سجن كبير إطاره حيّان بـ”حلب”.. دمشق ومُعاقبة أهالي عفرين تحبباً لـ أنقرة
مسؤولون في إدارة حييّ الأشرفية والشيخ مقصود، يعتبرون مضايقات سلطة دمشق لأهاليهما، تناغماً مع أنقرة، وسعياً لتهجيرهم
تجلس مزيت شيخو 68 عاماً أمام منزلها المدمر بفعل المعارك العسكرية والزلزال الأخير بشارع ما يُعرف “المخابرات” الواقع بحي الشيخ مقصود مع جيرانها المهجرين من عفرين مثلها وهي تقول لـ”تارجيت” بأنه “أولادي الخمسة جمعيهم في أوروبا وزوجي الوحيد الذي تشاركنا معاً طرق التهجير من قريتنا في راجو (بلدة شمال عفرين) للشيخ مقصود توفي العام الماضي بسبب أكتئابه وإصابته بجلطة قلبية”، تندب مزيت وضعها الحالي بالقول “كأن حياتنا كاملة وأردوغان لم يقصر معنا حتى بات الأسد شريكه ويريد أن يقتلنا جوعاً وبرداً”.
قصة الستينية المهجرة مزيت هي واحدة من مئات القصص التي تعيش الآن حصاراً خانقاً من قبل قوات الحكومة السورية في داخل الأحياء ذات الأغلبية الكردية الواقعة شمالي مدينة حلب، فمع بدء الغزو التركي على منطقة عفرين شمالي غربي البِلاد، في العشرين من كانون الثاني/يناير 2018، بدأ أهالي المنطقة بالتعرف على واقع جديد لم يعهدوه من قبل، حيث أجبر الغزو الذي دُعم بمسلحي المعارضة السورية الموالية لأنقرة، مئات الآلاف من السُكان الأصليين لعفرين ، على ترك أرضهم والتوجه إلى مناطق أقل تعرضاً للعدوان، مثل مناطق الشهباء أو ريف حلب الشمالي التي كانت تخضع للإدارة الذاتية ذاتها التي كانت تُدير عفرين، فيما تنقسم إدارة هذه المنطقة في الوقت الراهن مابين قوات الحكومة السـورية وقوات تحرير عفرين وهي قوات نشأت بعد الغزو.
سوريين تحت رحمة الحِصار
عادت الحكومة السورية بعد غزو عفرين، في آذار/مارس 2018، إلى التعامل الفوقي مع أبناء المنطقة التي كانت قد خرجت عن سيطرتها في تموز/يوليو 2012 خلال تقييد حركتهم في الداخل السوري بشكل عام وفي داخل مدينة حلب وريفها على وجه الخصوص.
فأقدمت من حينها لفرض حصار متقطع تارة وشديد تارة أخرى على مهجري عفرين القاطنيين في المخيمات شمالي حلب أو داخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب ومحاولة ابتزازهم مالياً وتجويعهم عبر منع دخول المواد الأساسية إلا بعد دفع إتاوات كبيرة لحواجزهم، ولا سيما لحواجز الفرقة الرابعة وبعض الفصائل المدعومة من قبل حزب الله في بلدتي نبل والزهراء.
وأدى الحصار المتقطع إلى فتح باب استغلال تجار البشر بشكل رسمي لمهجري عفرين الذين كانوا قد فروا من قراهم وبلداتهم بما يحملونه على ظهورهم فقط، فخرجت ظاهرة شراء الدواب والماشية والآليات من مهجري عفرين بأسعار لم تصل في 90% من الحالات إلى ربع ثمنها الحقيقي.
فيما تستمر الحكومة الآن بتضييق الحصار على مهجري عفرين في كلتا المنطقتين المنفصلتين جغرافياً لتتنوع صور التضييق بين عمليات الاعتقال تحت حجج وذرائع متعددة، منها الخدمة الإلزامية، أو حيازة أموال أكبر مما هو مسموح به، أو العمل ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، وغيره من الاتهامات الجاهزة.
“القلعة” الثانية لحلب
يتمتع حيا الأشرفية والشيخ مقصود شمالي مدينة حلب بأهمية كبيرة بالنسبة إلى حلب، بسبب ارتفاعهما الكاشف لما يحيط بهما من أحياء من جهة، ولكونهما صلة الوصل مع ريف حلب الشمالي، الذي اعتبر في سنوات الصراع الأولى، مركزاً رئيساً لإمداد المعارضة المسلحة في حلب بالسلاح والذخيرة والمسلحين، قبل انسحاب الأخيرة النهائي منها، بتوافق روسي تركي في حزيران\يونيو 2016.
وشهد الحيين منذ عام 2012 معارك عنيفة بين وحدات حماية الشعب المسيطرة على الأحياء من جهة وفصائل مِن المعارضة المسلحة من جهة آخرى، حينما لجأت الأخيرة إلى قصف الحيين على مدار أربع سنوات متتالية إلى جانب الأشتباكات بين خطوط التماس بين الطرفين.
واستخدمت الفصائِل اَنذاك ما أسمته بـ”مدفع جهنم”، والذي كان عبارة عن أنابيب غاز منزلية، جرى تصنيعها وإطلاقها بطرق بدائية، لتقصف المناطق القريبة، ضمن حدود مئات الأمتار، مُخلّفةً الكثير من الخسائر في صفوف المدنيين، كونها عشوائية ولا تمتلك أدنى دقة في التنفيذ، ووفق أرقام مُتداولة قتل نحو 1000 مدني في الحييّن بتلك القذائف.
فشل المعارضة في السيطرة على الحيين الأستراتجيين دفع بها لاتهام وحدات حماية الشعب بأنها ساعدت الحكومة السورية في حصار الأحياء الشرقية من حلب شتاء 2016، الذي أدى إلى تسليم القسم الأكبر من الأحياء التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة، إلى سيطرة الحكومة السورية.
فيما انتقلت سيطرة قرابة 12 حياً في محيط حي الشيخ مقصود، إلى “وحدات حماية الشعب”، قبل أن تضطر الأخيرة إلى التخلي عنها لصالح قوات سلطة دمشق، إبان الغزو التركي لـ عفرين كانون الثاني\يناير العام 2018، وهو ما عزتّه حينها “الوحدات”، إلى حاجتها للمقاتلين للدفاع بمواجهة الهجمات التركية.
حصار مسيس على المخيمات
لكن وعلى الرغم من مقاومة الحيين للمعارضة المسلحة طيلة سنين لم يكن ذلك شفيعاً بهما أمام الحكومة، “تضاعف عدد حواجز الحكومة، من 4 إلى 8 حواجز، يمنع عبور أي شيء منها، بما فيها المواد الطبية وحليب الأطفال”، ذلك ما قاله “محمد علي\اسم مستعار لضرورات أمنية”، وهو رجل كُردي خمسيني، وأحد أهالي حي الشيخ مقصود في حلب، في شهادته لمنصة “تارجيت”.
وتابع: “إلى متى نستمر، في الحقيقة أن الأهالي هنا في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية يدافعون عن أنفسهم ويسعون للمقاومة بما أوتي لديهم من صبر وتحمل، لكن الحصار المُستمر يستنزف قوة الشعب من مختلف الجوانب، الاجتماعية والاقتصادية”.
وأشار “محمد” حول الأدوية، إلى أنها “لم تدخل منذ نحو 5 أشهر، حيث يمنع دخولها إلى الحي، وهناك شخص لدي علم به، تم القبض عليه بذريعة جلبه الأدوية للحي، علماً أنه كان على اتفاق لتمرير الأدوية، لكن جرى اعتقاله في نهاية المطاف، فيما يمنع إدخال حليب الأطفال، منذ نحو عام، ولا توجد منظمات إنسانية تعمل في الحي”.
“يمكننا القول بأننا في سجن كبير، مساحته الشهباء، الشيخ مقصود والأشرفية، وحتى سكان الشيخ مقصود والأشرفية، لا يمكنهم التوجه لزيارة الشهباء”.
واستكمل: “حال السكان في الشهباء، الشيخ مقصود والأشرفية، ضعيفة للغاية، خاصة مع التدهور الاقتصادي الأخير، وانهيار الليرة السورية، ما أدى إلى إغلاق الكثير من ورشات تصنيع الألبسة، وتوجه البعض للتفكير في الهجرة، وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن أوضاعنا ستصبح كارثية”.
فيما تطرق “قهرمان سيدو” وهو ناشط سياسي في العقد السادس من العمر، من أهالي حي الشيخ مقصود، إلى حصار مهجري عفرين في الشهباء، فقال: “منذ خمس سنوات، كان يجري تهريب أهالي عفرين، من الشهباء إلى حلب، وقد وصلت تكلفة نقل العائلة الواحدة إلى قرابة 3 آلاف دولار، أما في الوقت الراهن، فتصل تسعيرة تهريب الفرد إلى نحو 50 ألف ليرة”.
أما الصحفي “رامان آزاد\اسم مستعار لضرورات أمنية”، والمُقيم في حي الأشرفية، بقسمه الخاضع لسلطة الإدارة الذاتية، فقد لفت إلى أن “كلّ حالة حصار، تعني إغلاق مجتمعٍ وتضييق سبل العيشِ، بما تسببه من نقصٍ في الموارد وأزمة في الضروريات، من بينها المواد الغذائيّة والطبيّة، هذا أمرٌ بديهيّ وله انعكاساته في الحياة اليوميّة”.
مُستدركاً: “لكنه من جهة، يرفعُ سوية الاعتماد على الذات، بيد أن المسألة في الأرياف تختلفُ عنها في المدينة، ففي الريف تتوفر إمكانية الزراعة لتأمين الغذاء بدرجة نسبيّة، فيما الأمر معقدٌ في المدينة، بخاصة مع توقف الفعاليات الاقتصاديّة، مع منع تمرير المواد الأوليّة للورشات، وعدم توفر القماش لمعامل الألبسة، وبالمجمل حركة الدخول والخروج”.
واستكمل: “الحصارُ يفرض أقصى درجات التقنين في الموارد الماديّة، وأولى نتائجه الحرمان من الكهرباء، بسببِ عدم توفر الوقود اللازم لعمل المولدات، ما يسبب توقف عمل الورشات وآثار سلبية في تفاصيل الحياة على الأهالي والطلاب وحتى عمل المشافي والمراكز الطبيّة”.
وبخصوص اتهام الإدارة الذاتية في الشهباء، نهاية تموز\يوليو الماضي، لحكومة دمشق بفرض حصار على المنطقة، قال الصحفي: “الحقيقة إنّ الحصار هو وسيلة ضغط سياسية لاستنزاف قدرات الإدارة الذاتيّة وكذلك الأهالي، والوصول إلى الموضع الذي يثبت أنّ الإدارة فشلت في أداء مهامها”، مستدركاً: “بعبارة أخرى هي مساعي إفشال، ومنع هذه الصيغة من الوصول إلى أي طاولة حوار”.
“لم يفرضِ الحصارُ في نيسان\أبريل الماضي فقط، بل هو الحالة العامة، وقد بدأ مع وصول أهالي عفرين إلى منطقة الشهباء، وقطع الطريق للوصول إلى مدينة حلب، وبسبب ذلك فقد قضى وأصيب عشرات المواطنين بحوادث تفجير الألغام على الطرق الترابيّة، وكل من وصل من أهالي عفرين إلى حلب، سلك طرق التهريب مقابل مبالغ ماليّة”، قال “رامان”.
وتابع: “بعد زلزال 6 شباط الماضي، منعت حواجز الحكومة السوريّة لأيامٍ دخول قافلة “هنا سوريا” للمساعدات الإغاثيّة والمحروقات المقدمة من الإدارة الذاتيّة، وكانت تضم 100 صهريج من المحروقات، سمحت معبر التايهة في منبج والتابع للقوات الحكوميّة بمرور 40 صهريجاً فقط، بعد أسبوع من التوقف في 15/2/2023، أي نسبة 60% من المحرقات والنسبة نفسها من المساعدات الإغاثيّة، وفي 20/2/2023 سُمح لقافلة مساعدات من الهلال الأحمر السوريّ بالدخول إلى أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، أي بعد 14 يوماً من الزلزال، ودخلت في اليوم نفسه 5 صهاريج من المحروقات، و15 صهريجاً إلى الشهباء، وهي كمية محدودة لا تلبي الحاجة”.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في الـ السادس من اَذار 2023 أي عقب شهر من الزلزال الذي ضرب كُل من تركيا وسوريا قالت المنظمة ” أنّ المناطق المتضررة تضم حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، وأكثر من 50 قرية في منطقة الشهباء ” كما ذكر التقرير أنّ منظمة للمساعدات الإنسانيّة كانت بصدد تقديم الدعم لمرفقٍ طبيّ في حي الشيخ مقصود، إلا أنّها اضطرت لتأجيل المشروع للحصول على موافقة السلطات السوريّة”.
ولا يتوقف حصار المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية على حواجز الحكومة بتخوم الحييّن فقط، بل تصل إلى منبج بالضرورة، حيث يصل شريان الإمداد مع مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تشمل منبج وما بعدها، من كوباني إلى عين عيسى فالقامشلي وما بينهما، انتهاءً بديريك.
اقتصاد مشلول
وحيال الواقع الاقتصادي في الحييّن وتأثير الحصار عليهما، قال “محمد علي”: “في الشيخ مقصود مثلاً، كان اعتماد الأهالي على عمل ورشات الخياطة، لكن حتى عندما يجري تمرير الأقمشة للحي، يتم فرض الإتاوات الباهظة عليها، وهو ما يرفع أسعار البضائع”.
من جهته، قال “قهرمان” لـ تارجيت بأن “الوضع بالنسبة للعمل والاقتصاد، أقل من المتوسط، الفقر والحاجة بدءا يظهران على الناس، لذلك تظهر بعض المشكلات الاجتماعية”.
متابعاً: “بالنسبة إلى العمل، توقف معظمه في الحيين، فبعد احتلال عفرين، افتتح في الحيين نحو 400 ورشة خياطة، أما الآن فلا يوجد أكثر من 50 ورشة، بسبب منع مرور الأقمشة للحي، أو فرض إتاوات عالية عليها، من قبل حواجز حكومة دمشق، مما دفع بالكثير من الشبان إلى الهجرة، وهي مكلفة، حيث تصل إلى نحو 15 ألف دولار للراغبين بالتوجه إلى أوروبا”، ويردف: “أي أنهم يبيعون كل ما يملكون أو يستدينون الأموال من معارفهم”.
وبخصوص المساعدات التي يقوم الأبناء والأقارب بتحويلها من دول الاغتراب لذويهم في الحيين والشهباء، قال “قهرمان” لـ تارجيت: “لولا المساعدات القادمة من الأهل والأبناء في المغترب، لكان وضعنا أشبه بالوضع في الصومال، فالإدارة الذاتية الموجودة هنا، لا يمكنها أن تُؤمن بشكل مُنفرد مُستلزمات نحو 300 ألف إنسان، رغم توزيعها المساعدات ومادة المازوت، عندما تتوفر لها الإمكانات”.
سجن داخل سجن
بالتوازي، تستمر الحكومة السورية، بتنفيذ اعتقالات متفرقة، تطال أهالي عفرين المهجرين في الشهباء وحلب، أكدها “محمد علي” بالقول: “إن تم ضبط مبلغ يزيد عن 150 ألفاً مع الفرد، يجري اعتقاله، إلا من لديه بطاقة صناعي أو تاجر، حيث يجري تسجيل المبلغ الذي يحمله لدى دخوله أو خروجه من حي الشيخ مقصود، من قبل حواجز قوات الحكومة”.
مستغرباً من ذلك بالقول: “هي حالة غير موجودة في أي بلد بالعالم، وربما هي ثمن دفاع الشيخ مقصود عن نفسها أمام الإرهاب، من النصرة وأخواتها، وهي فعلاً قلعة للمقاومة، ولولا حي الشيخ مقصود، لسقطت كامل حلب في يد المسلحين، وعليه تكافئ حكومة دمشق أهالي الحي بحصارهم”.
وفي حالات أخرى، يجري اعتقال أشخاص بحجة عدم جمركة هواتفهم، حتى إن كانوا متوجهين إلى جمركتها، هذا عدا عن أن الشبان غير قادرون على الخروج من الحي، بسبب خشيتهم من الاعتقال تحت طائلة طلبهم للخدمة الاحتياطية في قوات الحكومة، فيما يخاف المواطنين من التوجه لمركز المدينة لشراء بعض الحاجات في حال كان بحوزتهم ما يفوق الـ 150 ألف سوري، أي ما يعادل11 دولار أميركي” أشار “محمد”.
فيما قال “رامان”، حول الاعتقالات لـ تارجيت: “الواقع، هناك العديد من حوادثِ الاعتقال التي وقعت على الحواجز الأمنية التابعة لحكومة دمشق، في مداخل حيي الشيخ مقصود والأشرفية وعلى الطرق المؤدية إلى منطقة الشهباء، ويخضع المارون عبر تلك الحواجز لمرحلتي تفتيش، لأن تلك الحواجز مركبة وتضم أكثر من جهة، فهناك وجود لعناصر أمنيّة من فروع حلب، وكذلك عسكريون من الفرقة الرابعة وكل منهم يعمل بشكلٍ مستقل”.
وحسب “رامان” تتعددُ أسباب الاعتقال، “لكن مسألة مقدار المبالغ التي بحوزة المواطنين والهواتف غير المجمركة تأتي بالمقام الأول، ولذلك لا يقتصرُ الاعتقالُ على الرجال، بل النساء ومن فئاتٍ عمريّة مختلفة، وحتى لو كان حملُ المبالغ الماليّة لدواعٍ علاجيّة، ورغم انخفاض سعر الليرة السورية وحالة الغلاء واضطرار الأهالي لحمل مبالغ كبيرة لقضاء حوائجهم، إلا أنّ الحدّ الموجب للاعتقال والمحددُ بنحو 150 ألف ليرة لم يتغير، ويُضاف إلى ذلك أسبابٌ أخرى للاعتقال، كورودِ الاسم في لوائح المطلوبين بسبب الخدمة العسكريّة أو أسباب سياسيّة، ومن المؤكد أنّه بسبب هذه الإجراءات يتجنب الأهالي الانتقال والمرور عبر الحواجز إلا للضرورة القصوى”.
الخدمات والأمن في الحييّن
وبالحديث عن الخدمات وتأثرها بالحصار من قبل حكومة دمشق، بيّن “قهرمان” لـ تارجيت: “غالبية الناس لم يعد لديها ما يكفي للمعيشة اليومية، وأغلبهم في مواجهة منفردة مع البرد في الشتاء، دون كهرباء صيفاً، فالأمبير الواحد من الكهرباء يكلف شهرياً نحو 40 ألف ليرة سورية، لمدة تشغيل تتراوح ما بين 3 إلى 4 ساعات يومياً، وكذلك بالنسبة إلى اشتراك الإنترنت، الذي يصل أيضاً إلى المبلغ ذاته شهرياً”.
متابعاً: “أمضينا العام الماضي معظم الشتاء دون مادة المازوت ودون تدفئة، وفي بعض الأحيان كان يجري قطع المياه عن الحي، وأيضاً بالنسبة للكهرباء”.
أما حول الكهرباء الحكومية، فأوضح “قهرمان” إلى أنها “تأتي إلى الحي لساعتين أو ثلاث في اليوم، لكن الأمر خاضع أيضاً للابتزاز السياسي، حيث يجري قطعها عن الحيين، في حال وجود خلافات سياسية بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق”.
ويخضع حيا الأشرفية والشيخ مقصود لسلطة تابعة للإدارة الذاتية، تحميها قوات عسكرية تابعة لها أيضاً، مشكلة من الأهالي، تحت مسمى “الأسايش”، التي تعني “الأمن” أو “الشرطة” باللغة العربية.
ويعتبر وجود قوة مسلحة من أبناء الحييّن، عاملاً هاماً في الحفاظ على الأمن فيهما، مقارنة مع باقي أحياء حلب، التي ينتشر في معظمها السرقة واللصوصية وانعدام الأمن، بالأخص مع التدهور الاقتصادي الكبير الذي تعاني منها سوريا أخيراً.
وهو ما ذهب إليه “قهرمان” عندما قال لـ تارجيت: “من الناحية الأمنية، نحن مرتاحون في ظل الإدارة التي تُسطير على الحيين، والأحوال المعيشية هي أفضل في الحيين بالمُطلق، من المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة في حلب، بالأخص بالنسبة إلى قضية المسلحين واللصوص، حيث الأمور مضبوطة في الحيين”.
دمشق وعفرين في 5 سنوات
في تقييمه لعلاقة دمشق مع مهجري عفرين وأهاليها المقيمين في حيي الأشرفية والشيخ مقصود أو مناطق الشهباء وقرى شيراوا التي ما تزال تحت سيطرة الإدارة ذاتها، خلال السنوات الخمس المنصرمة، قال “ولات معمو” من الرئاسة المشتركة لحيي الشيخ مقصود والاشرفية: “حتى قبل احتلال عفرين، تتعاطى حكومة دمشق مع الحي من منظور امني، حيث كانت تمنع تنظيم أعياد النوروز، أو تنظيم أي فعاليات ثقافية في الحي، بجانب رفضها للتعليم باللغة الكردية، وهي نظرة زادت منذ 5 سنوات، حيث تطبق حصاراً على الحي من خلال الفرقة الرابعة”.
وأرجع “معمو”التعاطي الراهن لدمشق، إلى رغبتها في إفراغ الحيّ، من “خلال وضع العراقيل أمام الأمور الخدمية، وعرقلة وصول المحروقات والطحين والمواد التموينية، والأدوية، وتشديد ذلك إلى عمليات حصار شاملة في بعض الفترات، لإجبار الناس على مغادرة الحيّ، بجانب استخدام الحرب الخاصة في بعض الحالات، عبر الترويج لإشاعات حول مصير الحيّ، وإمكانية حصول مواجهات مسلحة فيه”.
وأكد بأن “كامل سكان حلب مستاؤون من الفرقة الرابعة، لكن لا أحد يستطيع أن يتحدث علانية حول ذلك، وهو أمر مُضاعف في الشيخ مقصود”، مشدداً: “نستطيع أن نربط حصار الفرقة لنا، بسياسة أردوغان، فبينما تستهدف المسيرات التركية من حارب داعش في شمال وشرق سوريا، تتعامل الفرقة الرابعة بصورة سلبية مع أهالي حيّي الشيخ مقصود والأشرفية، ويزداد ذلك السوء كلما حصل تقارب بين دمشق وأنقرة، فتعمد دمِشق إلى قطع المياه والخبز والغاز والمواد التموينية، وتشدد الحصار على الحيّين وسكانهما، الذين هم أبناء شهداء كوباني والرقة ممن حاربوا داعش، وشهداء عفرين”.
في حين أشارت آرين حمو نائبة رئيس المجلس عن تخوفهم من الاعتقالات التي تنفذها الحواجز الحكومية معزيةً ذلك لوجود تهم جاهزة للعاملين ضمن مؤسسات مجلسهم من خلال التقارير السياسية التي ترفع بهم.
وعلى الرغم من محاولات فريق “تارجيت” التواصل مع متحدثين باسم الحكومة السورية، في حلب أو في دمشق، لتوضيح أسباب حصار على الحييّن، لكنها لم يقبل الكثير من المسؤولين الأمنين الإجابة على أسئلتنا.
ومابين سوء العلاقات بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية على الصعيد السياسي وبقائها مستقرة نوعاً ما على الصعيد العسكري، يتزايد الحصار المفروض على مهجري عفرين في داخل مدينة حلب وشمالها دون محاولات جدية لحل هذه القضية الجدلية التي فرضتها التغييرات العسكرية منذ آذار 2018، ليبقى معها مهجرو عفرين، في أقرب المناطق إلى أرضهم، مُحاصرين من حكومة يفترض أنها تعتبر كامل الأراضي السورية مسؤوليتها، لكنها في الوقت عينه، تُخلي مسؤوليتها عن جزء من الشعب، في إطار رغبتها بمُعاقبته، وهو عقاب تتشارك في رغبة تنفيذه ولا بد مع أنقرة، لا بل قد يكون عقابهم شرطاً أساساً للتطبيع بين الطرفين.