سياسيون عن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية: تجربة ملهمة رغم عراقيل تركيا

صادقت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على العقد الاجتماعي بعد نحو عامين من العمل المتواصل والدؤوب لخلق بيئة أفضل من الإدارة لتلك المنطقة، وقد جاء بتوافق بين جميع المكونات، كمؤشر على مرحلة جديدة لما بعد القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي تستهدف تسهيل عمل المؤسسات والهياكل التابعة للإدارة في إطار نظام لا مركزي قائم على المساواة والعدل.

ويجمع كثير من السياسيين والمتابعين لما يجري في الأراضي السورية على أن تجربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تستحق الإشادة، لأنها تقدم نموذجاً لما يجب أن تقوم عليه المجتمعات لا سيما فكرة الإدارة التي تتسع للجميع على أساس المساواة وحقوق المواطنية، كما أن هذا يأتي رغم الهجمات التركية التي لا تتوقف والتي تستهدف القضاء على هذه التجربة الديمقراطية.

تجربة ديمقراطية رغم ممارسات تركيا

“تجربة ديمقراطية في منطقة مشتعلة”.. بتلك العبارة علقت الدكتورة فرناز عطية أستاذة العلوم السياسية على التصديق على العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية ودخوله خيز التنفيذ، قائلة، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تجربة الإدارة الذاتية ناجحة إلى حد كبير بصرف النظر عن الهجمات التركية والقلاقل التي تحدث بسبب محاولات النظام التركي لاقتطاع أجزاء من الشمال السوري.

وترى الدكتورة فرناز عطية أن تجربة الإدارة الذاتية تقدم نموذجاً لما ينبغي أن يكون عليه العقد الاجتماعي، فهي تعبر عن مزيج من الأطياف والعرقيات والديانات المختلفة استطاعوا معاً إقامة مجتمع وكذلك إدارة متكاملة، واستطاعوا تحقيق التعايش السلمي بشكل ديمقراطي، فلا يوجد تمييز وإنما علاقات قائمة على أساس عنصر المواطنة والحفاظ على حقوق كل شخص وكذلك كل منهم لديه واجباته.

وأكدت أستاذة العلوم السياسية أن الإدارة الذاتية أمام تحد كبير وصعب، لأنها تواصل تجربتها الملهمة في وقت يواصل أيضاً الجانب التركي ممارساته بهدف تشويه تجربة الإدارة الذاتية وعرقلتها بل والقضاء عليها، ورغم ذلك فقد أثبتت نجاحها، كما أنها تأتي في إطار منطقة تشهد صراعات وأزمات في الشرق الأوسط بصفة عامة، وبصفة خاصة المناطق الكردية التي تتعرض للضرب من وقت لآخر، لكن سكان تلك المناطق استطاعوا تنفيذ الأفكار على أرض الواقع.

وفي ختام تصريحاته، أكدت أن هذه التجربة تم ترجمتها من خلال فلسفة العقد الاجتماعي التي تهدف إلى تحديد ما لكل شخص أو مؤسسة أو جهة أو إدارة من حقوق، وكذلك تحديد ما عليها من واجبات، وهذا هو ملخص فكرة التعاقد أن يكون لدي واجبات يقابلها حقوق يتم بلورتها في شكل وثيقة معينة ثم تترجم تلك الأمور في شكل قوانين لإدارة المجتمع.

وقد صاغت العقد الاجتماعي لجنة مكونة من 150 شخصية تعبر عن كافة المكونات في مناطق شمال وشرق سوريا من كرد وعرب وسريان وآشوريين وأرمن وتركمان وشيشان ومسلمين ومسيحيين وإيزيديين، وقد تم أخذ آراء مواطني تلك المنطقة والمؤسسات الإدارية والعسكرية، وبعد التصديق عليه فإنه يشكل خطوة أيضاً نحو إجراء انتخابات محلية في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا.

تأكيد الانتماء إلى سوريا

بدوره، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تضمن في المباديء الأساسية مجموعة من المواد التي استوقف عندها، وفي مقدمتها المادة 5 التي تؤكد أن الإدارة الذاتية جزء من جمهورية سوريا، وهذا بند يحمل ردوداً كثيرة على كل من يتهمون أصحاب هذه التجربة بأنهم يسعون إلى الانفصال عن الدولة السورية، لكنهم أكدوا تمسكهم بالانتماء لها رغم ما تمر به.

وأضاف “العبيدي” أن كثير من مواد العقد الاجتماعي أكدت على فكرة المواطنة والمساواة في الحقوق واحترام كافة الأديان والمكونات والعرقيات وفكرة، وترسيخ القيم المشتركة القائمة على فكرة الأمة الديمقراطية لمختلف شعوب المنطقة ضمن نظام ديمقراطي مجتمعي حر وعادل يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص، دون تمييز أو تهميش أو إقصاء لأي هوية.

واعتبر المحلل السياسي العراقي أن تجربة مناطق شمال وشرق سوريا تكمن أهميتها كذلك في أنها قفزت على الصعاب التي تواجه الدولة السورية في مجملها والتي تعاني منذ عام 2011، لتحقق قدراً من الحياة الكريمة لسكان تلك المناطق، كما أن مثل هذه المباديء ستفتح الباب أما مزيد من النهضة الفكرية واجتماعية، وكذلك تنظيم الحياة والهياكل الإدارية ، وكذلك مسألة اقتسام الثروات وآليات استخدامها والاستفادة منها.

تجربة الأمة الديمقراطية

بدوره، يقول هاني الجمل المحلل السياسي المصري إن فكرة العقد الاجتماعي تقوم بالأساس على أفكار رسخ لها القائد عبدالله أوجلان تتمحور حول مفهوم الأمة الديمقراطية، النظرية التي تقوم على أساس تقاسم نفس الحقوق والحريات دون تمييز أو إقصاء لأي طرف، والتعايش المشترك والوطن الذي يتسع للجميع.

وأضاف “الجمل”، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أنه من الأمورالتي توقف عندها كذلك في الإعلان عن العقد الاجتماعي الحضور المميز للمرأة، في انعكاس لأفكار القائد عبدالله أوجلان التي قدست وأكدت أهمية المرأة ووجودها، حتى أن ديباجة العقد الاجتماعي استهلت بجملة “نحن بنات” شمال وشرق سوريا، وأكدت مواد العقد مراراً حقوق المرأة، حتى أن المادة 50 اعتبرت أن كل العنف ضد المرأة أو استغلالها أو فرض التمييز السلبي عليها جرماً يعاقب عليه القانون.

وأكد المحلل السياسي على أن العقد الاجتماعي في مناطق شمال وشرق سوريا، تجربة تمنح المجتمع حالة من الثراء والتنوع الفكري وترسخ لمزيد من التطور والارتياح بين شعوب تلك المنطقة، فمن المعروف أن المجتمعات التي تقوم على أساس الديمقراطية والحرية وتنبذ الإقصاء والتهميش أو محاولات التغيير الديمغرافي تشكل مناخاً إيجابياً للإبداع والابتكار وتطلق العنان لكل الطاقات الإيجابية، معتبراً أن فكرة العقد الاجتماعي ملهمة لا سيما أنها تأتي في منطقة تعاني كثيراً من الأزمات.

ويتكون العقد الاجتماعي الذي تم التصديق عليه من 134 مادة موزعة على 4 أبواب إلى جانب ديباجة هي جزأ لا يتجزأ منه، كما أكد بصفة عامة على مسألة الانتماء للدولة السورية، بل إن المادة 133 أكدت أن هذا العقد قابل للتعديل حال التوافق على دستور ديمقراطي في سوريا، وقد قدمت المواد المختلفة تصوراً شاملاً حول إدارة الحكم فيه هذه المنطقة بشكل مستقل، وفي نفس الوقت الحفاظ على الانتماء إلى الدولة السورية.

قد يعجبك ايضا