منذ أن تم الهجوم على مطقة عفرين، ات الخصوصية الكردية في شمال غرب سوريا، بتاريخ العشرين من يناير العام 2018، والذي توصل على مدار 58 يوماً حتى تاريخ الـ 18 من مارس العام 2018، تستمر القصص والحكايات المأساوية بالصدور من عفرين.
فالمنطقة التي كانت تتحلى بالأمن، ومقصداً لكل السوريين، بالأخص من محافظات حلب وإدلب القريبتين، تحولت بين ليلة وضحاها إلى مرتع للجريمة والانتهاكات الممنهجة التي طالت كل سكانها الأصليين الكرد، وتنوعت بين السرقة إلى سلب الممتلكات ولاستيلاء على العقارات والأراضي وأشجار الزيتون ومختلف المواسم الزراعية إلى تعذيب واعتقال ابناءها بتهم جاهزة وملفقة غالباً، ترتبط بالأساس بتعاون السكان مع السلطة السابقة التي تشكلت من أبناء المنطقة تحت مسمى “الإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين”.
عشرات السوريين يحاكمون في تركيا
ومن ضمن الانتهاكات التي رصدت في عفرين، نقل المعتقلين الذين يحملون الجنسية السورية، إلى الداخل التركي لمحاكمتهم هناك امام المحاكم التركية، كان آخرهم المواطن الكردي “نذير خليل كلحو” 48 سنة، من أهالي قرية سنارة التابعة لناحية شيه/ شيخ الحديد، والذي كشف ناشطون عن نقله إلى الداخل التركي بداية أغسطس الجاري، لمحاكمته هناك بذريعة تعامله مع الإدارة الذاتية السابقة، فيما أكد الناشطون تعرّضه للضرب المبرح، قبل تحويله إلى الأراضي التركية.
وحول ذلك، قال المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان في عفرين، ابراهيم شيخو لـ منصة تارجيت: “تعتقل الأجهزة التركية بالتعاون مع السلطات المحلية في المناطق المُحتلة شمال سوريا، وبالأخص في عفرين ورأس العين\سريه كانيه، وتل أبيض\كري سبي، العديد من المواطنين الكُرد، وتصدر بحقهم احكام جائرة بعد نقلهم إلى تركيا، وأحكام بعضهم تصل إلى المؤبد وحتى أصدرت احكام تتعلق بإعدام المواطنين السوريين في مناطق عفرين”.
وأكمل: “نعلم علم اليقين بأنه وفقاً للقوانين التركية، تم إلغاء أحكام الإعدام، لكنها تصدر عن المحاكم الموجودة في عفرين، وإن لم تنفذ على أرض الواقع، يبق أن تلك المحاكم خاضعة لسيطرة تركيا، وبالتالي فهي تُخالف المواثيق الدولية، وبالأخص اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، التي تحظر النقل السوريين الى تركيا ومحاكمتهم، إذ لا يجوز لسلطة احتلال أن تنقل مواطني الدول الخاضعة لسيطرتها إلى داخل أراضيها”.
حيال أعداد تلك الحالات التي تم فيها نقل المواطنين السوريين إلى تركيا لمحاكمتهم، قال شيخو: “في رأس العين، كان العدد بحدود 63 شخصاً، وفي عفرين ليس هناك احصائيات دقيقة، لكن أيضاً العدد أكثر من 50 شخصاً”.
متابعاً: “هناك كذلك أحكام بالأشغال الشاقة ما بين 12 و 14 عاماً، وقد وثقنا عشرات الحالات التي تولى فيها المحققون الأتراك، مهمة التحقيق مع المعتقلين السوريين وبالأخص الكُرد، سواء من النساء او حتى من الرجال والأطفال القاصرين، وهو ما لا يجوز وفقاً للاتفاقيات الدولية”.
لماذا لا تتحرك المنظمات الدولية؟
أشار المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان في عفرين، حول ذلك: ” أصدرت منظمة العفو الدولية، تقريراً قبل نحو عام، أدانت فيه نقل السوريين الى تركيا لمحاكمتهم وفق القوانين التركية، من قبل المحاكم التركية، وهو أمر مُجحف بحق السوريين، فيما تتحرك الجهات الدولية وفق مصالحها التي تلعب دوراً اساسياً للتلاعب بالقوانين والمواثيق الدولية”.
موضحاً: “بإمكان الأمم المتحدة، أو روسيا بحكم أنها تدافع عن النظام السوري، ردع تركيا عن ذلك الاجراء، وأيضاً المنظمات الحقوقية الدولية، مجلس حقوق الانسان الدولي، الذين وثقوا هذه الحالات، لكن لم يتوصلوا بعد إلى آلية لمنعها وأكتفوا بالتوثيق”.
لافتاً إلى انه ليس “هناك صفة إجبارية بهذا الخصوص، إلا من خلال مجلس الامن”، مستدركاً: “لكن نعلم أن هذا مُستبعد في الوقت الحالي، لتقارب مصالحهم مع مصالح تركيا، العضو في الناتو، وبالتالي لا يمكن أن نتأمل شيئاً حالياً، وإن صدرت بعض الإجراءات كالتي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، عبر وزارة الخزانة، بإدراج فصلين من (الجيش الوطني السوري) على قوائم العقوبات، وهذا ما رأيناه في عام 2021، بحق فصيل أحرار الشرقية، بيد أنها تبقى إجراءات ضعيفة، ولا ترقى إلى مستوى الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها السوريون داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال التركي”.
ما الإجراءات التي بمقدور السوريين اتخاذها ضد أنقرة؟
بهذا الصدد، قال ابراهيم شيخو: “بإمكان السوريين الذين يتعرضون لانتهاكات أو الذين تم اعتقالهم من قبل سلطات الاحتلال التركي، أو من قبل الفصائل الموالية لها، وتم نقلهم إلى الداخل التركي، وخضعوا فيها للمُحاكمات، من قبل القُضاة الأتراك، ويتواجدون حالياً في الداخل السوري، التواصل مع المنظمات الدولية لتقديم شكاوى، أو عبر تنظيم صكوك وكالة لذويهم في الخارج، وتحريك دعاوى أمام المحاكم الدولية، بأنهم تعرضوا لمحاكمات خارج بلادهم، من قبل سلطه أجنبية محتلة، لا علاقة لها بالداخل السوري”.
مستكملاً: “يمكن أن يتم إدراج هذه الدعاوى ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قبل سلطة الاحتلال، وكما نعلم، تمنع لائحة لاهاي وتوصي جهات الاحتلال بأن لا تتخذ أي إجراءات في سبيل تغيير ديمغرافية المنطقة، ومن ضمنها نقل السوريين أو تغيير معالم مناطقهم وإبقاء كل شيء كما هو، ريثما يتم انتخاب سلطة مؤقتة من الشعب لإدارة نفسه، كون حالة الاحتلال مؤقتة، وأيضاً كل شيء يترتب على ذلك”.
مختتماً: “نستطيع أن نقول بأن تركيا مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل الجرائم التي يتعرض لها الناس في مناطق سيطرتها، من قبل الفصائل التي تعمل بإمرتها، وما تشهده عفرين خير دليل على ذلك”.
وبينما يقبع عشرات السوريين الكُرد في المُعتقلات التركية ويتعرضن للمحاكمة هناك، لا يبدو أن مصير مئات الآلاف غيرهم، من الموجودين في عفرين، خارج السجن الفعلي، يختلف كثيراً، سوى بأن مساحة السجن أكبر، لكن العقوبة تبدو واحدة، جوراً وتعدياً.