“حرب المياه” تلقي بظلال سوداء على الواقع الصحي والخدمي في شمال سوريا

كوباني ـ عمر محمد

واقع مقلق تعيشها مناطق شمال وشرق سوريا مع حلول العام الجديد، مع استمرار تركيا بحبس حصة سوريا من مياه نهر الفرات لاسيما منذ شباط/ فبراير عام 2021 وانخفاض منسوب النهر بشكل كبير، ما انعكس على الكثير من المجالات لاسيما الزراعي والصحي وتوفير الطاقة.

وإلى جانب التداعيات السلبية لاستمرار حبس مياه الفرات من قبل تركيا على سوريا عموماً، يتأثر سكان منطقة كوباني بشكل أكبر بهذه التداعيات على اعتبار أنهم مجتمع زراعي يعمل أغلب أبنائه بالزراعة، ويعتمدون على مياه النهر في سقاية أراضيهم، التي تحولت أغلبها كما يروون إلى “بعل”، إلى جانب انعكاس نقص المياه على الجانب الحياتي والبيئي من حيث انتشار الأمراض والأوبئة بسبب تشكل المستنقعات المائية الملوثة.

“سياسة عدائية مختلفة تتخذها تركيا لتهجير المواطنين وحرمانهم من حق العيش” هذا ما افتتحت الرئيسة المشتركة للجنة الزراعة والري في “مقاطعة الفرات” – تقسيم إداري للإدارة الذاتية يضم مناطق كوباني ومنبج –  سوسن دابان حديثه في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، موضحة بأن انخفاض وارد مياه نهر الفرات من تركيا إلى سوريا خلق أزمة على الواقع الزراعي في المنطقة وزاد من معاناة الآلاف من الفلاحين الذين تنتشر أراضيهم على جانب نهر الفرات ويعتمدون عليه بشكل مباشر في سقاية أراضيهم.

وأشارت دابان، إلى أن آلاف الهكتارات في المنطقة من الأراضي المروية تحولت إلى بعلية، وازدادت نسبة حفر الآبار الجوفية في الآونة الأخيرة من قبل المزارعين نتيجة شح المياه السطحية جراء انخفاض منسوب نهر الفرات، وزاد الضغط على المزارعين لتوفير كميات كبيرة من المحروقات لتشغيل محركات الآبار ما زاد من الصعوبات التي تواجههم خلال زراعة أراضيهم.

وتقول الإدارة الذاتية وجهات حقوقية دولية، إن تركيا تنفذ “حرب مياه” وسياسة تعطيش ممنهجة ضد سكان مناطق شمال وشرق سوريا، بموازاة الحصار وسياسة التجويع والهجمات الجوية والبرية التي تستهدف المرافق الخدمية والحيوية ومنشآت البنية التحتية، في إطار مخطط لضرب مشروع الإدارة الذاتية ومحاولات توسيع دائرة الاحتلال بالمنطقة.

أكثر من 30 ألف عائلة تعاني من نقص مياه الشرب

وحول تداعيات خفض تدفق نهر الفرات على تأمين مياه الشرب بالمنطقة، أوضح الرئيس المشترك لمديرية مياه الشرب في “مقاطعة الفرات” مسعود بوزي لمنصة “تارجيت” بأن مضخات ضخ مياه الشرب إلى المنازل خرجت عن الخدمة لقلة الوارد المائي، ما دفع المديرية للجوء إلى طرق بديلة عبر وضع مضخات مياه أفقية جديدة ضمن مجرى النهر لسد حاجة المواطنين بنسبة متوسطة من مياه الشرب، وأن المديرية تستخدم مادة “الكلور” لتعقيم المياه التي تستخدم للشرب، موضحاً أن نحو 30 ألف عائلة، بحسب إحصائيات مديرية المياه بالمقاطعة، تعتمد على نهر الفرات في تأمين مياه الشرب.

وأدى انخفاض مناسيب مياه النهر وتشكل المستنقعات المائية وما تبع ذلك، لانتشار أمراض جلدية وحالات تسمم بشكل كبير في المنطقة، حيث أكد الناطق باسم لجنة الصحة في “مقاطعة الفرات” علاء الدين عطو خلال حديث لمنصة “تارجيت” بأن انتشار مرض اللاشمانيا وحالات التسمم جاء نتيجة استعمال البعض مياه النهر بشكل المباشر مع انتشار الذباب والملوثات في المستنقعات المائية، مشيراً إلى أن مستشفيات المقاطعة استقبلت خلال العام الجاري 9,992 حالة تسمم، و 2,753 حالة إصابة باللاشمانيا بسبب المياه الملوثة.

وطالب الناطق باسم لجنة الصحة في مقاطعة الفرات، المجتمع الدولي والجهات المعنية بالتدخل الفوري لوقف الممارسات التركية بحق سكان المنطقة، ودعم القطاع الصحي لمواجهة الأمراض التي يسببها نقص المياه والتلوث البيئي.

وتنساق الارتدادات السلبية لنقص مياه الفرات إلى جانب القطاعين الصحي والزراعي، على قطاع الطاقة أيضاً من حيث تخفيض ساعات تزويد السكان بالكهرباء بسبب نقص مخزون المياه في السدود اللازمة لتشغيل عنفات التوليد بطاقتها الكاملة، والاحتفاظ بالمناسيب المتبقية لمياه الشرب وتشغيل أطول وسط مخاوف من نفاد المخزون، في حال استمرار الجانب التركي بحبس حصة البلاد من المياه.

فقدان 75 % من المخزون الفعال لسد الطبقة

الإداري في غرفة عمليات سد الفرات عماد عبيد، أكد خلال اتصال هاتفي مع منصة “تارجيت” الإعلامية، أن الجانب التركي لا يمرر سوى 250 متر مكعب في الثانية من مياه نهر الفرات إلى سوريا من أصل 500 متر مكعب بالثانية هي حصة البلاد من مياه النهر بموجب الاتفاق الموقع بين البلدين إلى جانب العراق في عام 1987.

وقال عبيد، إن سد الفرات فقد أكثر من 75% من المياه المخزنة، وهناك معاناة في توليد الطاقة الكهربائية جراء نقص الوارد المائي وانخفاض المنسوب بمقدار 6 أمتار طولية، واقتراب النهر من المنسوب الميت الذي لا يسمح خلاله بالتشغيل، مشيراً إلى المعاناة التي يتكبدها المدنيون في المنطقة جراء ازدياد ساعات تقنين الكهرباء، إلى جانب تأثير الانخفاض على مياه الشرب والري.

وتندد منظمات حقوقية وإنسانية، باستمرار تركيا خفض حصتي سوريا والعراق من مياه نهري الفرات ودجلة، وتعتبر ذلك “جريمة” ومخالفة للقوانين الدولية التي تمنع قطع مياه الأنهار عن أي دولة، والاتفاقيات الموقعة بين الدول الثلاث والتي تحدد حصة كل بلد من مياه النهر، وضرورة التزام دولة المنبع بتوفير هذه الحصة، والامتناع عن بناء السدود على الأنهار بشكل يخالف الاتفاقيات الثنائية.

وإلى جانب حبس مياه الفرات، تقطع تركيا والفصائل التابعة لها بشكل متكرر مياه محطة “علوك” بريف رأس العين/ سري كانيه شمال شرقي سوريا بعد احتلالها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، والتي تغذي مدينة الحسكة وناحية تل تمر ومناطق في ريفيهما بمياه الشرب، وسط تنديد من قبل منظمات حقوقية عديدة على رأسها العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، اللتين حذرتا من مخاطر تهدد حياة أكثر من مليون شخص يعيشون بالمنطقة ويعتمدون على مياه المحطة.

وفي المقابل، تقول تقارير إن تركيا لا تعير اهتماماً لحملات التنديد والنداءات الدولية والحقوقية وتلك التي تطلقها الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا وتواصل حبس حصة سوريا والعراق من مياه الأنهار المشتركة وتبني السدود على تلك الأنهار، حيث بلغ عدد السدود التي بنتها على النهرين 22 سداً أشهرها سد “أتاتورك” على نهر الفرات.

قد يعجبك ايضا