الغرب الليبي في إطار الدعم للميليشيات ضد الجيش الوطني الليبي.
وأوضح أن هؤلاء الأطفال يتم تجنيدهم بالأساس عبر المال من خلال استغلال عوذهم وضيق ظروف أسرهم المعيشية، فضلاً عن الدروس التي كانوا يلقونها في كثير من المساجد الليبية خلال فترة هيمنتهم على البلاد في أعقاب الإطاحة بنظام العقيد الليبي معمر القذافي، فكانت لديهم الفرصة لتسميم عقول الأطفال وجذبهم إلى هذه الطرق غير السليمة وصولاً إلى تجنيدهم للقتال مع تنظيمات إرهابية وإرسال بعضهم للقتال في سوريا، وهذه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
ويرى السياسي الليبي أن تجنيد هؤلاء الأطفال جريمة حرب لأنه يتم تجريدهم من برائتهم ويجعلونهم يحملون السلاح فهذا مخالف لكل القوانين الدولية، وهي جريمة ضد الإنسانية لأن هؤلاء الأطفال بالأٍساس مكانهم المدارس والتعليم، وهم الذين يفترض أن يقودوا دولتهم مستقبلاً، وبالتالي فإن تركيا حرمت وطناً من الاستفادة من أفراد لو كانوا عاشوا حياتهم بشكل طبيعي لأفادوا الوطن الليبي أو حتى الوطن السوري.
ويعود التدخل العسكري التركي في ليبيا بشكل صريح إلى عام 2019 عندما شنت قوات ما يعرف بـ”الجيش الوطني الليبي” التي يقودها خليفة حفتر هجوما ضد فصائل إرهابية وميليشيات مدعومة سياسياً من الرئيس التركي، وقتها أبرم رئيس المجلس الرئاسي الليبي السابق فائز السراج اتفاقاً أمنياً بموجبه أرسلت تركيا خبراء ومستشارين عسكريين ومرتزقة لا سيما من التركمان والأذربيجانيين وكذلك سوريين للقتال إلى جانب قوات طرابلس.