سلط عديد من وسائل الإعلام الدولية الضوء على الاحتجاجات التي تشهدها عدة مناطق خاضعة لسيطرة حكومة دمشق، في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية القاسية، معتبرة أن هذا هو أكبر تحد يواجه قبضة بشار الأسد على السلطة منذ فوزه بالحرب الأهلية التي ضربت البلاد لعقد كامل بفضل مساعدة حليفيه روسيا وإيران.
ويبرر مراقبون أن تلك الاحتجاجات حتى لو كانت أسبابها اقتصادية، فإنها تحمل رسالة لبشار الأسد بأن عليه أن يتجاوب مع القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية، وكذلك أن يتخذ خطوات جدية فيما يتعلق بمسار المبادرة العربية لحل الأزمة، والتي لم يقم بأي شيء يذكر منها، رغم إقدام الدول العربية على تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق.
“رويترز”: بشار الأسد أمام تحد نادر
في هذا السياق، قالت وكالة أنباء رويترز إن المظاهرات التي تشهدها المناطق التي تخضع لسيطرة بشار الأسد ودعمت حكمه ذات، هذه الاحتجاجات وإن كانت تحد نادر لكنها في الوقت ذاته أكبر تحد يواجه قبضته على السلطة، في ظل أزمة اقتصادية أدت إلى انهيار العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية، في وقت تلقي حكومة دمشق باللوم على العقوبات الغربية.
وقالت رويترز، أيضًا، إن المظاهرات شهدت عملًا نادرًا عندما مزق المحتجون لافتات تحمل صور بشار الأسد في بلد لطالما دأب النظام فيه على تحويل شعبه وكأنه يعبد شخصًا واحدًا هو بشار الأسد ووالده حافظ الأسد من قبل، مشيرة كذلك إلى أن نشطاء يقودون احتجاجات ضد حكومة دمشق أغلقوا المقر الرئيسي لحزب البعث في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا وطالبوا بإنهاء حكم بشار.
وقال مسؤولون، وفق الوكالة، في أحاديث خاصة إن السلطات التزمت الصمت إزاء اتساع نطاق الاحتجاجات، لكنها أصدرت تعليمات للأجهزة الأمنية بالابتعاد عن الأنظار، بل وأخلت بعض نقاط التفتيش لتجنب الاحتكاك، في إشارة إلى أن الحكومة تخشى من أي تعامل بالقوة مع الاحتجاجات قد يفاقم الأوضاع لا سيما أنها في مناطق الحاضنة الرئيسية له.
“جارديان” البريطانية: المظاهرات النادرة تتواصل ضد بشار الأسد
أما صحيفة جارديان البريطانية العريقة فاتفقت مع وكالة أنباء رويترز في وصف تلك الاحتجاجات بالنادرة، وقالت في تقرير لها إن الاحتجاجات النادرة ضد بشار الأسد تتواصل لا سيما في السويداء ودرعا، والتي قد بدأت بعد قرار حكومة دمشق إنهاء دعم الوقود، في خطوة شكلت ضربة قوية للسوريين الذين يعانون أزمة اقتصادية جراء سنوات الحرب.
ولفتت الصحيفة إلى أن مدينة بصرى الشام بمحافظة درعا شهدت مظاهرات لعشرات الأشخاص الذين يطالبون علنًا بإنهاء حكم بشار، مشيرة إلى أن درعا كانت مهد الثورة ضده في عام 2011، والتي قمعها الأسد بشكل دموي ما فجر حربًا أهلية استمرت عقدًا من الزمن وأسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون إنسان ونزوح ملايين آخرين.
“بي بي سي”: المظاهرات تبدو كما لو كانت صدى لانتفاضة 2011
بدورها، قالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عبر موقعها الإلكتروني إن المظاهرات تتواصل ضد بشار الأسد، بسبب قرار الحكومة إنهاء دعم الوقود، في وقت يكافح السوريون من أجل توفير احتياجاتهم الأساسية، وقد شوهدت لافتة كبيرة معلقة لبشار الأسد في مدينة السويداء والنار مشتعلة بها.
وأضافت “بي بي سي” أنه قد تم تصوير حشود تطالب بإسقاط الرئيس، وردد المتظاهرون هتافات مثل “عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد”، كما لو كانت تلك الاحتجاجات صدى للانتفاضة المؤيدة للديمقراطية التي اندلعت عام 2011، والتي تحولت إلى حرب أهلية، إذ يدفع تدهور الأوضاع الاقتصادية الناس إلى النزول ضد حكومة دمشق خلال الأشهر الأخيرة.
“لو إكسبريس”: لم يكن أحد يتوقع تلك المظاهرات
موقع “لو إكسبريس” الفرنسي بدوره سلط الضوء على تلك الاحتجاجات ويرى أنه لم يكن أحد يتوقع أن يرى المظاهرات تملأ شوارع سوريا مرة أخرى كما حدث عام 2011، ففي ظل المجازر التي ارتكبها بشار الأسد كان من المستحيل على السوريين أن يتظاهروا مرة أخرى، لافتًا إلى أن الأزمة تسببت في مقتل أكثر من نص مليون سوري وتشريد 12 مليون آخرين بسبب قمع تلك الاحتجاجات السلمية وقتها.
ويلفت الموقع إلى أن إلغاء دعم الوقود كان الشرارة التي حركت تلك الاحتجاجات، إذ أدى ذلك إلى ارتفاع أسعاره بنسبة 300%، في وقت يبلغ سعر الدولار الأمريكي حوالي 14 ألف ليرة سورية مقابل 8 آلاف قبل هذا القرار، في حين أن راتب الموظف الحكومي لا يتجاوز 30 دولار، بينما يقترب العام الدراسي والأهالي يكافحون لشراء المستلزمات المدرسية وعليه في الوقت ذاته أن يدبروا مالًا لشراء الخبز الذي يقتاتون عليه.
وكالة نوفا الإيطالية: ما يقوم به “الأسد” من إجراءات اقتصادية غير كاف
وكالة نوفا الإيطالية بدورها قالت إن عدة مناطق بسوريا شهدت مظاهرات نادرة ضد بشار، الذي قام بزيادة الأجور لكن ذلك غير كاف ولم يوقف الغضب الشعبي، والذي يتزايد مع القرار الخاص برفع الدعم عن الوقود، وقد يبدو أن سبب الاحتجاجات اقتصاديًا لكن السبب في حقيقة الأمر له أبعاد سياسية واجتماعية عميقة للغاية.
وأشارت إلى أن الاحتجاجات الأكبر والتي كانت منظمة بشكل جيد كانت في السويداء، حيث ينتشر شعور قوي بالسخط تجاه ظروف الحياة، ولهذا خرجت الاحتجاجات التي لم تحدث في أي وقت مضى، حيث يعاني الجنوب السوري بالذات نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية.
نهب المساعدات الخارجية
وتعليقًا على ذلك، يقول الإعلامي السوري عبدالرحمن ربوع، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن المظاهرات في مناطق سيطرة الحكومة معروف سببها وهو حالة الانهيار الاقتصادية والظروف القاسية، بسبب الممارسات التي تنتهجها حكومة دمشق، وقد وصلت إليها عديد من المساعدات، لكن للأسف كانت هذه المساعدات يتم نهبها.
وأضاف ربوع أنه تلاحظ أن المعاناة تزداد في وقت سيطرت حكومة دمشق على المساعدات وتم إساءة استخدامها ونهبها وسرقتها وتحويلها إلى جهات أخرى قد تكون عسكرية أو تقاسمها أمراء حرب حكومة دمشق، وهذا انعكس على الواقع في الداخل السوري وبات الناس يواجهون أزمات الغذاء والصحة والمحروقات، وفي ظل هذه الأجواء كان من الطبيعي أن نرى هذه الاحتجاجات، ونرى حركة الهجرة التي تشهدها مناطق سيطرة الحكومة خلال الفترة الماضية.
ويرى الإعلامي السوري، المقيم في القاهرة، أن الاحتجاجات بعيدًا عن الأوضاع الاقتصادية تقول إن الوضع في سوريا لا يمكن أن يستمر هكذا، وأنه لا بد لبشار الأسد من الخضوع للقرارات الدولية والمضي قدمًا في الحل السياسي، فمن غير المعقول أن يبقى كل هؤلاء السوريين خارج دولتهم، ومن هم في الداخل يعانون اقتصاديًا واجتماعيًا في ظل غياب أدنى درجات الحياة الكريمة.