يعود تنظيم داعش الإرهابي لشن هجمات في مناطق متفرقة من سوريا بوتيرة متصاعدة خلال هذه الفترة، مستهدفاً بالدرجة الأولى قوات حكومة دمشق والفصائل التابعة لإيران، ما يسفر عن قتلى وجرحى وما يزيد المخاوف من عودة نشاط التنظيم الذي تراجع بعد القضاء عليه عسكرياً في آخر معاقله ببلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.
عناصر التنظيم الإرهابي شنوا مؤخراً هجوماً على مستودع أسلحة لقوات حكومة دمشق ببادية تدمر بريف حمص وسط البلاد، ما أسفر عن مقتل ثلاثة عناصر من قوات حكومة دمشق وإصابة ثمانية آخرين، وذلك بعد مقتل ثلاثة وثلاثين عنصراً من هذه القوات بهجوم للتنظيم على حافلة عسكرية بريف دير الزور، سبق ذلك تفجير في منطقة السيدة زينب بريف العاصمة دمشق أسفر عن مقتل وإصابة نحو ثلاثين شخصاً.
وتثير هذه الهجمات المتزايدة للتنظيم، المخاوف من عودة نشاطه في سوريا، خاصةً في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد، من أزمة اقتصادية غير مسبوقة وتوترات وتصعيد عسكري بين مختلف الأطراف، خاصة الولايات المتحدة وإيران بريف دير الزور والبادية التي تعتبر أحد المناطق الأساسية التي تنتشر وتتحرك فيها خلايا التنظيم الإرهابي.
تحول إلى حرب الاستنزاف
ويقول الباحث في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن التنظيم بعد خسارته آخر جيب له في الباغوز تحول من السيطرة الميدانية إلى حرب الاستنزاف والعصابات وإلى منظمة مرنة تعمل بشكل لا مركزي وبالتالي أصبح منتشر في العراق وسوريا وتقديرات الأمم المتحدة أنه يمتلك حوالي 7000 مقاتل وأحياناً تقارير تشير إلى أكثر من ذلك، مشيراً إلى أن هناك نوع من التعافي للتنظيم وبدأ يكثف هجماته شيئاً فشيئاً، حيث شهدنا في الأيام الأخيرة هجمات على قوات النظام السوري في ريف دير الزور وريف الرقة وحتى وصل مؤخراً إلى قلب دمشق في حي السيدة زينب، وبالتالي التنظيم لا تزال لديه الآن “جاذبية” الإيديولوجيا وهو قادر على تجنيد أعضاء جدد، كما يوجد تمويلات كافية والهيكل التنظيمي متماسك رغم مقتل عدد من قادته لكن لايزال قادر على المواصلة والعمل بشكل لامركزي وخلاياه لا تتأثر بشكل كبير، فضلاً عن انتشاره في إفريقيا وجنوب شرق آسيا فيما يسميه بـ”ولاية خرسان” أي أفغانستان.
ظروف موضوعية تغذي عودة التنظيم
ويضيف أبو هنية: ” أن قدرة التنظيم على التعافي ممكنة إذا استندنا للظروف الجذرية وأسباب الظهور، من حيث مسائل تباطؤ إعادة الإعمار بالعراق وهناك القضايا الطائفية، إلى جانب الأسباب التقليدية كالفقر والبطالة والانقسامات السياسية، إلا أن الأمور في سوريا أكثر تعقيداً حيث لا يوجد حل سياسي وتسيطر قوات قسد والقوات الأمريكية على شرق البلاد، في حين تسيطر “هيئة تحرير الشام” على شمال غربي البلاد، إلى جانب ما يسمى “الجيش الوطني” التابع لتركيا، والميليشيات الإيرانية وقوات النظام وروسيا، ناهيك عن التوترات الجيوسياسية وغياب الحل السياسي إلى جانب الأوضاع الاقتصادية من فقر وبطالة والغضب المحلي، إضافةً لعدم تركيز التحالف الدولي في ظل انشغالات أمريكية أخرى كالتنافس مع الصين وروسيا وقضايا داخلية، وانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، كل ذلك ساهم في تحول نمط التنظيم من المركزية إلى اللامركزية ومن الحرب المباشرة العسكرية والسيطرة إلى حروب العصابات”.
تحذير أممي من عودة داعش
يأتي ذلك، في وقت حذر خبراء في الأمم المتحدة في تقرير مقدم إلى مجلس الأمن الدولي، من خطر عودة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، مؤكدين أن التنظيم لا يزال يحتفظ بما بين 5 و7 آلاف عنصر في البلدين، وأن التهديد الذي يشكله ظل مرتفعاً جداً، رغم الخسائر التي مني بها وتراجع نشاطه والقضاء عليه عسكرياً في عام ألفين وتسعة عشر.
تقرير الخبراء الأمميين، قال إن تنظيم داعش قام بتكييف استراتيجيته والاندماج مع السكان المحليين، وتوخي الحذر في اختيار المعارك التي يتوقع أن تؤدي إلى خسائر كبيرة، كما قام بإعادة تنظيم صفوفه وتجنيد المزيد من المسلحين من مخيمات شمال وشرق سوريا ومن المجتمعات الضعيفة، مشيرين إلى وجود أكثر من عشرة آلاف عنصر من التنظيم في سجون شمال وشرق سوريا، إلى جانب عشرات الآلاف من عوائل عناصره في مخيمي “الهول وروج” بالمنطقة، والذين ينتشر بهما خلايا عديدة للتنظيم.
وبحسب الباحث في الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، “فإن التنظيم لا يزال “مقتصداً” ولا يستخدم التكتيكات الانتحارية والانغماسية والهجمات الواسعة هو يقتصر على الحفاظ على هيكليته ووجود قدرة مثبتة على التواصل، وبالتالي حتى الآن التنظيم لديه القدرة على التعافي، وهذا رهن دائماً بالشروط والأسباب الموضوعية، لأن قوته ليست فقط ذاتية، بل قدرته على التكيف واستغلال الأزمات”.
يشار، إلى أن تحركات التنظيم الحالية تأتي بالتزامن مع تطورات متسارعة تشهدها الساحة السورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أبرزها التصعيد العسكري بالشمال السوري بين الاحتلال التركي وقوات حكومة دمشق، والأزمة المعيشية المتفاقمة والغير مسبوقة التي تشهدها البلاد وانعكاساتها على جميع المجالات، إلى جانب تباطؤ مسار التطبيع مع حكومة دمشق من قبل جميع الأطراف لاسيما العربية منها، وبالتالي تلاشي الآمال بإمكانية إسهام هذا المسار بإيجاد حل سياسي للأزمة وما يتبع ذلك من إنهاء الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد والقضاء على التنظيمات الإرهابية.