بعد 30 ساعة فقط من عودته إلى العمل، خرج مطار العاصمة السورية دمشق عن الخدمة مجدداً يوم الأحد، جراء غارات إسرائيلية هي الرابعة على المطار خلال أقل من شهرين، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد أن القصف تزامن مع آخر طال موقعاً عسكرياً في منطقة المزة ما أسفر عن 3 ثلاثة عناصر من قوات حكومة دمشق.
ومن جانبها، نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مصدر عسكري بقوات حكومة دمشق، أن قصفاً إسرائيلياً طال مطار دمشق الدولي أدى لأضرار في مدرجه وخروجه عن الخدمة، مشيرةً إلى أن الدفاعات الجوية السورية تصدت لعدة صواريخ إسرائيلية، وأنه جرى تحويل جميع الرحلات المجدولة في المطار إلى مطار اللاذقية الدولي.
وكانت وزارة النقل في حكومة دمشق، أعلنت في الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي خروج مطاري دمشق وحلب الدوليين عن الخدمة إثر غارات إسرائيلية، وذلك بعد إعلانها في الثاني عشر والخامس عشر من الشهر ذاته تعرض المطارين لقصف جوي إسرائيلي أدى لأضرار في مدرجيهما وخروجهما عن الخدمة، في تصعيد هو الأعنف من قبل تل أبيب ضد المطارين تزامناً مع الحرب في قطاع غزة.
ورغم أن المطارات الدولية في سوريا وخاصةً مطاري دمشق وحلب، أصبحت هدفاً للقصف الإسرائيلي منذ حزيران/ يونيو عام 2022 بعد أن كانت بعيدة عن الاستهدافات الإسرائيلية على مدى سنوات الأزمة السورية، إلا أنه لوحظ في الفترة الأخيرة وخاصة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس بغزة، تزايد وتيرة الهجمات بشكل كبير ضد المطارات، ومحاولة إبقائها خارج الخدمة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تتبن أي هجوم على المطارات السورية، إلا أن مسؤوليها يصرحون باستمرار أنهم لن يسمحوا لإيران بالتموضع على الحدود الشمالية للبلاد ونقل وتوريد الأسلحة إلى سوريا ولبنان، كما أن الجيش الإسرائيلي أعلن مسؤوليته عن هجمات نفذت مؤخراً على أهداف عسكرية جنوبي البلاد، رداً على إطلاق صواريخ من الأراضي السورية على الجولان السوري المحتل، محذراً حكومة دمشق أنها ستكون مسؤولة عن أي استهداف لإسرائيل من سوريا.
ويرى مراقبون للشأن السوري، أن إسرائيل تريد من وراء استمرار استهداف مطار دمشق الدولي وإبقائه خارج الخدمة، إرسال رسائل لأكثر من طرف ليس فقط إيران، وأنها تعتبر أن سوريا هي الخاصرة الرخوة والساحة الأنسب لإيصال هذه الرسائل على اعتبار أن أي استهداف مباشر ومؤثر لإيران أو جماعة حزب الله اللبناني قد يقود إلى اتساع دائرة الصراع بالمنطقة، إلى جانب أنها تريد منع طهران من استخدام المطار كطريق لتوريد الأسلحة، في ظل انشغال الجيش الإسرائيلي بالحرب مع حركة حماس في قطاع غزة.
سيطرة إيرانية كاملة على مطار دمشق
وتقول رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي في هذا السياق: “إن القصف الإسرائيلي يتكرر على مطار دمشق الدولي لأنه أصبح تحت سيطرة كاملة من قبل الميليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا، وعبر هذا المطار تصل شحنات الأسلحة من إيران، وإسرائيل تعرف تماماً هذا الأمر، لذلك تريد تعطيل مدرجات هذا المطار لوقف توريدات الأسلحة التي ما فتأت تصل من إيران منذ عشرات السنين، حيث أن طائرات سياحية كانت تحمل شحنات الأسلحة منذ عهد حافظ الأسد والد بشار الأسد”.
وتضيف البقاعي في حديث لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “أن هناك دائماً ضربات مرافقة نسمع عنها بشكل متكرر على قواعد تخزين الأسلحة المتواجدة في أكثر من مكان في سوريا، وكما هو معلوم إسرائيل لديها خارطة كاملة لمخازن الأسلحة الإيرانية التي بحوزة الميليشيات وتضربها باستمرار، فالقرار الإسرائيلي هو تدمير القوة التسليحية للميليشيات بسوريا كما في لبنان وأي مكان بالمنطقة وهذا جزء من الخطة بمنع إيران من القيام بأي نوع من الاعتداء على إسرائيل ومنع تكرار ما حدث في غزة”.
عجز حكومة دمشق
ونوهت البقاعي إلى أن خروج مطار دمشق الدولي عن الخدمة هو شيء طبيعي في دولة مثل سوريا، فيها حكومة غير قادرة على إدارة البلاد، واستقدمت المحتل من أجل أن يبقى النظام في السلطة، مشيرةً إلى أن سوريا محتلة روسياً وإيرانياً وهناك جيوش نظامية وميليشيات غير نظامية موجودة على الأرض، وعليه فعن أي مطار وأي دولة نتحدث، في ظل وجود عاصمة بدون أهلها التي شرد وقتل وهجر مئات وآلاف منهم ومن سكان سوريا عموماً، التي أصبح نصف شعبها مهجر خارج البلاد، ونسبة كبيرة منه نازحون في الداخل، ومن بقي في مناطق سيطرة النظام هم من لا حول لهم ولا قوة، وهم صامتون ليس لأنهم راضون عما يحدث لكن ليس لديهم بدائل الآن”.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية عن إدانتها للهجوم الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي ووصفته بالاستفزازي، محذرةً من أن مثل هذه الهجمات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، إلا أن تقارير إعلامية كانت قد تحدثت عن تفاهمات روسية إسرائيلية وغض طرف من قبل موسكو عما يمكن تسميته “إبقاء مطار دمشق معطلاً” خلال هذه الفترة، في إطار مساع روسية لإرضاء إسرائيل ومحاولة حرمان إيران من استخدام المطار لتوريد الأسلحة وتعظيم نفوذها أكثر مما هو مرسوم في سوريا”.
وتعليقاً على ذلك، اعتبرت رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي، أنه من الممكن جداً أن يكون هناك تفاهم روسي إسرائيلي على إبقاء المطار خارج الخدمة، لأن روسيا تمتلك القرار السياسي في سوريا بينما إيران تمتلك قرار القتال، ومن مصلحة روسيا تقديم العون لإسرائيل في هذه المرحلة خاصةً بعد أحداث غزة”.
وعلى ضوء كل هذه التطورات، يبدو أنه لا مناص أمام السوريين من الرضوخ لحقيقة والقبول بواقع أن بلادهم أصبحت ساحة لتصفية الحسابات وبريداً لإرسال الرسائل بين الدول، في ظل عجز من قبل حكومة دمشق التي أصبحت بحسب محللين مسلوبة الإرادة والقرار، وعدم وجود أي بوادر لحل الأزمة السورية التي تجاوزت اثني عشر عاماً”.