على مدار الأيام الماضية كانت تركيا موضع حديث لدى الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد أن تمت مداهمة لمنزل مسؤول سابق في الخطوط الجوية التركية يقيم في نيويورك على خلفية تحقيقات فساد تتعلق بشبهة تمويل غير مشروع قدمته الحكومة التركية لحملة عمدة نيويورك إيريك آدامز، مقابل التغاضي عن بعض اشتراطات السلامة لإنشاء ما يعرف بـ”البيت التركي”.
وبحسب المعلومات التي تداولها عدد من وسائل الإعلام الأمريكية، تعود علاقات “آدامز” بالحكومة والمجتمع التركي إلى سنوات مضت، فمن قبل كان رئيساً لمدينة بروكلين وخلال تلك الفترة عمل بنشاط على استمالة الأعضاء الأثرياء من الجالية التركية في جنوب بروكلين، وهو بنفسه كشف عن أنه زار تركيا ست مرات على الأقل.
تورط مسؤول سابق بالخطوط الجوية التركية
تفاصيل التحقيق تروبها صحيفة “نيويورك تايمز “الأمريكية، في تقرير حديث، والتي تقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) فتش منزل جينك أوكال المدير التنفيذي السابق لشركة الخطوط الجوية التركية ضمن تحقيق يتعلق بما إذا كانت الحملة الانتخابية لعمدة نيويورك إريك آدامز عام 2021 تآمرت بشكل أو بآخر مع الحكومة التركية لتلقي تبرعات أجنبية غير قانونية.
وقد أثار هذا التحقيق انتباه الرأي العام، عندما قام عملاء فيدراليون أمريكيون بمداهمة في الصباح الباكر من يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني لمنزل بريانا سوجز، مسؤولة جمع التبرعات لرئيس بلدية بروكلين، وهي مستشارة الحملة كما أنها تعرف بجهودها الكبيرة التي تبذلها لدعم الأجندة التي ينفذها عمدة نيويورك.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، نقلاً عن العديد من الأشخاص المطلعين على الأمر، أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي قاموا يوم الجمعة الماضي بتفتيش منزل أوكال في نيوجيرسي، وتقول إنه قد عمل ضمن فريق رئيس البلدية، بالإضافة إلى “سوجر” وكذلك رنا عباسوفا مساعدة السيد آدامز في مكتب الشؤون الدولية، كجزء من التحقيق.
فساد يتعلق بمخالفات في مبنى “البيت التركي“
وعملاء “إف بي آي” الذين نفذوا المداهمة ينتمون إلى وحدة الفساد العام، وقد أتى ذلك ضمن تحقيق واسع النطاق في شبهة ارتكاب فساد من قبل حملة عمدة نيويورك، وكجزء من التحقيق، يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدّعون الفيدراليون في مانهاتن بفحص ما إذا كان “آدامز” قد أجبر مسؤولي إدارة الإطفاء للموافقة على مبنى شاهق بنته الحكومة التركية في مانهاتن على الرغم من المخاوف المتعلقة بالسلامة.
وقد افتتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما يسمى بـ”البيت التركي” المكون من 35 طابقاً، والذي كلف أنقرة ما يقرب من 300 مليون دولار، خلال زيارة إلى مدينة نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021، وبحسب صحيفة “تروكيش مينيت” التركية فقد رافق الافتتاح انتقادات بأنه كان من الممكن تخصيص الأموال على نحو أفضل من ذلك أي بتكلفة أكل، خاصة وأنه في هذا الوقت كان طلاب الجامعات في تركيا يحتجون على ارتفاع تكلفة السكن.
وتقول نفس الصحيفة إن “آدامز” الذي زار تركيا 6 مرات كانت له زيارة عام 2015 وقد تم دفع تكاليفها من قبل القنصلية التركية، وفقاً لنماذج الإفصاح المالي، والتي بررت التكفل بتلك الرحلة بأنها كانت لمناقشة اتفاقية ما مع المسؤولين الأتراك، كما أنه كان أحد الحضور في فعالية نظمتها السيدة الأولى أمينة أردوغان في البيت التركي يوم 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ كانت في نيويورك على هامش مشاركة زوجها في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
التحريات قد تطال شخصيات تركية أخرى
في هذا السياق، يقول الإعلامي والمحلل السياسي الأمريكي عاطف عبدالجواد، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن المداهمة تأتي كجزء من تحريات موسعة بشأن ما إذا كان رئيس مدينة نيويورك قد استلم تبرعات من مصادر أجنبية والمقصود هنا الحكومة التركية لتمويل حملته الانتخابية في عام 2021.
وأضاف أنه رغم ان التحريات لم تسفر حتى الآن عن توجيه تهم إلى رئيس المدينة، فإن اتساع نطاق هذه التحريات لتشمل أطرافاً تركية أو من حملة رئيس المدينة تؤشر على أن هناك احتمالات كبيرة في وقوع مخالفات قد تطال شخصيات تركية في نيويورك أو برئيس المدينة نفسه، الذي كانت السلطات قد صادرت هاتفه الجوال وأجهزة إلكترونية أخرى لتعقب اتصالاته سواء الهاتفية أو على الإنترنت.
ويوضح الإعلامي الأمريكي أن التهم المحتملة تدور حول ما إذا كان رئيس المدينة قد ضغط على إدارة الإطفاء في مدينته للتصديق على بناء عمارة تركية شاهقة افتتحها الرئيس التركي شخصياً في المدينة رغم هواجس السلامة والأمن، لافتاً إلى أن “آدامز” اعترف بصلاته القوية والقديمة بتركيا وزيارته لها العديد من المرات وضمه بعض الأثرياء الأتراك في نيويورك للمشاركة في إدارة وتمويل حملته الانتخابية.
وفي ختام تصريحاته أكد الدكتور عاطف عبدالجواد، أن التحريات الموسعة تعني أن تهم الفساد قد تلحق ببعض الشخصيات سواء التركية أو الأمريكية، حتى لو نجا رئيس مدينة نيويورك شخصياً من هذه التهم، مشيراً إلى أنه في ظل أن التحريات لا تزال مستمرة، وبالتالي لا يمكن التكهن بما قد تسفر عنه في النهاية.
جدير بالذكر أنه في عام 2021 تم اتهام 6 أشخاص بتقديم تبرعات غير قانونية لحملة آدامز، وكان من بينهم ضباط شرطة سابقون عمل معم في شرطة نيويورك، إذ اتهموا بأنهم استخدموا أسماء مستعارة حتى لا يعلم أحد بتبرعاتهم، وقد خرج من تلك الاتهامات إذ نجح الادعاء في أن يقنع المحققين بأن هذه التبرعات جرت دون علمه، وربما مداهمة منزل رئيس الخطوط الجوية التركية السابق يكون قد أتى في إطار تلك الاتهامات.