بعيد الهجمات التركية المدمرة التي طالت مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، في الخامس من أكتوبر الماضي، والتي طالت بشكل أساسي المرافق الحيوية المتعلقة بحياة الناس من كهرباء وماء ومرافق إنتاج المحروقات وتخزينها، أضحت المنطقة في حالة يرثى لها، على صعيد الخدمات وتأمينها للمواطنين القاطنين في تلك الجغرافية.
وفي الوقت الذي تتذرع فيه تركيا، بحماية أمنها القومي المزعوم كمبرر لشن الهجمات، لطالما انتقدت الإدارة الذاتية الهجمات، واعتبرت في بيانات كثيرة، أن لا علاقة لها مع المشكلات الداخلية في تركيا، فيما أكدت قوات سوريا الديمقراطية، عدم صلتها بأي هجمة وقعت سابقاً في تركيا.
أيضاً، تتوجه الإدارة الذاتية على الدوام باللوم على الطرفين الأمريكي والروسي، على اعتبار أنهما ضامنان لخفض التصعيد في شمال وشرق سوريا، إذ أعلنت الولايات المتحدة وتركيا، في أكتوبر 2019، عن اتفاق لوقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا، حين كانت تركيا تشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، لكن الاتفاق أثار انتقادات حلفاء غربيين ومنظمات إنسانية، اعتبرته خيانة لـ”قسد” الذين ساعدوا في محاربة داعش.
وبالصدد، أبرمت روسيا وتركيا في 22 أكتوبر 2019، اتفاقية في سوتشي، لوقف العملية العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية، نصت على سحب قوات سوريا الديمقراطية من منطقة الحدود التركية السورية، بعمق 30 كيلومتراً، ونشر قوات روسية وسورية مشتركة، وهو ما حصل بالفعل، لكن الهجمات التركية لا تزال مستمرة.
دعوات للدعم والمساندة
وعقب الدمار الواسع الذي أصاب مناطق الإدارة الذاتية بداية أكتوبر الماضي، طالب مسؤول في الإدارة الذاتية، بتاريخ السابع عشر من أكتوبر، بتدخل أطراف دولية لإعادة تأهيل البنى التحتية والمنشآت الحيوية التي دمرّها القصف التركي، حيث قال أكرم سليمان، وهو الرئيس المشترك لمكتب الطاقة بالإدارة الذاتية، لوكالة نورث برس، إن البنى التحتية التي تم تدميرها جراء الهجمات التركية لا يمكن صيانتها، كون الإمكانات المتوفرة “بسيطة جداً”، مشدداً على “تدخل دولي سريع لإعادة تأهيل هذه المنشآت وإعادتها إلى الخدمة”.
وأضاف أن المدة الزمنية لإعادة صيانة المنشآت “غير معروفة”، مشيراً إلى أن تكلفة صيانتها تقدر بـ”ملايين الدولارات“، موضحاً أنهم يسعون جاهدين لتأمين الطاقة الكهربائية لجميع المنشآت الحيوية من آبار المياه والأفران العامة والمشافي، خاصة في المدن التي تم استهدافها بشكل مباشر، وأن المنطقة تعيش “أسوأ الظروف الفنية الكهربائية نتيجة تضرر هذه المنشآت”.
استجابة من بعض الأوروبيين
وعقب شهر بالتحديد من القصف التركي، بدى أن دعوات الإدارة الذاتية للمجتمع الدولي بغية المساهمة في إعادة إعمار ما تدمره في كل مرة آلة الحرب التركية، قد يلقى آذاناً صاغية، إذ عاينت في الخامس من نوفمبر، منظمة نمساوية أضرار القصف التركي على شمالي سوريا، وذلك خلال زيارتها لمواقع الاستهداف والاطلاع على حجم الأضرار.
وأعلنت دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، على موقعها الرسمي، عن زيارة “أليسيا آلغوير” مديرة ومسؤولة تنفيذ المشاريع في منظمة “فولكس هلفي” النمساوية، لمقر الخارجية، بهدف الاطلاع على الأضرار الناجمة عن الهجمات التركية الأخيرة على شمالي سوريا، قامت خلالها “آلغوير” بجولة ميدانية في المناطق التي تعرضت للقصف من محطات كهرباء وغاز ونفط واطلعت على حجم الأضرار فيها، ومناقشة الوضع الإنساني في شمال وشرقي سوريا وآلية تقديم المساعدات الإنسانية من قبل المنظمة للمنطقة.
وفي السادس من نوفمبر الجاري، كُشف عن زيارة وفد فرنسي رسمي لمناطق شمال وشرق سوريا، عندما نشر الموقع الرسمي لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، معلومات عن الزيارة المكلّف بها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمناطق الإدارة الذاتية ومؤسساتها.
ووفق الموقع، فإن الوفد الزائر ضم كلاً من وزير التعليم الوطني الفرنسي السابق ميشيل بلانكيه، والكاتب والباحث الفرنسي باتريس فرانشيسكي، رافقه ممثل الإدارة الذاتية في فرنسا خالد عيسى.
وبيّن الموقع أن سبب الزيارة هو تقديم رسالة دعم وتأييد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشعب شمال وشرق سوريا وإدارته، فيما أطلع ممثلو الإدارة الذاتية الوفد الزائر على الهجمات التركية المستمرة ودوافعها وتداعياتها، والجرائم التركية التي ترتكب في شمال وشرق سوريا، والصمت الدولي حيالها، وتأثير هذه الهجمات على محاربة داعش، وتأثيرها على عمل المنظمات في المنطقة واللاجئين والنازحين فيها.
بينما قال وزير التعليم الوطني الفرنسي السابق ميشيل بلانكيه : “إن زيارته لمناطق شمال وشرق سوريا، للتعرّف على مؤسسات الإدارة الذاتية، ونقل دعم وتأييد الرئيس الفرنسي لشعوب وإدارة شمال وشرق سوريا، والتأكيد على التعاون بين فرنسا وشمال وشرق سوريا قائم ومستمر”ً.
وأوضح: “أنا معجب بتجربة الإدارة الذاتية وكيفية الحكم والتعايش المشترك بين بعضكم البعض ولكن الهجوم عليكم من بعض دول الجوار هو أمر غير مقبول أبداً”، منوهاً: “أنا هنا اليوم للقيام بجولة في مناطق شمال وشرق سوريا لرؤية الأضرار التي لحقت بكم بعد الهجوم الأخير، وسوف أعود إلى فرنسا لمناقشة كيفية تقديم المساعدات بشكل أكثر فاعلية”.
الدعم للإدارة مُحرج للدول
وللتعقيب على جملة المعطيات الواردة أعلاه، قال الدكتور “زارا صالح” وهو كاتب وباحث كُردي سوري مُقيم في بريطانيا، في حديث لـ منصة تارجيت: “لم تتوقف زيارات الوفود الأجنبية (إلى شمال وشرق سوريا)، وبتقديري هذه الزيارات تأتي في إطار المساندة بشكل عام، والاطلاع على الأوضاع في تلك المناطق، وهي تعلن دائماً إنها متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية في إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وداعش”، لافتاً: “قد تقدم الوفود بعض المساعدات، ولكن ستكون بأسماء منظمات وليس بشكل رسمي من الدول”.
مستكملاً: “هناك إطار رسمي موجود، وهو إطار التحالف الدولي الذي تعتبر حليفة لقوات سوريا الديمقراطية لوجستياً على الأرض، في محاربة داعش”، وتابع: “ضمن هذا الإطار قد تحصل مناطق الإدارة الذاتية على الدعم، أما باسم الإدارة الذاتية أو كعلاقة بين الدول والإدارة، فلا أعتقد لأنها ستكون مسألة محرجة قانونياً وسيادياً بالنسبة للدول، وهذا أمر مُعقد يبقى للمستقبل والتسوية السياسية النهائية لمستقبل سوريا”.
الاعتداءات التركية ستستمر
ولفت حول احتمالات إيقاف الهجمات التركية على مناطق الإدارة الذاتية، نتيجة ضغط دولي ما، إلى صعوبة الامر، حيث قال صالح لـ تارجيت: “بالنسبة لاعتداءات المُحتل التركي، بتقديري لن تتوقف في هذه الفترة، خاصة وأن تركيا مُقبلة على انتخابات الإدارة المحلية في بداية العام المُقبل، وهي دوماً تستغل الورقة الكُردية لكسب أصوات الناخبين، وأردوغان تحديداً”.
ونوّه: “لهذا فإن لجم هذه الاعتداءات أمر صعب، خاصة أن الطرفين الضامنين روسيا أمريكا، ليس لديهما النية لذلك، فروسيا طرف مُنحاز لتركيا في هذه العلاقة، فيما لن تسمح أمريكا لتركيا، بعملية برية واسعة، لكنها تتغاضى عن الهجمات التي تحدث، بما فيها هجمات الطائرات والدوران”.
كاشفاً: “تتعلق المسألة بالمصالح السياسية، وتركيا تستغل الحاجة الدولية لها من الطرفين الأمريكي والروسي، وتستغل الظروف وتزيد من هجماتها على مناطق الإدارة الذاتية والكُرد تحديداً، لأن الموضوع الكُردي بالنسبة لتركيا موضوع وجودي، فهي ترى في الكرد خطراً يُهدد وجود الدولة التركية، وترى أن حصول الكُرد على أي حقوق في أي منطقة، تهديد وتفكيك للدولة التركية”.
وحيال إمكانية إعادة إعمار ما تدمره آلة احرب التركية من قبل الإدارة الذاتية، أشار صالح إلى صعوبة الأمر بالقول: “الإدارة الذاتية ليس بإمكانها تعويض حجم الدمار الذي حصل في البنية التحتية، وبتقديري أنه على الإدارة الذاتية الطلب رسمياً من دول التحالف الدولي مساعدتها”.
وختم حديثه لـ تارجيت قائلاً: “الإمكانات المادية والاقتصادية ومن كافة النواحي، غير مُمكنة، خاصة أن الإدارة والمنطقة مُحاصرة من كافة الجهات، ولا بد من دعم ومُساندة دولية، من أطراف التحالف الدولي، وتحديداً أمريكا وبريطانيا وفرنسا، الفاعلين في التحالف، والذين بإمكانهم مُساعدة الإدارة الذاتية، لتعويض الخسائر والدمار”.
ويعتقد مراقبون إن فرنسا، هي أكثر الدول قرباً إليهم من بين كل دول التحالف الدولي، حتى أكثر من الطرف الأمريكي، الذي تعرضت الثقة به إلى هزة كبيرة في أكتوبر العام 2019، عندما انسحب الجيش الأمريكي من نقاط حدودية، وهو ما اعتبر تمهيداً لاحتلال تركيا، لمدينتي رأس العين وتل أبيض، وما بينهما من الشريط الحدودي.