تتوافقان فقط بمُحاربة “قسد”.. أنقرة والشروط التعجيزية لمُصالحة دمشق

تأخذ مُعادلة التطبيع بين دمشق وأنقرة، حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي، والتعويل من الروس والسلطة في دمشق، بغية التمكين لوجود الأولى ولحكم الثانية، كون أنقرة، المتورط الأساسي في دعم المُعارضة المسلحة، ليست تلك الموجودة اليوم تحت مُسمى “الجيش الوطني السوري” فحسب، بل منذ الأيام الأولى لعمر الانتفاضة الشعبية العام 2011، والتي تحولت بجهود أنقرة وتدخلاتها، إلى حرب أهلية مُسلحة، فَقَدَ معها حراك السوريين، الشرعية والتأييد الدولي الذي حظيت به يوماً.

لكن مُعادلة التطبيع بين دمشق وأنقرة، بدعم ورعاية موسكو، والتي كثر الحديث عنها قبيل الانتخابات الرئاسية التركية في مايو الماضي، سرعان ما خبت، وتحولت إلى اشتراطات مُتبادلة، بالتوازي مع جهود روسية لإنعاشها في غرفة العناية المركزة.

أربعة شروط تركية

وضعت تركيا، بداية يوليو الماضي، أربعة شروط رئيسية للمضي قدماً بعملية تطبيع العلاقات مع دمشق، خلال اجتماعات اللجنة الرباعية للنسخة العشرين من مسار أستانة التفاوضي حول سوريا، وحينها، قالت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة التركية، إن الشروط الأربعة لـ أنقرة، لأجل التقدم في مسار التطبيع مع دمشق، هي تعديل الدستور السوري، إجراء انتخابات عادلة، التعاون المشترك في مكافحة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إضافة إلى عودة اللاجئين السوريين.

وتابعت الصحيفة التركية، بأن اشتراط تعديل الدستور هو بهدف تحقيق إصلاحات ديمقراطية في البلاد، بينما ستضمن الانتخابات العادلة مشاركة جميع الأطياف السورية، وهو ما سيفضي إلى تشكيل حكومة شرعية تمثل جميع السوريين، فيما قال مصدر الصحيفة التركية، إن الاجتماع الرباعي ناقش تشكيل مركز تنسيق عسكري مشترك يشمل البلدان الأربعة، مشيراً إلى أن الرباعي اعتبر هذا الاقتراح “إيجابياً”، وأن العمل جارٍ في هذا السياق، وأن مهمة المركز، ستكون مكافحة “قسد” بشكل مشترك، حيث يُعين كل طرف مُمثلاً عنه.

لافتاً إلى أن تركيا وروسيا وسلطة دمشق، مستاؤون بشكل كبير من “قسد”، بسبب “سرقتها” مصدري الثروة الرئيسين في سوريا، النفط والحبوب، وهي تهمة لطالما وجهتها دمشق للإدارة الذاتية، التي أصدرت سابقاً مُبادرة أعلنت خلالها عن استعدادها لتقاسم ثروات البلاد، بشرط الوصول إلى اتفاق سياسي شامل لكل السوريين، يبدو أن سلطة دمشق عاجزة عن القيام به.

ولدمشق أيضاً شروطها

وبعيداً عن النقطة المشتركة بين دمشق وأنقرة، وهي مُعاداة “قسد” ومُحاولة النيل من كيانها، فقد أكد السفير السوري السابق لدى أنقرة، نضال قبلان، في الثامن من يوليو الماضي، على أن رأس السلطة في دمشق، والمُتمثلة بـ بشار الأسد، لن يلتقي بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق على الشروط الأساسية لسوريا، وأهمها خروج تركيا من الأراضي السورية.

وأوضح حينها قبلان في تصريحات لـوكالة “سبوتنيك” الروسية، بأن “الأهم بالنسبة لسوريا، هو ما يحدث على الأرض، والقرار الحقيقي يُتخذ من قبل الحكومة التركية وخاصة أردوغان، بالانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الشمال والشمال الغربي السوري، وهذا شرط سوري لا يمكن التفاوض عليه”.

كما أضاف قبلان آنذاك، بأنه لا يوجد اختراق جدي على طريق المُصالحة بين سوريا وتركيا، وأن الحديث الروسي عن خارطة طريق للمُصالحة يمكن اعتماده كأساس نظري، ولكن لا يمكن بدء أي محادثات دون خطوات عملية من الجانب التركي، لضمان التزاماته بالمطالبات السورية، وأولها “الانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها”.

وأكد كذلك الدبلوماسي السوري، أن هناك شروطًا أساسية يجب تحقيقها، بما في ذلك “وقف دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية”، وفتح المعابر الحدودية الرسمية بين البلدين، وعودة السيطرة السورية على طريق “إم 4” الاستراتيجي، الذي يربط الساحل السوري بحلب ومحافظات الشمال السوري.

مُحاربة “قسد” شرطاً للتطبيع.. ودمشق غير قادرة

لكن، كل الحديث السوري لم يجد آذاناً صاغية في أنقرة، التي عادت وذكرت دمشق بشرطها الأساسي، وهو مُحاربة قسد، مع إمكانية تجاهلها أو ترحيلها باقي المُطالبات لفترة لاحقة، حيث ربط متحدث رئاسي تركي، في الثالث والعشرين من يوليو، إحراز التقدم في مفاوضات التطبيع مع دمشق، بمُساهمة الأخيرة في قضايا تتعلق بـ”الأمن القومي التركي” ومُحاربة قوات سوريا الديمقراطية.

وذكر مدير الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين آلتون، إن تحقيق نتائج ملموسة في مُكافحة “الإرهاب” أمر “حتمي” لإحراز تقدم في التعامل مع بشار الأسد، رابطاً في تصريحه الذي نقلته صحيفة “ديلي صباح” المُقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، التقدم بالعلاقات، بانخراط دمشق في مُكافحة ما تعتبره تركيا “إرهاباً ” يُهدد حدودها الجنوبية، وهو ما لم يقصد به المُتحدث، الجماعات المُتشددة كتنظيم “داعش” و”جبهة النصرة\هيئة تحرير الشام” أو غيرها من التنظيمات الراديكالية، بل كان إشارةٍ مُباشرة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، الشريك المحلي للتحالف الدولي في مُحاربة “داعش”.

وللتعقيب على الإصرار التركي الساعي لإقحام دمشق في معركة قد تكون أكبر من قدراتها حالياً، قال السياسي السوري “عبد المسيح الشامي”، في حديث خاص إلى “منصة تارجيت”: “لا أعتقد أن التركي يستطيع أو يمكن له جرّ سوريا وجيش النظام، بشكل أو بآخر إلى مواجهة مباشرة مع قسد، فالمُعادلة أعقد من هذا بكثير، إضافة إلى أن النظام السوري ليس بوارد المُواجهات العسكرية، ولا بقادر على مُواجهة قسد، إذا كان الهدف هو مُواجهة مُفردة من قبل النظام السوري تُجاه قسد”.

مُستدركاً: “لكن إذا كان هنالك رغبة أو إمكانية لحل المشاكل بين تركيا وسوريا، وهنالك فرصة للمُصالحة وعودة العلاقات فعلاً، يمكن أن يكون هناك عمل مشترك، أي ربما يُساعد النظام، تركيا في مُواجهة قسد بطريقة عسكرية، لكنني أستبعد الأمر، لأنه مُعقد ومُرتبط بأمور أخرى، فالمُواجهة العسكرية مع قسد، ستستجر المُواجهة مع أمريكا، المُوجودة في مناطق الإدارة الذاتية، حيث تشرف على الجيش الموجود هناك، وقوامه 200 ألف عسكري، مُسلح بأسلحة أمريكية متطورة”.

بالون انتخابي وشروط تعجيزية

وحول الشروط التركية للتطبيع، والتي خُففت من أربعة بداية، إلى شرط أساسي وحيد مُتمثل بمُحاربة دمشق لـ قسد، ذكر السياسي السوري: “بالنسبة إلى تبدّل الشروط، بالأساس فكرة المُصالحة مع النظام السوري، كانت بالوناً انتخابياً لا أكثر ولا أقل، لم تكن جدية، فتركيا ليس لها مصلحة، ولا تريد مُصالحة نظام الأسد، لأنها لن تستفيد من تلك المُصالحة بشيء، والسؤال دائماً ما هي الفوائد، ما هي السلبيات وما هي الإيجابيات”.

مُتابعاً: “الأتراك يستثمرون في العداء مع سوريا، وفي الأزمة السورية ككل، يبتزون لتحقيق مكاسب من الأمريكان ومن الروس ومن الإيرانيين، ومن الدول الأوروبية، عبر قضية اللاجئين وقضايا الإرهاب، كل هذه الأمور بشكل أو بآخر ملفات تستثمر فيها تركيا، وتبتز لتحقيق مكاسب من كل العالم”، مُفسراً: “لذلك لا أعتقد أن الفكرة (المصالحة) كانت جدية بالأساس، بل كانت لإرضاء الشارع التركي الذي انهكته الأزمة الاقتصادية وتراجع قيمة العملة، البطالة وكل ما أفرزته الحرب، التي أدخل أردوغان تركيا بها”.

كما أشار عبد المسيح الشامي لـ”تارجيت” إلى الشروط التركية، كانت من الأساس تعجيزية، و”اليوم تم وضع العقدة في المنشار، وإطلاق رصاصة الرحمة عليها، بالتركيز على تلك النقطة بشكل أساسي”، أي (مُحاربة دمشق لـ قسد).

لا قدرة للبلدين بمُصالحة منفردة

“لا أعتقد أن تركيا بوارد الخروج من الأراضي السورية، وفقاً لطلبات النظام السوري” يقول السياسي السوري لـ”تارجيت“، ويُتابع: “كما أن النظام في المُقابل ليس بوارد تطبيق تغيير الدستور، وإجراء انتخابات نزيهة بإشراف دولي، ما سيعني إشراك المُعارضة في السلطة، إضافة إلى مُواجهة قسد”، واستطرد: “القضية مُرتبطة بملفات مُختلفة، وبشبكة مصالح لها علاقة بإيران وبأمريكا وروسيا وبإسرائيل، وهي مُعقدة جداً، ولا أعتقد أن البلدين يملكان القدرة والقرار على إجراء مُصالحة بمفردهما، حتى لو أرادا ذلك”.

وحيال حديث سفير دمشق السابق في أنقرة، عن رفض الأسد للقاء بأردوغان قبل الانسحاب من الأراضي السورية، لفت “الشامي” لـ”تارجيت” إلى أن “النظام السوري ليس له مصلحة في حل الأزمة السورية، ولا بوجود حل سياسي”.

مًبيناً: “إذا افترضنا جدلاً بأن الفكرة واردة من قبل الأتراك، هذا سوف يفضي بشكل إجباري إلى حل سياسي، وهو ما لا يريده النظام السوري، لأنه لا يريد إشراك أحد في السلطة، ولا يريد التنازل عنها، إضافة إلى أن قضية تعديل الدستور غير واردة بذهنيته، لأنه نظام قمعي ديكتاتوري، يدافع عن مصالحه فقط لا غير، وليس معنياً بحل مشكلة سوريا، ولا بإيجاد حل سياسي، كون الأخير يعني التزامات واستحقاقات داخلية وخارجية، وانتقال ديمقراطي، وجملة أمور ليست واردة في قاموس النظام، لذلك الطرفان، يلعبان لعبة إعلامية لا أكثر ولا أقل، والكل مُستفيد من اللعبة الإعلامية”.

سوريا ساحة صراع

وبخصوص إمكانية تعديل “اتفاقية أضنة” بين البلدين، كبوابة للتطبيع بين أنقرة ودمشق، لم يُبدِ “عبد المسيح الشامي” تَفاؤلاً، فقال لـ”تارجيت”: “كما يعرف الجميع، القضية مُرتبطة بملفات عالمية كبرى، وأقول بكل وضوح، بأنه لا يمكن حلّ الأزمة السورية أو الدخول إلى حل سياسي، قبل أن تُحل القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وروسيا، إن كان في أوكرانيا، أو حتى اليوم في افريقيا، وفي أماكن أخرى”.

ويعتقد “الشامي” بأن “سوريا لم تعد ملفاً، بل تحولت لساحة صراع ومنازلة سياسية وعسكرية، بدليل الحشود الأمريكية والبريطانية الحالية، في الجزيرة السورية، مُقابل التهديد الروسي”.

ونوّه السياسي السوري إلى أن “الساحات تبقى مفتوحة حتى تنتهي الصراعات والمشاكل الكبرى من جذورها”، كاشفاً: “لذلك لا أعتقد بأنه هناك أمل أساساً، ولا هو مسموح اصلاً لتركيا أو سوريا (بالمُصالحة)، لأن النظام السوري لا يملك قراره، فالقرار هو قرار إيراني بالدرجة الأولى، وروسي ربما بالدرجة الثانية، بينما لتركيا أيضاً مرجعيات مع حلف الناتو، ومع روسيا من جهة أيضا، ومصالح مختلفة”.

مُختتماً حديثه لـ”تارجيت“، بالقول: لا يمكن تشبيه دور أو استقلالية تركيا مع النظام السوري، فالأخير مسلوب الإرادة والسلطة بالمُطلق، فيما يوجد في تركيا بعض القرار الذاتي، لكن بهذه الملفات، لا يسمح لا لتركيا ولا غيرها، بأن تستفرد فيها بالحلّ”.

ورغم أن ما يُفرق دمشق وأنقرة أكبر مما يجمعهما، لكن ذلك لم يكن ليمنعهما من الالتقاء على تدمير أي خصوم داخليين للنظامين الحاكمين في البلدين الجارين، لولا وجود قوى عالمية رأت في وجودها بالمنطقة عموماً، مَصلحة أمن قومي بعيد المدى لها، وهو ما منح ربما شعوب المنطقة الفرصة لاستنشاق رياح التغيير، وإن كان الختام لا يزال مجهولاً.

 

 

قد يعجبك ايضا