على مدار أكثر من 20 عاماً أدار فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده وهو يبني جانباً مهماً من شعبيته على أنه “نصير المستضعفين” وتزداد دعايته تلك عندما يتعلق الأمر بالأوضاع في فلسطين، لا سيما تأكيده المتواصل خلال الأسابيع الماضية أنه يقف إلى جانب قطاع غزة ويدعو لمحاكمة قادة الاحتلال، لكن واقعة كانت قريبة في البرلمان التركي جاءت لتقدم دليلاً جديداً على زيف مواقفه تجاه شعب الحجارة.
ففي قرار يسير عكس اتجاه المواقف التركية المعلنة رسمياً، صوت الائتلاف الحاكم – والمكون من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية – ضد مشروع قرار قدمته الهيئة البرلمانية لحزب السعادة المعارض يدعو للتدقيق في حجم ومحتوى البضائع التركية المصدرة إلى إسرائيل ومدى تأثيرها على الحرب في غزة، لا سيما أن منها الصلب الذي قد يستخدم في صناعة الأسلحة التي يضرب بها الاحتلال سكان القطاع.
المعارضة وضعت أردوغان في موقف محرج
وتقول تقارير اقتصادية، بحسب وسائل إعلام تركية، إن صادرات تركيا إلى إسرائيل يغلب عليها الصلب والنفط، وهي المواد التي تستخدم في العدوان على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، والذي خلف أكثر من 15 ألف قتيل فلسطيني وأكثر من 35 ألف مصاب وجريح وتقريباً دُمرت كافة مناحي الحياة لنحو 2.4 مليون شحص.
في هذا السياق، قال مصطفى كايا عضو البرلمان عن حزب السعادة إن المواطنين الأتراك يحاولون بذل قصارى جهودهم لمقاطعة إسرائيل، ومقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل أو تلك التي لها أصول إسرائيلية، معتبراً أن دولته لا تتخذ التدابير اللازمة والخطوات الضرورية لتحقيق هذا الغرض في ظل زيادة حجم الشحنات التي تصدر إلى إسرائيل منذ بداية الصراع الحالي.
وكشف عضو البرلمان التركي عن مرور أكثر من 300 سفينة ومئات من طائرات الشحن عبر الموانيء والمطارات التركية حاملة الوقود والمواد الغذائية والنفط الخام والصلب والحديد والمنسوجات والأسمنت وغيرها من المنتجات إلى إسرائيل، في وقت تشير إحصائيات جمعية مصدري الصلب التركي إلى أن أنقرة تلبي 65% من احتياجات السوق الإسرائيلية من الصلب.
انتهازية وبيع للأوهام
تعليقاً على ذلك، يقول الدكتور رمضان أبوجزر مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث ببلجيكا إن موقف الائتلاف الحاكم في تركيا أو حزب العدالة والتنمية ليس مستغرباً، فمعروف أن الرئيس التركي يبيع الأوهام، فيخاطب الدول العربية بلغة ويتعامل مع الإسرائيليين بلغة أخرى، وهو من سعى لخراب الدول العربية، وحتى لما تصالح مع مصر لم يكن صادقاً في ذلك.
وأضاف “أبوجزر”، في اتصال هاتفي لـ”منصة تارجيت الإعلامية”، أن كل أفعال “أردوغان” بشأن فلسطين غير صادقة، حتى لما تحركت السفينة مرمرة تنصل ممن عليها بعد فترة عندما طلب منه التحرك لأجلهم لكنه قال إنه لم يسمح لمن توجهوا على متن السفنية بذلك وبالتالي لا يتحمل مسؤلويتهم، وهذا أمر يعبر عن حالة الازدواجية لدى الرئيس التركي التي يمارسها مع الجميع بما في ذلك الدول الأوروبية.
وقال الخبير السياسي البلجيكي إن “أردوغان” كثير الأقوال بالنسبة لفلسطين قليل الأفعال، فرغم كل ما يقول ويعلن، فإن دولته هي الشريك الاقتصادي الأكبر لإسرائيل في الشرق الأوسط، وحتى في فترة قطع العلاقات مع إسرائيل التي كانت خطوة في العلن فقط كانت العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب عند أعلى مستوياتها، ولم يأخذ يوماً موقفاً حقيقياً ضد إسرائيل، بل أيضاً لديه علاقاته القوية بزعماء اليمين المتطرف في إسرائيل، مشيراً إلى أن الرئيس التركي عندما زار إسرائيل كان ذلك في ظل حكومة بنيمين نتنياهو الذي يقترف الجريمة تلو الأخرى الآن بحق الشعب الفلطسيني.
وقال “أبوجزر” إن مواقف الرئيس التركي من فلسطين عبرت بكل صدق عن المواقف الانتهازية لتنظيم الإخوان الدولي، الذي رغم كل ما حدث في غزة لم يصدر منه أي قرار واحد يخدم الشعب الفلسطيني، وتنظيم الإخوان ذاته هو الذي أعلن الجهاد في سوريا قبل سنوات بدلاً من أن يعلن الجهاد في فلسطين ضد المحتل الإسرائيلي، مؤكداً في ختام تصريحاته أنه بالتالي ليس هناك أي غرابة بالنسبة له مما حدث في البرلمان التركي.
الصلب التركي وصناعة الأسلحة الإسرائيلية
وفي هذا السياق أيضاً، قال يونس إيمري النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض إن تركيا صدرت نحو 1.4 مليار دولار من الصلب إلى إسرائيل في عام واحد فقط، مشيراً إلى أن الصلب هو المادة الأساسية في صناعة الأسلحة التي تستخدم لقتل أطفال فلسطين، لافتاً كذلك إلى أن 65% من الصلب الذي تحتاجه تل أبيب يأتي إليها من تركيا.
بدوره، يقول ياسر أبوسيدو القيادي بحركة فتح الفلسطينية، في اتصال هاتفي لـ”منصة تارجيت الإعلامية”، إنه من الطبيعي أن نرى مثل هذه المواقف من الائتلاف الحاكم في تركيا، فبشكل مبسط إذا نظرنا إلى الاقتصاد التركي نجد أن السياحة التركية تقوم بصفة رئيسية على السائحين الإسرائيليين، ومصلحة أنقرة اقتصادياً مع تل أبيب، مؤكداً أنه على قناعة تامة أن الرئيس التركي يكذب عندما يقول إنه سيقاطع إسرائيل وسيفضحها، فهذه مجرد تصريحات للاستهلاك.
وقال “أبوسيدو” إنه في الدبلوماسية من المعروف أن هناك أقوال تصدر لكن ما قد يتم أسفل الطاولة يكون عكس ما هو معلن تماماً، موضحاً أن تركيا عندنا قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كان ذلك ضمن إطار معين، وللعلم هناك بعض الدول تتفق على أشياء ما تكون للإعلام والاستعراض فقط بينما ما يجري في الواقع والحقيقة على العكس.
وشدد القيادي الفلسطيني على أنه يجب على الشعوب العربية أن تضع في الاعتبار أن الأتراك يكرهون العرب، وذلك لأنهم يتصورون أن العرب هم سبب سقوط الإمبراطورية العثمانية ويتهمونهم بالخيانة، ولم يتصور الأتراك للحظة أنهم سبب تأخر الدول العربية والمنطقة، عندما نهبوا العلماء ورحلوهم إلى الأستانة وغيرها.
يذكر أنه في العام الماضي قد صرح وزير الخارجية التركي أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل قد تجاوز 10 مليار دولار عام 2021، وزعم أن تحسين العلاقات بين أنقرة وتل أبيب سيساهم في تحقيق السلام في المنطقة، وهو التصريح الذي أعقبه عدوان إسرائيلي على القطاع بعده بثلاثة أشهر تقريباً، كما أن ما يجري في غزة حالياً يؤكد أنه لم يتحقق أي سلام مما تحدث عنه.