فشلت فصائل المعارضة السورية المسلحة على مدار سنوات الحرب السورية، في توحيد صفوفها لأسباب عدة، تتعلق بالاختلافات الفكرية والسياسية بينها، وعدم وجود رؤية مشتركة لمستقبل سوريا، وعدم الالتزام بالمؤسسات والهياكل المشتركة، بجانب التدخلات الخارجية من قبل الدول الداعمة للمعارضة، التي فرضت شروطها أو مصالحها، بجانب عدم وجود ضمانات أو آليات لحماية حقوق الإنسان والحريات العامة في المناطق التي تسيطر تلك الفصائل عليها، والتي أدت إلى انتهاكات وفوضى واستياء شعبي.
هذه إضافة إلى النزعة المناطقية والعشائرية والقومية لدى الفصائل، إذ تتنافس على النفوذ والموارد والشرعية، وهو ما جعل من الصعب تشكيل جبهة موحدة، وأضعف قدرتها على الحفاظ على مناطق سيطرتها، لولا الضغط التركي عليها، للظهور بمظهر الجسد الواحد.
تشكيل جديد بلا طعم
لكن يبدو أن توحيد الفصائل، بات غطاءً تستتر به “هيئة تحرير الشام\جبهة النصرة”، لتبرير تمددها في شمال حلب، بعد أن كان مركز ثقلها محصوراً في محافظة إدلب فقط، إذ شهدت منطقة ريف حلب الشمالي، في الخامس من نوفمبر الجاري، تشكيل كيان عسكري جديد باسم “القوة الموحدة” ضم الجبهة الشامية، فرقة المعتصم، وهي ميليشيات موالية لتركيا، مع تجمع الشهباء، المعروف بولائه لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً).
والواضح أن الهدف من ذلك التشكيل، هو تعزيز النفوذ العسكري والسياسي لتلك الميليشيات، ومواجهة الميليشيات المنافسة، حيث مثل التحالف تحولاً في مواقف بعض الميليشيات التي كانت تنتمي إلى “الجيش الوطني السوري”، حيث تظهر النصر أكثر انضباطاً من الفصائل العاملة تحت راية ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، ولعل ذلك ما دفع الفصيلين الآخرين للتحالف مع تجمع الشهباء، بغية تأمين حماية نفوذها من باقي الفصائل.
فيما لم تستقبل قيادة ما يسمى “الجيش الوطني السوري”، التشكيل الجديد بالترحيب، واعتبرته تجاوزاً لسلطاتها ومحاولة لتقوية النزعة الفصائلية، ما حمل إنذاراً بإمكانية تصعيد الصراعات والانقسامات.
كيف تستخدم تركيا جبهة النصرة في شمال حلب؟
أما تركيا الراعية لما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري”، فهي شاهدة على تمدد النصرة من إدلب إلى شمال حلب، ولا تحرك ساكناً في مواجهة ذلك، كونها قد ترغب باستخدام جبهة النصرة لتعزيز مصالحها وأهدافها في سوريا، والتي تشمل، مواجهة الإدارة الذاتية، التي تعتبرها تركيا تهديداّ لأمنها القومي وسلامة أراضيها المزعومة، حيث يقول مراقبون أن تركيا تعتبر جبهة النصرة، قوة موازنة عسكرياً لـ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مقابل الشرذمة التي تعاني منها فصائل “الجيش الوطني السوري”، وإخفاقاتها الإدارية والعسكرية في تحقيق أي إنجاز ذاتي.
وهناك العديد من التقارير الإعلامية التي تناولت علاقة تركيا وجبهة النصرة في سوريا، والتي أشارت إلى أن تركيا تدعم أو تتسامح مع هذا التنظيم المتطرف، الذي تعتبره الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
ففي العاشر من فبراير العام 2019، عرض موقع سكاي نيوز عربية، تقريراً بعنوان “تركيا وجبهة النصرة… مخطط “التعويم” يتكشف”، والذي نقل عن مصدر في المعارضة السورية، أن تركيا تسعى إلى تحويل جبهة النصرة إلى حركة سياسية، على غرار ميليشيات حزب الله اللبناني، وأن تركيا تقدم لجبهة النصرة الدعم المالي والعسكري واللوجستي، وتسمح لها بالتحرك عبر حدودها، وتحميها من الضربات الجوية الروسية والأمريكية.
ووفق ذلك التقرير، كانت تركيا تهدف من علاقتها مع النصرة، إلى تأمين منطقة آمنة في الشمال السوري، والتغلب على الاعتراضات الروسية، التي تسعى لعملية عسكرية في إدلب، بجانب استغلال تركيا لتفاهمات أستانة، بغية تعزز وجودها العسكري في إدلب، ودعم المسلحين الموالين لها، ومحاولة منح جبهة النصرة صبغة سياسية.
النصرة موجودة بكامل شمال حلب
وللحديث عن إعلان تشكيل “القوة الموحدة”، الذي ضم الجبهة الشامية، فرقة المعتصم، وتجمع الشهباء المعروف بولائه لجبهة النصرة، قال “عمار الواوي”، أمين سر الجيش الحر، الذي تشكل في بدايات الحراك الشعبي بسوريا، وخاض الكثير من المعارك ضد القوات النظامية في سوريا: “هذا الكيان لن يدوم طويلاً، وانهار عند أول اقتتال على معابر التشليح، وظهرت حقيقة تجمع الشهباء وولائها المطلق للجولاني وتبعيتها للنصرة”.
وحول ما حصل بعد الاقتتال على معبر الحمران، منتصف سبتمبر الماضي، إن كان قد انتهى بتراجع النصرة أم تمددها تحت راية فصائل أخرىـ أوضح الواوي لـ تارجيت بأن “النصرة لم تخرج أصلاً من المنطقة”، وبيّن أن “فصيل أحرار الشام يتبع لها، والجميع يعلم ذلك”، مردفاً: “عندما تقاتلت إحدى الفصائل مع أحرار الشام، دخلت النصرة إلى عفرين، وحاولت الوصول إلى إعزاز، وفرضت شروطها بعودة جميع مقرات أحرار الشام إلى وضعها الطبيعي، بعد أن سلبتها منهم إحدى الفصائل”.
مؤكداً: “النصرة موجودة حالياً بكل المناطق المحررة، وخاصة بعد أن بايع أبو عمشة وسيف بولاد، الجولاني نكاية بفصيل لواء التوحيد سابقاً”.
كل تحركات الجولاني بقرار وموافقة تركية
وبخصوص مزاعم بعض التقارير، حول رفض تركيا للتشكيل الجديد، لفت الواوي إلى أن “الجيش الوطني للأسف اسم فقط، لأن قادة المليشيات يعملون بشكل مُستقل وقراراتهم مستقلة، لا تتبع لوزارة الدفاع أو وزير الدفاع، بل قرارتهم يأخذونها من المخابرات التركية بشكل مباشر”، مردفاً: “فأبو عمشة وسيف بولاد، لا يحركان قواتهما إلى أذربيجان دون قرار تركي، ولا يرسلونهم إلى ليبيا دون قرار تركي”.
مشدداً: “كل حركة تحركها الجولاني وفصيله الإرهابي هي بقرار وموافقة تركية، لأن سلاح الجولاني من تركيا، ودعمه المالي من تركيا، وحكومة الجولاني فيما يسمى بحكومة الإنقاذ هي بقرار من تركيا، ورواتبهم من تركيا، ومعبر باب الهوى تحت السيطرة التركية-الجولانية، من أجل استمرار إمداد الجولاني بالدعم المالي والعسكري واللوجستي”.
وأشار أمين سر الجيش الحر، في حديثه لـ تارجيت، إلى أن “الجولاني مَن يحمي طريق M4، والدوريات المشتركة الروسية-التركية، ولا يمكنه إطلاق طلقة واحدة على النظام دون قرار تركي، كما لا يستطيع الجولاني أن يُخالف تعليمات المخابرات التركية، لأنه إن فعل ذلك، تستطيع تركيا تصفيته خلال دقائق، لأن حمايته وتحركاته تكون بعلم المُخابرات التركية”، وختم بالقول: “الجولاني عبارة عن كركوز تحركه المخابرات التركية وفق مصالحها”.
ويبدو أن تركيا تضرب عدة عصافير بحجر واحد، من خلال السماح للنصرة بالتمدد في شمال حلب، فهي تضع قوة منظمة أكثر بمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، ومن ناحية أخرى، تتجنب الضغط الدولي بخصوص رفض تمدد التنظيم الإرهابي، إضافة إلى ضغطها على المليشيات التابعة لها، لتحقيق المزيد من الطاعة العمياء، تحت طائلة محاسبتها من قبل النصرة.