تشهد مناطق شمال سوريا خلال الفترة القريبة الماضية حالة من التوتر المتصاعد جراء التهديدات التركية بغزو عسكري جديد، قابله إعلان قوات سوريا الديمقراطية، رفع جاهزيتها العسكرية للدرجة القصوى، كما أبدت استعدادها للتنسيق مع قوات حكومة دمشق لصد أي غزو تركي محتمل.
ويأتي ذلك مع دعوة قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، حكومة دمشق لاستخدام أنظمة دفاع جوي لصد المقاتلات التركية في حال أقدمت أنقرة على غزو جديد، مشيراً إلى أن أولوياتهم تتمحور في الدفاع عن الأراضي السورية، وأنه لا ينبغي لأحد السعي لاستغلال هذا الوضع لتحقيق مكاسب على الساحة.
بدوره، قال الرئيس السوري، بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية مع قناة “روسيا اليوم”، “إِنَّ سوريا ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها على الصعيدين الرسمي والشعبي، وَأَنَّ قوات الحكومة كبدت نظيرتها التركية خسائر خلال المواجهة بينهما قبل عامين”.
وفي حوار خاص مع المستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، وجهت منصة تارجيت الإعلامية عدة تساؤلات حول دعوة “قسد” حكومة دمشق للعمل معاً بمواجهة غزو تركي محتمل، وإذا ما كانت مناطق شمال وشرق سوريا أمام مرحلة جديدة من التفاهمات والتسويات بعيداً عن الصراع المسلح.
وفيما يلي نص الحوار :
كيف تنظر إلى دعوة “قسد” حكومة دمشق للعمل معاً في مواجهة غزو تركي محتمل؟
يجب على أي متابع لشؤون المنطقة والأوضاع في مناطق شمال وشرق سوريا، أن يعلم أن قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية تحتاج لأن تكون براغماتية لأقصى قدر ممكن، وذلك للتعامل مع الوضع الصعب التي تعيش فيه، حيث أنها محاطة بأكثر من عدو وتهديد، وحتى الأطراف المساندة لها وهنا أتحدث عن الطرف الأمريكي لا يمكن الوثوق به مئة بالمئة كما رأينا في السنوات الماضية، فمن الصحيح وغير المستغرب أن تتحلى “قسد” ببراغماتية واسعة النطاق وتعمل مع كافة الأطراف ولكن في ظروف معينة ولفترة محددة، وهنا يجب التحدث مع كافة الأطراف منها حكومة دمشق، لكن التنسيق الأساسي لـ “قسد” يأتي مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
هل الوصول إلى تفاهمات بين حكومة دمشق و “قسد” قد يؤدي مستقبلاً لاتفاقيات سياسية بين الطرفين؟
طبعاً لا يمكن التكهن بأي اتفاقيات سياسية موسعة أو كبرى تؤدي إلى تغيير الوضع السياسي الراهن في سوريا، فهذا الأمر يصعب التنبؤ به. الأحداث على الأرض والتغييرات الإقليمية هي التي
ستؤثر على اتخاذ قرار من هذا النوع، لكن يجب أن نكون واقعيين أيضاً فليس من مصلحة “قسد” أو أي دولة في الشرق الأوسط والعالم أن يكون لديها علاقة وطيدة مع “النظام السوري”، حيث تعمل الولايات المتحدة مثلاً مع “النظام” فيما يتعلق بجر الطاقة إلى لبنان وأيضاً بالمساعدات الإنسانية، لكن لا يعني ذلك أن هناك تفاهمات كبيرة وتغيير ملموس في العلاقات بين الطرفين.
هل ستكون التهديدات التركية دافعاً لتحمل حكومة دمشق مسؤولياتها بوقف أي غزو جديد على الأراضي السورية؟
لا أعتقد أن الحكومة السورية تستطيع تحمل مسؤولياتها، حيث أنها اعتمدت خلال السنوات الماضية على الدعم العسكري والمساعدات الإيرانية بالإضافة إلى الدعم الروسي السياسي والعسكري، وبالتالي فإن “النظام” لا يستطيع الوقوف وحيداً ضد التهديدات التركية في شمال سوريا، لأن الحديث خلال الفترة الأخيرة يتضمن إعادة توطين لاجئين سوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا وهؤلاء معروفون بأنهم معارضون للنظام، والسؤال هنا إذ كان “النظام السوري” فعلاً يقف ضد الغزو التركي ويرغب في دعم قوات سوريا الديمقراطية، ماذا يستطيع فعله في نهاية المطاف؟
هل تقف مناطق شمال وشرق سوريا أمام مرحلة جديدة من التفاهمات والتسويات بعيداً عن الصراع المسلح؟
أقولها دائماً إن تركيا دولة كبيرة في المنطقة جغرافياً وعسكرياً واقتصادياً، وهي الآن منشغلة فيما يجري بالعالم بدءا من الحرب الروسية ضد أوكرانيا وانعاكاساتها بمختلف الجوانب بالإضافة إلى توسيع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لذلك فعلى أنقرة من جهة والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من جهة أخرى، إيجاد حلول سياسية للمشاكل بينهما فليس هناك حل عسكري ملموس لهذه القضية. وإنما يجب أن يعلم الطرفان أنه من مصلحتهما التوصل إلى سلام وتبادل تجاري فالطرفان يكملان بعضهما بشكل أو بآخر نحن نتحدث عن أسواق تجارية وحدود مشتركة مهددة ومغلقة منذ سنوات، فالاستقرار الذي يجب أن يكون على الحدود هو أساسي لتنتقل مناطق شمال وشرق سوريا إلى المرحلة القادمة من التطور والازدهار والرخاء، وأيضاً تركيا يجب أن تجد حل يعتمد على الاتفاق والتفاهم مع الإدارة الذاتية لتصل إلى مرحلة تكون فيها أنقرة مطمئنة على حدودها الجنوبية دون وجود مشاكل سياسية وأمنية وبالتالي ستتفرغ تركيا للملفات والقضايا الدولية.