محلل سياسي مصري: تركيا تعيد إحياء “داعش” بضرباتها لشمال شرق سوريا

قبل يومين ومع تكثيف تركيا ضرباتها على شمال وشرق سوريا، أعرب المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية سامويل وربيرج، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، عن خشية الولايات من تأثير التصعيد في شمال وشرق سوريا على جهود مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، لكنه في الوقت ذاته تحدث عن أن واشنطن تقدر المخاوف الأمنية لـ”أنقرة”.

وقد فتح تصريح المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية تساؤلات عدة حول كيفية استفادة تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية من الضربات التركية، وماذا إذا كان النظام التركي يتعمد من وراء عملياته مد يد العون مرة أخرى لهذه التنظيمات الحليفة له، والسؤال الأهم أيضاً حول حدود الموقف الأمريكي من الممارسات التركية في ظل الشراكة بين واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية في مواجهة الإرهاب.

منصة “تارجيت” الإعلامية في هذا السياق حاورت المحلل السياسي المصري الدكتور طه علي عبر الهاتف لمناقشة علامات الاستفهام الكثيرة السابقة، والذي أكد أن تركيا تعيد إحياء “داعش” بضرباتها على شمال وشرق سوريا، كما توقع أن توسع التنظيمات الإرهابية الموالية لأنقرة عملياتها خلال الفترة المقبلة لا سيما في مواجهة الكرد.

نص الحوار:
*إلى أي مدى يمكن أن تؤثر العمليات التي تقوم بها تركيا على جهود مكافحة الإرهاب في شمال وشرق سوريا؟
– هذا يؤثر بالضرورة على جهود مكافحة الإرهاب الدائرة في سوريا بشكل عام، ذلك أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جزء أصيل في جهود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وبالتالي الصدام مع قوة تقوم بمهمة رئيسية في مواجهة الإرهاب مثل “قسد” أمراً بالتأكيد سيكون له تأثيره، فالضربات التركية تعني محاولة إجهاض أحد الأذرع المؤثرة على الأرض في إطار جهود مكافحة الإرهاب. وبالتالي إن استهداف قوات “ٌقسد” ومحاولة إجهاضها تحت مسمى ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، سيكون له تأثيره بالضرورة على جهود مواجهة الإرهاب، وهنا قد يأتي دور الولايات المتحدة بأن تلعب دور الموازن.

*ماذا تقصد بالدور الموازن للولايات المتحدة الأمريكة؟
– الدور الموازن للولايات المتحدة الأمريكية يأتي من كون واشنطن حليف لقوات سوريا الديمقراطية التي تستهدفها القوات التركية، وواشنطن ركن أساسي في جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، و”أنقرة” عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” ولديها علاقات استراتيجية مع الأمريكيين على نحو يجعل التنسيق بين أنقرة وواشنطن أقوى وأكبر من الصدام بينهما، وبالتالي فإن المظلة الأساسية لجهود مكافحة الإرهاب وهي الولايات المتحدة قادرة على احتواء السلوك التركي في شمال شرق سوريا، ويمكن لواشنطن ضبط هذا السلوك.

*هل تعتقد أن النظام التركي يجس نبض واشنطن بتلك الضربات؟
– أعتقد ذلك، تركيا ربما بالفعل بتلك الضربات تجس نبض الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول التوصل إلى أي مدى يمكن أن تتغاضى الإدارة الأمريكية عن السلوك التركي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن النظام التركي ربما بتلك التصرفات يريد دفع الإدارة الأمريكية للعودة إلى تعزيز التنسيق مع أنقرة في ظل حالة التباعد التي تنتاب العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، بل هناك فجوة ومساحة كبيرة على المستوى الاستراتيجي، ويمكن للعمليات التركية في شمال شرق سوريا أن تعيد توسيع مساحة التعاون والتنسيق بين البلدين، وكأن الأتراك يضغطون بتلك الضربات على الأمريكيين. أيضاً هناك تنسيق بين الأتراك والحكومة العراقية، ورأينا وزير الدفاع العراقي يزور أنقرة قبل الضربات بوقت قصير.

*وهل تعتقد أن هذه الزيارة لها دلالات ما؟
– أعتقد أن هذه الزيارة تفتح الباب أمام التكهن بأن هناك ثمة تنسيق بين العراق وحكومة دمشق والجانب التركي فيما يتعلق بالضربات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، لكن الأكيد في تلك التطورات بصفة عامة فإن هذه الضربات التركية ستؤثر بشكل كبير على عمليات مكافحة الإرهاب من خلال استهدف قوات سوريا الديمقراطية.

*البعض يتهم تركيا بأنها تتعمد إعادة إحياء نشاط “داعش” عبر تلك الضربات، ما رأيك؟
– اسمح لي أن أقول لك إن العلاقات بين تركيا والتنظيمات المتطرفة مثبتة وقد رصدها سيل هائل من التقارير الموثقة لهذه العلاقات والدعم المقدم من قبل أنقرة لهذه التنظيمات وكذلك دول في المنطقة أخرى مثل قطر خلال السنوات الأخيرة، حيث دعموا التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة وأحرام الشام وغيرها. كما أن السنوات الأخيرة صدرت عدة تقارير لا سيما عن جهات استخباراتية أمريكية تؤكد الدعم القطري – التركي لهذه التنظيمات، وبالتالي العلاقة المتداخلة بين تركيا بأهدافها الإقليمية مع سلوك نشأة وصعود الجماعات الإرهابية في المنطقة معروفة. وبالتالي فإن تركيا بالضربات على شمال وشرق سوريا توفر بيئة حاضنة غير آمنة وغير مستقرة تتحرك من خلالها عمليات التنظيمات المتطرفة لممارسة أعمال يمكن أن تفسح المجال للقوات التركية لترسيخ وجودها في المناطق التي تحتلها وتعمل على توسيعها جغرفياً ضمن ما يعرف بالمناطق الآمنة التي يسعى النظام التركي لتأسيسها. وبالتالي اتهام تركيا بأنها تسعى لإعادة إحياء داعش يمكن تلخيصه في أن البيئة غير المستقرة التي ترتبت على العمليات السابقة تشكل مساراً يمكن من خلاله أن تتحرك تلك التنظيمات الإرهابية، واتهامها بذلك أمر مؤكد وله وجاهة ومنطقية ويوماً ما ستكشف التقارير الموثقة مزيد.

*عودة مرة أخرى إلى الموقف الأمريكي، هل ترى أن واشنطن ستضغط على أنقرة؟
– أعتقد أن الأمريكيين لا يهمهم بالأساس إلا مناطق تواجدهم، وألا يتسع النفوذ الروسي على الأراضي السورية، وثالثاً نرى أن هناك ما يشبه الضوء الأخطر من واشنطن لتركيا بخصوص ضرباتها الأخيرة، وقد قامت أنقرة من قبل بعديد من العمليات مثل درع الفرات وغضن الزيتون والمخلب وغيرها من عمليات في إطار ما يسمى بالمناطق الحدودية الآمنة الذي تسعى له تركيا وتريد استغلالها لاحقاً إما بتتريكها أو استقبال اللاجئين فيها. وبالتالي التنسيق الأمريكي – التركي في شمال وشرق سوريا مؤكد وموجود طالما لا يتجاوز الأتراك الخطوط الحمراء المتمثلة في مناطق وجود القوات الأمريكية وكذلك مناطق النفط. وأعتقد أن الموقف الأمريكي لن نجد من خلاله ضغوطأ تذكر لإثناء الأتراك عن هذا المسار، لأن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها تركيا بعمليات بل قامت بعمليات عديدة، وبالتالي لن تكون هناك ضغوطاً تذكر من قبل واشنطن تجاه أنقرة.

*نحن نرى تركيا تتهم حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية بالإرهاب، ما الذي يعنيه مصطلح الإرهاب في العقلية التركية بحسب رأيك؟
– نحن نرى أن الأتراك يحتوون كرداً في الداخل التركي وفي الخارج، لكن كل من يخرج عن الاحتواء التركي يراه الأتراك إرهاباً، وبالتالي الإرهاب في المخيلة التركية هو كل ما يسعى للخروج عن القومية التركية، أو السعي من أجل الحقوق الثقافية للكرد، وكل من يطالب بالحقوق الثقافية أو السياسية للكرد فإنه على الفور يصنف كإرهابي في المخيلة التركية. والحركات العثمانية الطورانية سيصبح الإرهاب لديهم مرادفاً لكل ما هو كردي سياسي غير محتوى، أما من يتم احتوائهم مثل حزب مسعود بارزاني في شمال العراق فهو غير إرهابي. أما الإرهاب من المنظور الأمريكي فيتخذ منحى آخر يتمثل في تيارات الإسلام السياسي، وهنا غياب المرجعية الدولية بشأن تصنيف ما هو إرهابي يضعف جهود مكافحة الإرهاب، وفي ظل غياب المرجعية نجد أن ما يجري من قبل تركيا في شمال شرق سوريا يتم بتنسيق مع القوات الأمريكية وقد مكنها ذلك في احتلال عديد من المناطق توازي مساحة دولة مثل قبرص أو دولة مثل قطر.

*كيف يمكن أن تستفيد التنظيمات الإرهابية عملياً في سوريا من الضربات التركية؟ وما الذي يمكن أن تقوم به؟
– أعتقد أننا سنجد نشاطاً ملحوظاً للتنظيمات الإرهابية خلال الفترة القادمة في سوريا وعلى نطاق أكبر، لأنه من الناحية البيئية فلدينا بيئة رخوة أمنية توفر الملاذات الداعمة لمزيد من الحركة للعمليات الإرهابية، وعلى المستوى السياسي أعتقد أن ذلك يعين أنقرة على تحقيق أجندتها بشكل عام، من خلال توجيه السلوك الإرهابي تجاه الكرد في شمال وشرق سوريا، وهذه التنظيمات الإرهابية تستهدف المكون الكردي في المقام الأول لإجهاض تجربة الإدارة الذاتية، وهذا هدف تركي رئيسي خلال الفترة الأخيرة.

*هل تعتقد أن الضربات التركية تأتي كنوع من الاستكمال لمخطط دير الزور الفاشل؟
– بالفعل، لقد عملت تركيا خلال الأسابيع الماضية على تأليب مجموعة من العشائر المختلفة ضد الكرد في شمال وشرق سوريا، وقد استطاعت الإدارة الذاتية بدورها من خلال تحكيم القانون وإنفاذه من احتواء الأمر، وأعتقد أن تلك كانت محاولة تركية لإضعاف الإدارة الذاتية وتجربتها في شمال وشرق سوريا.

*هل ترى إمكانية وجود تنسيق بين حكومة دمشق وأنقرة في هذا الصدد؟
– أعتقد أنه يتم نقل عناصر من تنظيم أحرار الشام الإرهابي إلى ريف حلب، حيث إمكانية الاشتباك مع قوات سوريا الديمقراطية، وذلك يفتح المجال أيضاً لزيادة الضغط التركي سواء كان ذلك عبر الضغط التركي نفسه أو القوات التي يتم التنسيق معها من قبل أنقرة بما في ذلك حكومة دمشق، وأعتقد أن هناك تنسيق مع دمشق لنقل أحرار الشام إلى ريف حلب لمواجهة الكرد وهم عدو مشترك سواء للأتراك أو لحكومة بشار الأسد، ولهذا نتوقع مزيداً من عمليات داعش خلال الفترة المقبلة بشكل عام وكذلك بقية التنظيمات الإرهابية، التي بات لديها حرية حركة بفضل العمليات التركية.

قد يعجبك ايضا