عاد الاحتلال التركي ليصعد من هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا مستهدفاً المدنيين والعسكريين والمرافق الحيوية عبر القصف المدفعي والطيران المسير، مخلفاً خسائر بشرية وأضرار مادية كبيرة، بعد موجة تصعيد عنيفة ضد البنى التحتية الأساسية في المنطقة مطلع الشهر الماضي أدت لخروج أغلبها عن الخدمة.
مدفعية الاحتلال التركي والفصائل التابعة له، جددت قصفها على عدة قرى بريف منبج خلال الأسبوع الماضي والجاري، ما أسفر عن أضرار مادية كبيرة بالممتلكات، تزامناً مع استهداف طائرة مسيرة تابعة للاحتلال مدنيين أثناء عملهم في قطاف الزيتون بريف منبج ما أسفر عن إصابة شخصين، وقصف مسيرة أخرى سيارة في حي الغسانية الجديد قرب دوار الشمسية في المدينة، وذلك بعد ساعات على تعرض مرآب للآليات في ناحية صرين بمنطقة كوباني لقصف تركي.
والأسبوع الماضي، أكدت مصادر محلية من منبج، أن الاحتلال والفصائل التابعة له استهدفوا بالمدفعية الثقيلة قرية عون الدادات شمال شرقي المدينة، ما أسفر عن فقدان مدنيين اثنين لحياتهما وإصابة نحو 20 آخرين، جرى نقلهم إلى مستشفيات المنطقة لتلقي العلاج.
التصعيد في منبج ومناطق ريف حلب، تزامن مع آخر في كل من عامودا والقامشلي ورميلان أقصى شمال شرقي سوريا، حيث قصفت مسيرة للاحتلال التركي سيارة “جيب” أمام إحدى محطات الوقود في مدينة عامودا، ما أدى لفقدان مدني لحياته وإصابة اثنين آخرين، تزامناً مع استهداف سيارتين أخريين في القامشلي ورميلان.
دعوات لتدخل دولي
ومع تكثيف الاحتلال هجماته، أصدرت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بياناً نددت فيه بتلك الهجمات التي قالت إنها ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتتعارض مع القوانين الدولية، محذرةً من أن استمرارها من شأنه خلق وضع إنساني ومعيشي سيء وتشكيل تهديد للأمن والاستقرار ودفع المنطقة نحو الفوضى والإرهاب، وداعيةً لتدخل دولي لوقف هذه الهجمات، في حين أصدر حزب سوريا المستقبل بياناً تلي خلال مؤتمر صحفي أعرب خلاله عن استنكاره لاستمرار الهجمات التركية وصمت المجتمع الدولي إزاءها.
وبموازاة التصعيد العسكري التركي، تواصل “الفرقة الرابعة” في قوات حكومة دمشق حصارها الخانق على حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب ومناطق بريف المدينة الشمالي، وتمنع دخول المحروقات والأدوية والمواد الأساسية إلى هذه المناطق، وسط تحذيرات من كوارث إنسانية تهدد حياة مئات الآلاف هناك، بينهم مهجرون من منطقة عفرين المحتلة يتواجدون في مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
توقف العملية التعليمية
ومع استمرار الحصار، أصدرت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في ريف حلب الشمالي، قراراً بتعليق الدوام في كافة المدارس والمعاهد بالمنطقة، وقالت في تعميم: “إنه ونتيجة للأوضاع التي تمر بها منطقة عفرين والشهباء وعدم توفر المحروقات ووقود المواصلات نتيجة الحصار من قبل قوات حكومة دمشق، فقد تقرر تعليق الدوام في كافة المدارس والمعاهد حتى إشعار آخر”، مضيفة أن الإغلاق سيشمل 68 مدرسة ومعهداً وبالتالي حرمان 14 ألفاً و500 طالب من تلقي التعليم، وأنها تعمل على إيجاد بدائل للدوام المدرسي من خلال التعليم عن بعد، إلى حين فك الحصار وحل مشكلة انعدام الوقود.
عضو المجلس الرئاسي في مجلس سوريا الديمقراطية إبراهيم الثلاج قال في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن المدنيين والمهجرين في ريف حلب الشمالي، يعانون أوضاعاً إنسانيةً صعبة، في ظل الحصار المفروض من قبل قوات حكومة دمشق على المنطقة، الذي ينعكس على قضايا المأكل والمشرب والملبس والجانب الصحي، في ظل غياب شبه تام للمنظمات الإنسانية”.
ويضيف الثلاج: “أن الحصار يترافق مع قصف متكرر ينفذه الاحتلال التركي على المنطقة، الذي يزيد من معاناة المدنيين هناك، الذين في أغلبهم هم مهجرون من منطقة عفرين ويعيشون في مخيمات أنشأتها الإدارة الذاتية، مشدداً على أن هذا القصف هو استمرار للسياسة التركية ضد المنطقة، ومؤكداً في الوقت نفسه أنهم في مجلس سوريا الديمقراطية يستنكرون هذه السياسات والممارسات بحق المدنيين من قبل تركيا وحكومة دمشق، ويدعون إلى تدخل دولي لوقفها”.
وتؤكد تقارير حقوقية وإعلامية من مناطق ريف حلب الشمالي، أن المنطقة تشهد انقطاعاً تاماً للتيار الكهربائي بعد أن كانت الكهرباء تتوفر بمعدل ساعين يومياً، على خلفية الحصار المفروض على المنطقة من قبل قوات حكومة دمشق من جهة والفصائل التابعة لتركيا من جهة أخرى التي تعمل على تهجير السكان لإفراغ المنطقة خدمةً لمشروع التغيير الديمغرافي الذي بات من الواضح بحسب توثيق جهات حقوقية أبرزها المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن تركيا تعمل عليه بشكل ممنهج في الشمال السوري.
وكان المرصد، قد أفاد في تقرير الأسبوع الماضي، أن حواجز “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات حكومة دمشق، تمنع دخول المحروقات إلى مناطق ريف حلب الشمالي منذ عدة أيام، ما تسبب بتوقف عدد من الأجهزة في مستشفى عفرين الوحيد بالمنطقة عن العمل، إلى جانب توقف مؤسسات مدنية عديدة ومعظم خطوط النقل، مشيراً إلى أن الأفران ومحطات وخزانات المياه في المنطقة مهددة بالتوقف في أي لحظة بسبب النقص الكبير في الوقود، ولافتاً في الوقت نفسه إلى “المطالب التعجيزية” من قبل قوات حكومة دمشق والقوات الروسية من أجل السماح بدخول المحروقات للمنطقة.
تزامن التصعيد والحصار
وتشير مصادر محلية بريف حلب الشمالي، إلى تكرار تزامن التصعيد من قبل الاحتلال التركي والحصار من قبل قوات حكومة دمشق على المنطقة، وأن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ذلك، حيث سبق وأن شددت “الفرقة الرابعة” من حصارها على الشيخ مقصود والأشرفية وريف حلب الشمالي بالتزامن مع تكثيف الاحتلال هجماته في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، ما يثير التساؤلات حول ترتيبات وصفقات قد يكون تم التوصل إليها بين الجانبين تتعلق بتضييق الخناق على المدنيين ومحاولة رسم خارطة سيطرة جديدة تتعلق بمناطق النفوذ.