عودة لأجواء الحرب البادرة بين روسيا وأمريكا.. هل تصبح النيجر أوكرانيا أفريقيا؟

تتجه أنظار العالم خلال الأيام الماضية إلى النجير، هذا البلد الأفريقي الذي شهد انقلاباً عسكرياً أجج معركة نفوذ وهيمنة جديدة طرفاها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأخيرة من خلفها حلفائها الغربيين، وسط تحذير علني ومباشر بالتدخل العسكري لإنهاء هذا الانقلاب الذي جاء ليعبر عن حالة التذمر التي تسود ضد الهيمنة الغربية الفرنسية في مناطق الساحل الأفريقي ووسط القارة.

وتكمن أهمية النيجر في أن كثير من الدول تعتمد عليها في الحصول على اليورانيوم، وعلى رأسها فرنسا التي باتت تعتمد على نحو 70 بالمئة من احتياجاتها من اليورانيوم النيجري، وتستخدمه في الفترة الأخيرة لتوليد الكهرباء لمواجهة أزمة الطاقة العالمية، كما أن النيجر تحتل موقعاً استراتيجياً في عمليات مكافحة الإرهاب بالقارة السمراء وبها قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية مهمة.

ماذا حدث؟

والنيجر هي إحدى دول غرب أفريقيا وواحدة من أفقر دول العالم، وقبل أيام تحرك الجيش تحت قيادة عبدالرحمن تشياني واستولى على السلطة في البلاد بدافع تدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام الأمن، وقد رافقت تحركات الجيش مظاهرات شعبية داعمة له وقد حمل كثير من هؤلاء المتظاهرين لافتات كتب عليها “الموت لفرنسا”.

لكن هناك رواية أخرى تقول إن الانقلاب وقع على الرئيس محمد بازوم بعد أن تم تسريب أنباء عن مساع للإطاحة بالجنرال عبدالرحمن تشياني من قيادة الجيش، حيث استولى الأخير على السلطة واحتجز الرئيس بازوم، وسط مخاوف كبيرة بأن يتحول هذا الوضع إلى فرصة لزيادة نفوذ روسيا التي تخوض حرباً شرسة في أوكرانيا، وأن تقوم نخبة الجيش المعادية لفرنسا والدول الغربية بإغلاق القواعد العسكرية الفرنسية والأمريكية.

ومع وقوع الانقلاب، أعلن الاتحاد الأفريقي رفضه هذا التصرف من قبل قادة جيش النيجر ودعوهم للعودة إلى المسار الدستوري، لكن اللهجة التي كانت أشد حدة من قبل دول مجموعة الإيكواس – وهي تكتل تجاري يضم 15 دولة في غرب أفريقيا – إذ أعلنت الانتهاء من وضع خطة لتدخل عسكري ضد الانقلابيين ومنحتهم مهلة انتهت يوم الأحد من أجل التنحي، وسط ترقب لاجتماع يوم الخميس يحسم وجهة الإيكواس بعد عدم تجاوب المجلس العسكري لطلبها.

وأمام تلويح إكواس – المعبرة عن المواقف الغربية – بالتدخل العسكري، دعا قادة الانقلاب العسكري مجموعة فاجنر الروسية إلى التدخل لمساندتهم في مواجهة القوى الغربية التي تعادي روسيا، في وقت كتب الرئيس المخلوع مقالاً نشر في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية يدعو الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري لمنع سقوط النيجر ومنطقة الساحل الأفريقي في براثن النفوذ الروسي على حد قوله.

وقد فتحت هذه التطورات المتسارعة والمتلاحقة المجال أم تكهنات بإمكانية تدخل روسي أمريكي غربي، يأتي كانعكاس للحرب الروسية – الأوكرانية، والتي اقترنت بعودة إلى ما يشبه أجواء الحرب الباردة، وبحث موسكو وواشنطن عن مناطق نفوذ وتعظيمها، ومن خلفهم الصين، وقد كان ذلك واضحاً في أفريقيا على وجه التحديد على مدار الأشهر الماضية.

دور محتمل لمجموعة فاجنر

“ماذا ستفعل روسيا؟ وهل يمكن أن تتدخل لمساعدة قادة الانقلاب في النيجر؟”، هذا السؤال طرحته منصة “تارجيت” الإعلامية على الدكتور عمرو الديب المحاضر في السياسات الدولية ومدير شؤون الشرق الأوسط بالأكاديمية الرئاسية الروسية والذي يرى أن موقف روسيا تجاه النيجر بشكل عام ضد الانقلابات العسكرية، ولا يدعم بشكل مباشر عملية الانقلاب داخل النيجر.

وحول سؤاله عما يقصده بأن موسكو لا تدعم بشكل مباشر عملية الانقلاب، يوضح “الديب” أنه بالفعل هناك من يقول إن هناك صراع نفوذ بين فرنسا وروسيا في النيجر وقبلها في مالي وبوركينا فاسو، ولكن موسكو لن تستطيع تقديم الدعم بشكل صريح للانقلاب، لكن في حالة إذا ما بدأت مطالبات من قبل الحكومة الجديدة في النيجر بأن يتم توقيع عقود مع شركة فاجنر الأمنية الروسية أو غيرها من الشركات العسكرية الروسية، في هذه الحالة لا يمكن اعتبار التدخل الروسي هنا موقفاً رسمياً روسياً.

وأضاف المحاضر في السياسات الدولية أن “فاجنر” في هذه الحالة سيكون وضعها كشركة خاصة، ولها الحق في توقيع عقود مع أي حكومة أو دولة وأي طرف في أي منطقة بالعالم، وهذا أمر واضح، لكن روسيا الرسمية لا تستطيع أن تدعم الانقلاب بشكل مباشر وصريح في ظل علاقاتها المتطورة مؤخراً مع الاتحاد الأفريقي والأخير موقفه واضح برفض هذا الانقلاب.

ويؤكد الدكتور عمرو الديب أن موسكو كذلك لن تدعم بشكل مباشر الانقلاب في النيجر حتى لو كان هذا الأمر في سياق الصراع على النفوذ بينها وبين الدول الغربية، لكن حال تم استدعاء شركة فاجنر الروسية لتقديم خدمات أمنية أو استشارات وأعمال تأمين، فهذا أمر سيكون بين حكومة النيجر الجديدة والشركة.

وكانت روسيا استضافت قبل نهاية الشهر الماضي القمة الروسية – الأفريقية في إطار مساعيها لتعضيد علاقاتها بدول القارة السمراء والبحث عن منافذ سياسية واقتصادية كبيرة، لكسر محاولات العزلة التي تريد الدول الغربية فرضها على موسكو منذ بدء حرب أوكرانيا في فبراير من العام الماضي، وبالتالي يرى مراقبون أن موسكو لا يمكن أن تأخذ علناً موقفاً مغايراً لموقف الاتحاد.

محادثات أمريكية مع قادة الانقلاب

وفي أحدث تصريح أمريكي، قالت فيكتوريا نولاند نائبة وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة إنها أجرت محادثات بشكل مباشر ووجه لوجه مع قادة الانقلاب العسكري في النيجر، مؤكدةً أن المحادثات كانت صريحة للغاية وفي بعض الأوقات صعبة للغاية، ورغم إشارتها إلى أنه لا يزال الباب مفتوحاً أمام حل دبلوماسي إلا أن واشنطن قررت تعليق مساعداتها المالية لـ”نيامي”.

وأكدت المسؤولة الأمريكية أن المحادثات استمرت لساعتين مع رئيس هيئة الأركان العميد موسى سالاو برمو وليس مع قائد الجيش عبدالرحمن تشياني، وقد عرضت استعداد واشنطن لتقديم المساعدة اللازمة إذا كانت هناك رغبة في العودة إلى النظام الدستوري، لكنها أكدت أنها لم تتلقى رداً، وأنه ليس بالضرورة أن تكون هناك موافقة على العرض الأمريكي.

من جهته، يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية بواشنطن إن ما يحدث في النيجر هو انعكاس للتنافس بين أمريكا وروسيا، معرباً عن اعتقاده بأن الحرب الدائرة في أوكرانيا تهدف إلى تقويض روسيا وضعضعة القوة الروسية، على نحو يجعلها غير قادرة على توسيع دوائر نفوذها لا سيما في القارة الأفريقية سواء في النيجر أو بوركينا فاسو أو مالي.

وأضاف “البرديسي”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن كل ما يدور في أوكرانيا هدفه تكسير هذه القوة الروسية، وبطبيعة الحال ما يجري في النيجر انعكاس لتحركات صد النفوذ الروسي المتنامي في القارة السمراء، ومن الطبيعي أن تدعي موسكو أنها مع الحوار والمفاوضات من أجل عودة المسار الدستوري.

واستدرك “البرديسي” قائلاً إنه في واقع الأمر فإن روسيا تدعم النظام الانقلابي وليس في النيجر فقط بل في دول أخرى مثل مالي وبوركينا فاسو، وكان ذلك من خلال شركة فاجنر الذراع العسكرية القوية لروسيا، والنيجر موطيء قدم مهم لكي تتواجد موسكو بقوة في هذه البقعة من أفريقيا، وهذا لا يعني وقوف أمريكا والدول الغربية على الدوام مع النظم المدنية وإنما الأمر يرتبط أيضاً بمصالح الدول.

ويرى أنه لو أن النظام الجديد في النيجر أمن المصالح الاقتصادية للدول التي تعاديه مثل أمريكا وفرنسا وحتى الدول الأفريقية الأخرى، فإن كل هذه المواقف ستتغير، لأن الأمر يرتبط بصفة أساسية بتأمين المصالح الاقتصادية والتجارية، وقد سبق وتكرر هذا السيناريو في مناطق أخرى بالقارة السمراء، لافتاً إلى أن هذه المنطقة وأفريقيا بصفة عامة تشهد حالة من التكالب على النفوذ بين مختلف القوى الدولية خصوصاً في ظل التغيرات التي يشهدها النظام الدولي منذ بدء الأزمة الأوكرانية.

ويأتي الحديث عن دور محتمل لـ”فاجنر” في النيجر وسط توترات وخلافات كبيرة شهدتها الفترة الماضية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس مجموعة فاجنر يفجيني بريجوجين كادت تصل إلى حد الصدام العسكري، لكن هذه الخلافات لن تنعكس على نشاط فاجنر الخارجي كذراع مهمة للدب الروسي، ما يشبه إلى حد كبير أجواء الحرب الباردة التي كانت سائدة من قبل بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة.

وأصبح اجتماع مجموعة إيكواس المقرر الخميس التاسع من أغسطس موضع ترقب كبير لما سيقدم عليه من قرار بشأن إمكانية التدخل العسكري لإنهاء الانقلاب، إذ ترجح كثير من التحليلات أن يكون التحرك العسكري أفريقياً بدعم غربي فرنسي أمريكي، بعد أن تحدثت المجموعة عن جاهزية خطة العملية العسكرية والتي تدعمها بقوة نيجيريا وبنين وغيرها من الدول الأفريقية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا