اجتماع أستانا.. صحيفة تركية تفضح المستور في  تفاهمات “أردوغان – الأسد”

القاهرة – محمد يوسف:

عقد مؤخراً في العاصمة الكازاخستانية نور سلطان الاجتماع 21 لمسار أستانا والذي كان على مدار يومين بمشاركة ما يسمى بوفود الدول الضامنة وهي روسيا وتركيا وإيران، ووفد يمثل حكومة دمشق وآخر يفترض أنه يمثل المعارضة السورية، والذي خلص إلى تأكيدات بشأن “محاربة الإرهاب وإنهاء الوجود الأجنبي وتأمين عودة اللاجئين”، بحسب ما جاء في أحد البيانات.

وكانت مصادر عدة تحدثت عن أن روسيا لم تكن متحمسة لانعقاد هذه الجولة، لا سيما أن الجولة الماضية لم تقدم جديداً، إلا أنها تراجعت أمام اتصالات مكثفة أجراها المبعوث الأممي إلى ليبيا جير بيدرسون والذي صمم على ضرورة انعقادها، على أمل أن تحرك شيء في المياه الراكدة بالأزمة السورية لا سيما في ظل انشغال المجتمع الدولي بتطورات الأوضاع في قطاع غزة.

تفهامات على حساب الكرد

وقد كان التأكيد واضحاً بين جميع الأطراف في ختام تلك المباحثات حول مكافحة الإرهاب، إلا أنه لم يُعلن أو يُكشف بعد طبيعة الإرهاب الذي يتحدثون عنه، لكن صحيفة “ديلي صباح” المقربة من النظام التركي سلطت الضوء أكثر بشأن مباحثات “أستانا” على مسار التقارب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد رئيس حكومة دمشق، والتي من خلالها يمكن استنتاج ما قصد بمسألة محاربة الإرهاب التي توافق عليها الطرفان التركي والسوري.

وأكدت الصحفية أنه قد تم قطع خطوات كبيرة في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وأنه لا ممانعة بين الطرفين في ذلك وهو الأمر الذي جرى النقاش حوله في مباحثات سابقة، إلا أن الأخطر اتضح في تركيز الصحفية التركية على أن هناك تقارب كبير في وجهات النظر بين أردوغان والأسد بشأن محاربة ما أسمته “الإرهاب”.

وقد أشارت في ذلك السياق إلى مناطق شمال وشرق سوريا، وهي المناطق التي يقطنها غالبية سكانية من الكرد وعدد آخر من الأقليات، مؤكدة أن رئيس حكومة دمشق يبدي تفهماً للمخاوف التركية تجاه تلك المناطق، في إشارة منها إلى أن لديهم قدراً من التفاهم يوحي بأن الكرد هم العدو المشترك الآن، وليس الجماعات الإرهابية الأخرى التي يدعمها النظام التركي مثل “داعش” أو فروع “القاعدة” وغيرها من التنظيمات الإرهابية.

صفقة لم تكتمل بعد

في هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي السوري عبدالرحمن ربوع، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن النظام التركي لديه توجهاً من العام الماضي بأن يكون هناك تنسيقاً بشكل أو بآخر مع حكومة دمشق للتعامل مع الوضع في مناطق شمال وشرق سوريا، بحيث تأخذ أنقرة ضوء أخضر لانتزاع السيطرة على تلك المناطق من الكرد أو من الإدارة الذاتية، وكل ذلك بغطاء عسكري وسياسي روسي – إيراني.

وأضاف “ربوع” أنه لا دمشق ولا أنقرة يعنيهما أمر الكرد في شيء، وإنما كل طرف يريد تحقيق مصالحه الخاصة، فحكومة دمشق لديها شروطاً أساسية لتنفيذ هذا الاتفاق أو التنسيق وعلى رأسها أن يتخلى النظام التركي عن دعم المعارضة في شمال غرب سوريا، وأن تتعاون أنقرة مع حكومة دمشق لمحاربة التنظيمات الإرهابية في إدلب، وانسحاب تركيا من كل الأراضي السورية وأن يحل الجيش السوري في المقابل بجميع تلك الأراضي.

ولفت إلى أن الجانب التركي في المقابل يرفض هذه الشروط ويعتبرها شروطاً تعجيزية، فالأتراك يريدون أن تدخل قوات بشار الأسد إلى مناطق شمال وشرق سوريا، أما الشمال الغربي فيتم التفاهم بشأنه لاحقاً، لأن الأتراك يخشون وقف الدعم والخروج من هذه المناطق فيحدث صدام بينهم وبين هذه الفصائل التي لا تزال تدعمها مثل هيئة التحرير الشام ما قد يخلق موجة نزوح كبيرة لا تتحملها الدولة التركية.

وأكد الكاتب الصحفي السوري أنه لا ممانعة في أي تنسيق بين أردوغان والأسد بشأن مناطق شمال وشرق سوريا أو على حساب الكرد، إلا أن الذي يمنع إتمام الصفقة أن حكومة دمشق ترى في هذا التوجه التركي فرصة يجب استثمارها وأن يتم التوصل إلى صفقة كاملة، وبالتالي هذه الصفقة المعني بها قوات سوريا الديمقراطية والكرد.

وتشن تركيا على مدار الأشهر الأخيرة عديداً من الهجمات التي أوقعت ضحايا من المدنيين الأبرياء فضلاً عن استهداف البنى التحتية والمصانع والمخابز والمشافي ومحطات المياه، ورغم أن مثل هذه الضربات تشكل انتهاكاً للسيادة السورية، إلا أن حكومة دمشق لم تحرك ساكناً أمام تلك الأزمات وكأن لديها ارتياحاً لما يقوم به العدوان التركي في تلك المناطق.

مقايضة سياسية

بدوره، يرى الدكتور محمد محسن أبوالنور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الخلافات ذابت بين بشار الأسد وأردوغان والأمر تحول إلى أشبه ما يكون بالمقايضة السياسية وهذه المقايضة تتمحور حول الملف الكري، إذ تتوحد حكومة دمشق مع أنقرة مع طهران حول ضرورة القضاء على فكرة الحكم الذاتي للكرد في شمال وشرق سوريا.

وأوضح “أبوالنور” أن إيران بدورها صاحبة مصلحة كبيرة في القضاء على الحكم الذاتي للكرد في سوريا، ولهذا هي التي أصرت وسعت لأن تجعل حكومة دمشق جزء من مباحثات أستانا، خصوصاً أن وضع الكرد أو إقليم روجافا هو أكثر ما يقلق الحكومات السورية والتركية والإيرانية، مؤكداً أن هذا الملف دفع حكومة دمشق للتنازل في كثير من الملفات لصالح الأتراك.

وأشار خبير السياسات الدولية إلى أن النظام التركي يخشى من فكرة الإدارة الذاتية، لأن نجاحها سيشجع الكرد داخل تركيا إلى محاولة القيام بنفس الشيء، بل والأخطر أن كرد تركيا ربما يكونون أكثر قوة مقارنة بأولئك الذين في سوريا، وبالتالي يمكن القول إن كل الدول التي يتواجد بها الكرد تتوافق على ضرورة إنهاء أي صورة للحكم الذاتي لهم.

وفي ختام تصريحاته، قال “أبوالنور” إنه يعتقد أن الخلافات لا تزال بين دمشق وأنقرة، وأنه قد جرت بينهم مقايضة سياسية تتمثل في وقف النظام التركي الدعم لبعض فصائل المعارضة، مقابل التنسيق المشترك في إسقاط الحكم الذاتي للكرد، وإيران بدورها مستفيدة وتدعم هذا الأمر، لأن هي الأخرى لديها مشكلة كبيرة مع الكرد.

وقد بدأت مباحثات أستانا بالأساس في يناير من عام 2017 برعاية تركيا وإيران وروسيا ومبعوث الأمم المتحدة وقتها سيتفان دي ميستورا، وكذلك كان هناك ممثلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تعاقبت الاجتماعات وأعلن في المرة الـ 20 انتهاء هذه المباحثات، لكن الدول الضامنة أكدت أنه يمكن أن يتم الدعوة إليها في أي وقت، ورغم أنها كانت بالأساس لبحث الأزمة السورية، إلا أنها تفرعت عنها ملفات أخرى منها العلاقات بين حكومتي دمشق وأنقرة.

قد يعجبك ايضا