تقارب متسارع مع قطر وتركيا.. هل تعيد مصر رسم خريطة تحالفاتها الإقليمية؟

ما بين الحربين الروسية – الأوكرانية وغزة تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية في خارطة التفاعلات والاتصال بين الدول والتي تعرف اختصاراً باسم “الإقليمية الجديدة”، وقد أتى التطور الكبير في مسار العلاقات بين مصر وقطر وتركيا خلال الأشهر الماضية بعد سنوات من القطيعة كأحد أبرز علامات تلك التحولات.

وظهر المنحى الجديد في العلاقات بين مصر وقطر وتركيا مع أحداث قطاع غزة والاتصالات المستمرة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على نحو أثار عديداً من علامات الاستفهام لا سيما حول ما يعتقده البعض بأن القاهرة تعيد رسم خريطة تفاعلاتها، فبعد أن كانت ثلاثية “مصر – السعودية – الإمارات” أصبحت الآن “مصر – قطر – تركيا”.

لهذه الأسباب كانت القطيعة

وقد توترت العلاقات بشكل كبير بين مصر في مواجهة قطر وتركيا بداية من 30 يونيو عام 2013، حين خرجت احتجاجات ضخمة في كافة أرجاء جمهورية مصر العربية ضد حكم جماعة الإخوان ومساعيها للهيمنة على كافة مفاصل الدولة ضمن ما يعرف بـ”التمكين”، والأخير ارتبط بالإقصاء لكل من لا ينتمي للجماعة، ما خلف حالة كبيرة من الاستقطاب زادت طين التدهور الاقتصادي والخدمي في عهدها بلة.

وأمام تلك الاحتجاجات العارمة التي كانت تهدد الدولة المصرية بشلل تام وانهيار متسارع وربما توقعات بصدام وصراع أهلي، تدخل الجيش المصري والذي كان يقوده وزير الدفاع وقتها الفريق أول عبدالفتاح السيسي وأعلن خارطة طريق تقوم على حل الدستور وإجراء انتخابات مبكرة، وقد رفضت الجماعة تلك الخارطة ووصفتها بـ”انقلاب عسكري على الشرعية الديمقراطية”.

وهنا تحركتا قطر وتركيا حلفاء ورعاة تنظيم الإخوان في المنطقة على الفور وشنتا هجوماً ضارياً على السلطة الجديدة في مصر التي كان يقودها بشكل مؤقت المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا، كما قادتا تحركات دولية تهدف إلى حصار الإدارة المصرية الجديدة وعودة الجماعة مرة أخرى، واستقبلتا الدوحة وأنقرة عناصر الجماعة الفارين ووفرتا لهم المنابر الإعلامية وكافة أشكال الدعم والتمويل.

وقد أثارت تلك التصرفات من قبل الدولتين حفيظة القاهرة – سلطة وشعباً – على نحو دفع الأولى إلى إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وتركيا وطرد سفيريهما، وردتا الأخيرتان بالمثل، لتستمر تلك القطيعة لقرابة عقد، ثم لأسباب كثيرة عادت تدريجياً وإن كانت بشكل أسرع بين الجانبين المصري والقطري مقارنة بتلك التي مع الجانب التركي.

دبلوماسية القاهرة تقدم تفسيراً

في هذا السياق، يقول محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن التقارب المصري – القطري – التركي هو جزء من دبلوماسية القاهرة القائمة على الانفتاح على جميع الأطراف، ومصر دائماً تسعى إلى إقامة علاقات تعاون وود، كما أن نهج الرئيس المصري يقوم على فكرة البناء والتنمية وليس الصراع والفرقة.

وأضاف “الشناوي” أنه لذلك فإن مصر تسعى على كافة الصعد إلى مد الجسور ووصل حبال الود مع كل الدول، وقطر وتركيا دولتان مهمتان لمصر تحديداً وفي كثير من الملفات، معرباً عن تصوره بأن الأزمة التي كانت في العلاقات كان لا بد لها أن تمضي في وقت من الأوقات مع تهيئة الظروف الملائمة لاستعادة العلاقات.

وأكد على أن هذا هو الطبيعي لأن هناك كثير من الملفات الشائكة بينهم، والجميع يعلم ذلك وعلى رأس تلك الملفات كان التشكيك في شرعية النظام السياسي المصري ووصفه بـ”الانقلاب”، ومسألة دعم الإسلام السياسي السياسي بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص في كلتا الدولتين، وإن كانت الدوحة كانت تقول إن ملف الإخوان ملف إنساني أكثر منه سياسي، ولكن على كل الأحوال لا تزال هناك ملفات عالقة لا سيما بين مصر وتركيا تحديداً، فالوضع بين القاهرة والدوحة كان يتعلق بالهجوم الإعلامي المستمر ضد الأولى من قبل الثانية، وكذلك ملف الإخوان.

أما بالنسبة لتركيا، يقول الكاتب الصحفي المصري البارز إن خلافاتها مع مصر كانت تتمحور حول ملفات عدة على رأسها ملف غاز شرق المتوسط والتدخل التركي في ليبيا وملف دعم تنظيم الإخوان وفتح النوافذ الإعلامية التي تهاجم مصر بشكل مستمر، لكن أنقرة قدمت كثيراً من إجراءات بناء الثقة ومحاولات نزع فتيل التوتر، لكنها لا تزال خطوات غير كافية.

وأشار “الشناوي”، في ختام تصريحاته، إلى أن هناك من يرى أن التقارب المصري – القطري – التركي هو إعادة إحياء لمحور سني قد تنضم إليه السعودية لاحقاً في إطار المواجهة مع إيران أو المد الشيعي، لكنه لا يتفق مع هذا الطرحً، مؤكداً أن “مصر السيسي” دولة منفتحة وتمد يدها للجميع ما لم تكن هناك قضايا شائكة لم يتم التوصل فيها إلى حلول.

إشكاليات رئيسية وملفات عالقة

ولعل واحدة من تعقيدات الأزمة التي طالت العلاقات بين مصر في مواجهة قطر وتركيا أنها لم تكن قاصرة على إطار حدودهم، وإنما أخذت بعداً إقليمياً وجغرافياً، فقد امتدت إلى ليبيا الجارة لمصر، حيث عملتا الدوحة وأنقرة على دعم تيارات الإسلام السياسي وتنظيمات متشددة تسيطر على غرب ليبيا، في المقابل حرصت القاهرة على دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر شرق البلاد وكذلك مجلس النواب الليبي، في إطار دبلوماسية مصرية ترى أن وجود مؤسسات ليبية متماسكة وموحدة خير وسيلة لسد ثغرة مهمة تطال تأثيراتها الأمن القومي المصري.

كما امتدت الأزمة والخلافات كذلك إلى الأوضاع في سوريا، إذ رفضت مصر بشكل دائم ومستمر التدخلات التركية في الأزمة السورية، وكذلك التواجد العسكري التركي هناك، وأيضاً الدعم التركي – القطري المقدم لتنظيمات إرهابية ومتطرفة لعبت دوراً تخريبياً بارزاً، كما أخذت الأزمة منحنى أكثر حدة بين القاهرة وأنقرة بسبب تباين وجهات النظر حول ثروات الغاز في منطقة شرق المتوسط، ما دفع الجانب المصري إلى تعزيز علاقاته مع قبرص واليونان المناوئتان للنفوذ التركي.

ليس هذا فحسب، فقد شهدت السنوات الماضية حتى وقت قريب تحالفاً رباعياً عربياً يضم مصر والسعودية والبحرين ضد السياسات القطرية وصل إلى حد انضمام هذا الثلاثي العربي إلى القاهرة في قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام القطري، فيما تحالف النظام التركي في المقابل مع الدوحة لدرجة وصل فيها الأمر إلى تواجد عسكري تركي في الأراضي القطرية، كما استعان النظام القطري كذلك بإيران في مواجهة أشقائه العرب.

تحولات في السياسة الخارجية المصرية

يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في تصريحات لمنصة “تارجيت”، إن السياسة الخارجية المصرية طغت عليها أحداث عدة في الفترة الماضية أثرت بالتأكيد على اتجاهاتها وتوجهاتها، أي كان هناك نحالف كبير يضم السعودية والإمارات إلى جانب مصر وكانت تتقاسم نفس التوجهات وتحقيق مكاسب مشتركة وشكلوا ركائز عربية مهمة.

ويرى “إسماعيل” أن الأزمة الفلسطينية ألقت بظلالها ورأينا أن هناك فاعلين غير الرياض وأبوظبي ولهم دور مؤثر في هذه الأزمة وعلى رأسهم قطر والتي تكتسب أهمية تنبع من أمور عدة أبرزها احتضان الدوحة ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية منذ عام 2008، واستضافت عديداً من قيادات حماس عبر أراضيها، وبالتالي أي ترتيبات تتعلق بالحركة لا بد أن تتم من خلال الدوحة، وكذلك ما يتعلق بترتيبات عملية السلام.

وحول الدور التركي، يقول الخبير السياسي المصري إن هذا الدور مساند للترتيبات بين القاهرة والدوحة بشأن الملف الفلسطيني، كون أنقرة هي الأخرى تستضيف عدداً من قيادات حماس، إضافة إلى البعد الخاص بالموقف التركي وعلاقات أنقرة بكافة الأطراف بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي نحن نتحدث عن مثلث مصري – قطري – تركي أصبح أكثر فعالية وتأثيراً في ملف غزة وتفوق صوته مقارنة بالصوت السعودي – الإماراتي.

وفي الخامس من يناير عام 2021 بدأت العلاقات بين قطر ومصر تشهد تحسناً ملحوظاً بعد قمة العُلا التي عقدت في المملكة العربية السعودية، وصولاً إلى تبادل السفراء بين القاهرة والدوحة، وهو العام ذاته الذي شهد ما عرف بالمباحثات الاستكشافية بين القاهرة وأنقرة كذلك والتي أفضت في نهاية المطاف إلى تبادل السفراء بين الجانبين وعودة العلاقات الدبلوماسية.

أسباب سياسية وأخرى اقتصادية للتقارب

ويرى بعض المراقبون أن الأمر لا يقتصر على مسألة الانفتاح الدبلوماسي المصري فقط، بل أن مصر كغيرها من دول العالم تأثرت بقوة بالتداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا ثم الحرب الروسية – الأوكرانية على نحو يدفعها إلى البحث عن منافذ جديدة توفر حلولاً اقتصادية واستثمارية، فيما تحدث آخرون عن أن التقارب المصري مع الدولتين يرتبط بخلافات كامنة مع الجانب السعودي لم تتضح ملامحها بعد.

في هذا السياق، يقول عبداللطيف حامد عضو مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال الصحفية المصرية، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن بحث مصر عن نوافذ اقتصادية جديدة حتى لو بالتعاون مع الدوحة وأنقرة لا يعيبها، لا سيما أن الجانبين القطري والتركي تراجعا عن كثير من سياساتهما تجاه المنطقة أو على الأقل تجاه الجانب المصري، ويمكن القول إنه قد باتت هناك مساحة للحوار والتعاون ستنعكس على أزمات المنطقة لا سيما ليبيا وسوريا وقبل ذلك الأوضاع في فلسطين.

وأضاف “حامد” أن الحديث عن تشكل تحالف مصري – قطري – تركي بدلاً من التحالف المصري – السعودي – الإماراتي وأن يكون الأول على حساب الثاني أمر به قدر من المبالغة، لأن العلاقات المصرية – السعودية – الإماراتية عميقة وضاربة في التاريخ ولا صحة لوجود خلافات بينهم، وإنما الأمر يأتي في إطار الحرص المصري على تنويع دوائر العلاقات الخارجية طالما أن التزام بعد التدخل في الشأن المصري أو الإضرار بالدول العربية.

ويعتبر الكاتب الصحفي المصري أن هذا التطور يرتبط بقدر كبير بمفهوم الإقليمية الجديدة، حيث تعيد كثير من دول المنطقة حساباتها وتسعى إلى تبريد أزماتها وفتح مساحات أكثر رحابة للتعاون تتيح الجلوس والتفاوض بشأن الملفات الخلافية والتوصل إلى حلول مرضية لجميع الأطراف، مشيراً إلى أن هذا يتزامن في نفس الوقت مع نوع من الاستدارة والتراجع النسبي لدى أنقرة عن سياساتها، وهو توجه له بالأساس أبعاداً اقتصادية لدى الجانب التركي.

قد يعجبك ايضا