تتواصل محاولات السلطة في دمشق ومن خلفها إيران وروسيا، والمعارضة السورية العاملة تحت مسمى الائتلاف، ومن خلفها جماعة الإخوان المسلمين وتركيا، للصيد في المياه المتعكرة في دير الزور، أو التي يجري تصويرها على أنها متعكرة، وذلك بعد أن عزل رسمياً الأربعاء، القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري، ويدعى أحمد الخبيل أبو خولة، عن مهامه، عبر بيان صادر عن “قوات سوريا الديمقراطية”.
ولم يأتي عزل الخبيل مُفاجئاً، بل كان مُتوقعاً منذ أكثر من شهرين، لقيامه بمجموعة من الأفعال التي لاقت رفضاً شعبياً من قبل أبناء العشائر العربية في المنطقة الشرقية، وذلك ما أكده البيان الصادر عن “قسد”.
حيث قالت “قسد” في بيانها: ” بعد فترة من المتابعة، وبالنظر في العديد من التقارير وشكاوى الأهالي، وبناء على أمر اعتقال من النيابة العامة في شمال وشرق سوريا، وذلك بسبب ارتكابه العديد من الجرائم والتجاوزات المتعلقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة، وارتكاب جرائم جنائية بحق الأهالي والاتجار بالمخدرات”.
وأكملت: “وبسبب سوء إدارته للوضع الأمني، ودوره السلبي في زيادة نشاط خلايا داعش، واستغلال منصبه في مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لقوّات سوريا الديمقراطية، قرر المجلس العسكري لمجلس دير الزور العسكري وبموافقة المجلس العسكري لقوّات سوريا الديمقراطية، عزل أحمد الخبيل من مهامه في قيادة مجلس دير الزور العسكري، وإنهاء مهام أربعة أشخاص آخرين ضمن المجلس على علاقة مباشرة بتلك الجرائم والتجاوزات”.
العشائر العربية تؤيد عزل الخبيل
وفي ظل الأجواء التي تسعى السلطة في دمشق، والمعارضة المتحركة من أنقرة، لتعكيرها أصدرت العشائر العربية في شمال وشرق سوريا، ما يتعارض مع تسويقهم الإعلامي وسعيهم لاستغلاله في ضرب استقرار المنطقة، وتحريك أذرعهم التخريبية، التي تجتمع في رغبة النيل من الاستحقاقات المنجزة على الأرض.
حيث أكد بيان صادر عن شيوخ ووجهاء عشائر دير الزور الخميس، على عدة نقاط، أهمها، مطالبة جميع أبناء العشائر بضبط النفس، وعدم الانجــرار وراء القنوات التي تدعمها تركيا وقطر والنظام السوري كقناة اورينت المعارضة، والتي عرضت الكثير من الشرائط المصورة والمعلومات المفبركة، حول معارك مزعومة بين “أبناء العشائر” و”قسد”.
كما أكد الشيوخ والوجهاء في دير الزور على أنهم من طالب قسد بمــحاسبة “أحمد الخبيل” ابو خولة، كونه ارتكب الكثير من الــجرائم وآخرها قتــل فــتاتين ورميهما في دير الزور، مشددين على أنهم ضــد أي جهة، سواء كانت خارجية أو داخلية تحاول المساس بأمن المنطقة، كما شددوا على أن “العرب والكُرد في خنــدق واحــد، حيث حاربـوا تنظيم داعش الإرهابي، في دير الزور وباقي المناطق.
فيما أصدر شيوخ ووجهاء العشائر في منطقتي صرين والجرنية الواقعتين شمال وشرق سوريا، بياناً للرأي العام، أكدت فيه على رفض الفتن التي تهدف لزعزعة أمن واستقرار المنطقة وتخدم مصالح الدول الخارجية في دير الزور، حيث جاء في البيان بأن “الفتنة التي حصلت في دير الزور لا تمت للعشائر العربية بصلة كما ادعت وسائل اعلام خارجية بأن ما يحصل هو ضد العشائر العربية”.
وأوضحوا أن “القوات العسكرية الموجودة على الأرض هي من أبناء العشائر، وتؤدي واجبها بالدفاع عن الشعب ضد خلايا داعـش الإرهـابية”، وأن محاربة الإرهـاب ما تزال مستمرة بمساندة قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية، كونه المشروع الوحيد الذي يحافظ على حقوق جميع المكونات، لافتين إلى أن ما يحصل في دير الزور هو “مخطط لبث الفتنة والتفرقة بين مكونات المنطقة، وبدعم خارجي وإقليمي”.
ومشددين كذلك على الوقوف مع قوات سوريا الديمقراطية بما يتطلب منهم، لتأمين المنطقة وتعزيز الأمن فيها، خاصة أن ما جرى في دير الزور، كان مُخالفة بعض الاشخاص للقانون، وخروجاً من مشروع الادارة الذاتية الذي يهدف لتعزيز الأمن والاستقرار.
مُحاربة داعش ليس مبرراً للتسلط والفساد
ولا يمكن التغاضي عن حقيقة أن الخبيل نفسه، حارب ضمن “قسد” ضد تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن عقلية التملك والتسلط التي غرستها السلطة في دمشق، في نفوس كثير من السوريين، لم تسطع سنوات الحرب السورية القضاء عليها، فخرج نتيجتها الكثير من المتسلقين والفاسدين، إن في مناطق المعارضة السورية، أو مناطق قسد، أو المناطق الخاضعة لسلطة دمشق، وأنشأت لنفسها إقطاعيات وممالك وإمارات، كلٌ حسب حجم تفكيره.
بينما لم تتوانى السلطة في دمشق، أو المُعارضة السورية المحسوبة على تركيا، عن استغلال الموقف في دير الزور، فـ”أحمد الخبيل” الذي كان حتى تاريخ السادس والعشرين من أغسطس، “فاسداً قسدياً”، تحول مع إلقاء “قسد” القبض عليه، بهدف مُحاسبته على فساده وجرائمه في السابع والعشرين من أغسطس، إلى رمز تصوره قنوات المعارضة والسلطة على حد سواء، على أنه “ممثل” لـ “العرب في دير الزور”، وأنه تعرض للمكيدة حين القبض عليه.
ولعل ما يطرح نفسه هنا، هو كيف أن أحمد الخبيل منتسب إلى قوات سوريا الديمقراطية، ولا يلتزم بالتعليمات الصادرة عنها، ومنها عدة عمليات استدعاء إلى مراكز قسد العسكرية، بغية البحث والتحقيق في التهم الموجهة إليه، حيث رفض الخبيل الامتثال لها، وتصوّر نفسه أنه أمير على دير الزور، وأطلق هذه الصفة على نفسه، فأصبح يكنى بالأمير أبو خولة، ربما تيمناً بالأمير أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش الإرهابي.
ورغم التحفظات عليها، لكنها إمارة كان من المُمكن لها أن تقوم، لو اختارها أهالي دير الزور بشكل ديمقراطي، أما وقد توسعت الشكاوى ومنها جريمة قتل واغتصاب فتاتين في دير الزور نهاية العام الماضي، من قبل أعوان أحمد الخبيل وإخوته وتحت حمايتهم، فهو كان الأمر غير الممكن في ظل “قوات سوريا الديمقراطية” الملتزمة بمعايير أخلاقية صارمة، والتي يعتمد قيامها على مُناقضة مُمارسات المليشيات التابعة لتركيا، من اقتتال وترهيب واغتصاب للحقوق، وأيضاً الفصائل الموالية للسلطة في دمشق، حيث تنتشر الجريمة المُنظمة والمخدرات، والتغيير الديموغرافي.
المعارضة والسلطة وصيدهما بالمياه العكرة
بالسياق، تتناقل المواقع التابعة للمعارضة السورية، الأنباء، عن توتر أمني في أرياف دير الزور الشمالية والشرقية، على وقع اشتباكات مزعومة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”مجلس دير الزور العسكري”، وهي اشتباكات تريد لها المعارضة أن تتوسع، لتستغلها في مهاجمة “قسد”، إن لم يكن ميدانياً، فإعلامياً أقله، وهو ما تذهب إليه وسائل إعلام السلطة في دمشق أيضاً.
كما تسعى المعارضة والسلطة في سوريا، لتصوير الصراع في دير الزور على أنه قومي (عربي-كردي)، لكنه ليس كذلك البتة، لأسباب كثيرة أهمها، أن عزل الخبيل تم بناءً على رغبة أغلب العشائر العربية في المنطقة، وثانيها، أن “قسد” لم تعزل الخبيل لتضع قائداً كُردياً عوضاً عنه على المنطقة، بل ليختار أبناء دير الزور قائداً عسكرياً من بينهم، دون تجاوز على حقوق الناس، ودون فساد وتهريب مخدرات ونفط وسلاح، ودون إساءة لأبناء المنطقة.
أما الأنباء التي تتحدث عن سيطرة العناصر المُتمردة من داخل “مجلس دير الزور العسكري” على نقاط عسكرية لقسد، فهي لا تتعدى أن تكون الا امنيات خيالية لسلطة دمشق والمعارضة السورية المرتهنة لتركيا، إذ ليس النزاع بين “قسد” و”مجلس دير الزور العسكري”، الذي لا بد من أن يقوم بمهامه في المنطقة الموكلة إليه على أكمل وجه.
بل النزاع هو بين مُتمردين تابعين أو منتفعين من وجود أحمد الخبيل، على باقي عناصر “مجلس دير الزور العسكري” و”قوات سوريا الديمقراطية” من خلفهم، والتي لا يمكن أن تتوانى عن حماية أبناء دير الزور، من تسلط عصبة حاكمة تعيث في الأرض فساداً، تحت راية “قسد”.
وعليه، بعد هذه المواجهة، بات المتضررون من ممارسات أحمد الخبيل وإخوته، متيقنين بأن محاسبته من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يضرب الناس بسيفها، ويشوه سمعتها بفساده وجرائمه، وأن كانت قد تأخرت بعض الشيء، لكنها باتت قاب قوسين أو أدنى، عندما يحال للقضاء وينال جزائه العادل.
فيما لن يكون أحمد الخبيل رمزاً، بل عبرة لكامل القيادات العسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بأن مصير الفاسدين، المجرمين، والقتلة هو السجن، لا التكريم والنياشين والصور التذكارية مع الرؤساء والقادة.
مُعادلة قد تبدو صعبة على فهم بعض السوريين القابعين لسلطة المُعارضة أو سلطة دمشق، الذين اعتادوا تكريم الجُناة في مناطق سيطرتهم، ففي دمشق، يسرح ويمرح مُرتكب مجزرة التضامن، على مرأى السلطة التي تؤمن له الرعاية والحماية والتكريم.
أما في مناطق المعارضة الموالية لتركيا، فقد اعتادت هي الأخرى أن تكرم المجرمين كأمثال حاتم أبو شقرا متزعم مليشيا “أحرار الشرقية”، التي قتلت رئيسة حزب سوريا المستقبل، هفرين خلف، أو تكريم محمد الجاسم أو عمشة، منتهك أعراض مسلحيه المرسلين للارتزاق في ليبيا.
وعي أهالي دير الزور
والأكيد، أن التعويل الأول والأخير هو على وعي أهالي دير الزور، الذين حظيوا للمرة الأولى في تاريخ سوريا المعاصر، بنظام إداري يضع كامل السلطات العسكرية، السياسية والإدارية الخاصة بهم، في أياديهم، وذلك بعد تحريرهم من تنظيم داعش الإرهابي، وإلا كيف أتيح المجال لـ أحمد الخبيل بأن يتمرد على “قسد”، التي هي وفق مزاعم المعارضة والسلطة “تحتل” دير الزور، إن لم يكن ذلك صحيحاً.