مخاوف من التصحر.. قلة الأمطار وحبس تركيا للفرات تفاقم معاناة مزارعي الرقة

كنان إسماعيل-الرقة

 

تتفاقم معاناة المزارعين في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا مع بدء الموسم الزراعي من كل عام، في ظل عدم القدرة على ري محاصيلهم بسبب النقص الكبير في مياه نهر الفرات الذي يعتمد عليه سكان المنطقة في الري، على خلفية توالي سنوات الجفاف وحبس تركيا حصة سوريا من مياه النهر منذ عام 2020.

ويحذر الخبراء والمزارعون من مخاطر تهدد القطاع الزراعي بالمنطقة والذي يعتبر أبرز القطاعات المعمول بها من قبل السكان، واتجاه حوض الفرات إلى مزيد من الجفاف، إلى جانب انخفاض المناسيب في السدود المقامة على النهر لأكثر من مترين، وما تبع ذلك من توقف المحطات التي تغذي قنوات الري على النهر، وأضرار أخرى في قطاع الطاقة وتوليد الكهرباء.

مخاطر تهدد القطاع الزراعي

“المياه لم تجر في قنوات الري منذ سنوات والأراضي الزراعية بالمنطقة باتت تعتبر في عداد البعل” هذا ما يرويه شعبان علي أحد مزارعي محافظة الرقة خلال حديثه لمنصة “تارجيت” الإعلامية، ويقول بلهجته المحلية: “أراضينا قام تخرب من قلة المي وتعزيل المصارف”، مضيفاً أنهم يعانون من نقص واضح في مياه الفرات بسبب حبس تركيا للمياه، ومطالباً الجهات المعنية بتعزيل المصارف والأقنية وزيادة الري.

بدوره، يعتبر المزارع حسن العكلة من أبناء قرية المشرفة بريف الرقة، خلال حديث لـ”تارجيت”، أن عدم وجود ري يعني فقدان الزراعة وفقدان لقمة العيش والمورد السنوي، واصفاً قلة الوارد المائي من تركيا في نهر الفرات بـ”الكارثي” على المنطقة، في حين يقول المزارع رعد المحيميد، وهو من أبناء منطقة كسرات بريف الرقة بأن نقص المياه يفاقم معاناة الفلاحين والقطاع الزراعي، في ظل رخص أسعار المحاصيل الشتوية قياساً بارتفاع أسعار المحروقات والسماد وغيرها، إلى جانب أن المياه بالمنطقة جوفية وبعيدة، لذلك يعتبر في حديث لمنصتنا أن الري مطلب وضرورة لأبناء المنطقة.

ارتفاع نسبة الملوحة بالتربة

وإلى جانب ذلك تنسحب قضية نقص المياه وقلة الأمطار على مشاكل أخرى تتعلق بارتفاع نسبة الملوحة في التربة وخروج مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية عن الاستثمار بسبب مشكلة تصريف المياه الجوفية، على اعتبار أن تربة المنطقة “جبسية” وهي أكثر عرضة للتأثر بالملوحة خاصةً أن غالبية الأراضي تقع في سرير نهر الفرات.

وبشأن نقص الوارد المائي من تركيا، قال مدير غرفة العمليات لسد الفرات عماد عبيد: “إن هناك معاهدة دولية موقعة عام 1987 بين سوريا والعراق وتركيا تنص على أن يمرر الجانب التركي 500 متر مكعب بالثانية من المياه عبر نهر الفرات إلى سوريا، ولكن منذ أكثر من عامين لم يمرر سوى نصف الكمية أي ما يقارب 250 متر مكعب بالثانية”، موضحاً في تصريحها لـ”تارجيت” أن الكمية التي تصل من تركيا تستنزف عبر التبخر وتشغيل مضخات مياه الشرب وجزء لمياه الري، مشيراً إلى أنهم يتبعون نظام التقنين للحفاظ على تشغيل السدود واستمرارية عملها بسبب نقص الوارد المائي.

وأوضح عبيد، “أن المنسوب الأعظمي لبحيرة الفرات هو 304 متر فوق سطح البحر، لكن المنسوب الحالي هو 298 متر أي تم فقدان 6 أمتار وبالتالي أصبحنا على بُعد مترين من “المنسوب الميت” وهو 296 الذي لا يسمح به بتشغيل مجموعات التوليد. وبالتالي توقف السد” مردفاً في نفس الحين بأن السعة الإجمالية للبحيرة هي 14 مليار متر مكعب في حين لا يتجاوز المخزون خلال هذه الفترة 10 مليارات متر مكعب، بسبب حبس المياه من الجانب التركي.

ومن جانبه، يؤكد رئيس قسم التشغيل في لجنة الزراعة والري شيخ نبي خليل بأن نقص المياه يؤدي لزيادة الملوحة في الأراضي الزراعية وخروج مساحات واسعة منها عن الاستثمار في ظل ارتفاع نسبة الملح والجبس بأراضي المنطقة بشكل كبير، واصفاً حصول محافظة الرقة على 45 متر مكعب بالنسبة الـ”قليلة جداً” قياساً بمساحة الأراضي الزراعية.

وأشار شيخ نبي إلى معاناتهم من نقص الآليات لتنظيف المصارف وإنشاء مصارف جديدة في المشروع والنقص العام في النواعير لتنظيف مجاري الصرف الجوفي التي تتراكم فيها الأتربة وتؤدي لخروجها عن الخدمة، موضحاً أنهم يحاولون قدر الإمكان إيصال المياه لنهاية الأقنية والجمعيات لري الأراضي، وتحدث عن عدم القدرة على تأمين الاحتياج المائي للمشروع بسبب قلة المخزون في السد وعدم الالتزام بالخطة الزراعية من قبل الفلاحين ما تسبب بعجز وضرر في نهايات الأقنية وخاصة بالمناطق الشرقية، محذراً من أنه في حال استمرار الوارد المائي على هذا الحال فإنه لن يتم خلال الموسم الزراعي الجديد تأمين سوى 50% أو أقل من المخصص المائي الذي تم تأمينه للمشروع في 2023.

وبحسب لجنة الزراعة والري في الرقة، تبلغ مساحة الأراضي الزراعية بالمحافظة ما يقارب 400 ألف دونم، يروى منها 100 ألف بالآبار الارتوازية، في حين تبلغ مساحة الأراضي المروية من قنوات الري والأنهار نحو 300 ألف دونم، ويعتمد سكان المنطقة على الزراعة كمصدر دخل أساسي، حيث يزرعون بشكل أساسي القمح والشعير والقطن والذرة إلى جانب الخضروات.

يذكر، أن تركيا تحبس منذ شباط/ فبراير عام 2020 حصة سوريا والعراق من مياه نهر الفرات، رغم حملات التنديد الواسعة والمطالبة بإطلاق حصة البلدين بموجب الاتفاقية الموقعة التي تحدد حصة كل بلد، والتزاماً بالقوانين الدولية التي تحدد حصص الدول في مياه الأنهار المشتركة، وسط تحذيرات متكررة تطلقها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومنظمات حقوقية وإنسانية من كوارث إنسانية وبيئية وطبيعية تهدد المنطقة في حال استمرار قطع المياه، والمطالبات بتدخل دولي لإجبار الجانب التركي على إطلاق المياه.

وأنشأت تركيا 22 سداً على نهري دجلة والفرات بواقع “14 سداً على الفرات و8 على دجلة” أبرزها سدا “أتاتورك وإليسو”، رغم والتحذيرات من تأثيرها المحتمل في إحداث الزلازل، والتنديد بما تقود إليه من حبس حصتي سوريا والعراق من المياه، والذي يتمثل بتراجع مساحة الأراضي والإنتاج الزراعي في سوريا وتصحر أكثر من 50% من منطقة الأهوار جنوبي العراق ونفوق مئات الآلاف من المواشي ونزوح سكان الأرياف نحو المدن، وفق ما توثق جهات رسمية ومنظمات دولية.

قد يعجبك ايضا