عقب اعتقال قوات سوريا الديمقراطية لـ أحمد الخبيل أبو خولة، القائد السابق المعزول من مجلس دير الزور العسكري، في السابع والعشرين من أغسطس الماضي، كان متوقعاً أن تحاول العديد من الأطراف المتصارعة في سوريا، الاستثمار في الحدث، بغية الاستفادة من حالة التمرد العسكري التي نفذها أشقاء أبو خولة وبعض المسلحين المقربين منهم ومن السلطة في دمشق.
خاصةً أن تصريحات المقربين من السلطة في دمشق، كانت تشير إلى تحضيرها لعمل عسكري في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قبل أسبوعين من حصول ذلك التمرد العسكري من قبل جماعة احمد الخبيل، وكانت من ضمنهم لونا الشبل، التي تشغل منصب المستشارة الإعلامية للقصر الجمهوري، والتي تحدثت في منشورات على منصة فيس بوك، عن اتخاذ القيادة السورية قراراً بمهاجمة شرق الفرات.
المقربون من سلطة دمشق بشروا بالحرب
حيث نشرت لونا الشبل في الأول من سبتمبر الجاري، منشوراً على صفحتها الرسمية في الفيسبوك قالت فيه: عندما حدثتكم منذ عدة أيام عن قرار القيادة بتحرير شرق الفرات، كل الخونة لم يعجبهم كلامي”، مردفةً: “ما هو شعوركم اليوم وأنتم تشاهدون بطولات أبناء العشائر أبناء سورية الأبطال وهم يحررون القرية تلوى الأخرى”.
مُتابعةً :”الأمريكي يقاتل معتمداً على العملاء، والقائد والجيش يقاتلون بدعم أبناء الوطن الشرفاء”، وختمت بالقول: “تحية حب لأبناء عشائر سورية الوفية لتراب الوطن”.
وكان ذلك استكمالاً لمنشور عرضته لونا الشبل على صفحتها الرسمية في الفيسبوك، بتاريخ الرابع والعشرين من أغسطس الماضي، أي قبل ثلاثة أيام من فقط من التمرد العسكري لجماعة أحمد الخبيل على قسد، حيث قالت آنذاك: “القيادة السورية حسمت أمرها مع حلفائها، للتوجه نحو عمل عسكري ضخم لتحرير شرق الفرات من الاحتلال الأميركي، بعد انتهاء المفاوضات المباشرة بين سورية وأميركا في عُمان دون الوصول إلى نتيجة”، مستكملةً: “الجميع ينتظر حل أمني أو اقتصادي، والقادم هو حل عسكري”.
فيما وضع من جانبه عمر رحمون عراب المصالحات مع النظام السوري، صورة إبراهيم الهفل، كصورة لملفه الشخصي على منصة “إكس\تويتر”، علماً أن الهفل تزعم المجموعات المسلحة التي قاتلت قسد في ذيبان ومحيطها، في إشارة جلية على دعم السلطة في دمشق، للحراك المسلح، الذي اطلق عليه “المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الأمريكي”.
ميدانياً على الأرض
على الأرض، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في الواحد والثلاثين من أغسطس، عن تسلل مجموعات مسلحة إلى قرى بريف دير الزور الشرقي من جهة غربي الفرات، الخاضعة لقوات السلطة في دمشق والمليشيات الإيرانية، وأردفت أن “تلك المجموعات المتسللة بدأت بالتحشيد للهجوم على قسد في قرى الريف الشرقي، وأن إرسال العتاد جاء من قبل جهات أمنية تابعة للنظام السوري، في محاولة لإحداث الفتنة الأهلية خدمة لأجنداتها، بما فيها ضغوطات وتهديدات يتعرض لها وجهاء المنطقة من قبل تلك الجهات”.
واعتمدت السلطة في دمشق، على الدعاية المضادة بغية تحريض جزء من العشائر العربية على قسد، بزعم وجود مشاريع انفصالية للكُرد السوريين وهي الأسطوانة المشروخة التي استخدمتها على مدار خمسين عاماً من حكم حزب البعث، إضافة إلى مُحاولة تشويه صورة الإدارة الذاتية، وتحجيم أهمية المعارك التي خاضتها قسد في المنطقة، لتخليص سكانها من تنظيم داعش الإرهابي.
بينما نفت مصادر مسؤولة في الإدارة الذاتية المزاعم حول قيام المكوّن الكردي بإدارة ريف دير الزور، وأكدت أن أبناء وأهالي مدن وبلدات ريف دير الزور هم أنفسهم من يقومون بإدارة مؤسساتهم.
في حين اتهمت الإدارة المدنية في دير الزور شرقي سوريا، في الأول من سبتمبر، “النظام في دمشق” بالسعي لضرب الأمن والاستقرار في المنطقة، وقالت في بيان، إن النظام يحاول عبر شعارات قومية وعرقية إحداث شرخ بين الإدارة وسكان المنطقة، و”يزج بمجاميع من اَتباعه عبر ممرات غير شرعية، من أجل إعاقة قواتنا لإنجاز مهامها الأخلاقية اتجاه أبناء شعبها وتمكين الأمن والاستقرار”.
إلى ذلك، قال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، في الرابع من سبتمبر، إنهم قد كشفوا مخططات للنظام السوري تهدف إلى السيطرة على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، وأضاف في لقاءٍ أجراه مع قناة العربية الحدث، أنه كانت هناك مجموعات مسلحة مدعومة من “النظام السوري” دخلت إلى مناطق الإدارة الذاتية من غربي الفرات.
وهو ما لم تتبرأ منه السلطة في دمشق، حيث أبدى وزير خارجية السلطة فيصل المقداد، في السادس من سبتمبر، دعم حكومته لـما أسماها بـ “العشائر العربية في ريف دير الزور”، ضد قوات سوريا الديمقراطية، قائلاً: “إن ما يجري في الشرق السوري لا يحتاج إلى بيانات رسمية، لكون المواطنين السوريين يخوضون نضالاً وطنياً باسم جميع السوريين، في معركتهم ضد الاحتلال والمسلحين الموالين له”، على حد وصفه.
قسد أفسدت خطط النظام وكشفت تحريضه
وللتعقيب على جملة الأحداث التي حصلت في دير الزور، قال المعارض السوري عصام زيتون في حديث خاص لـ منصة تارجيت، حول إعلان قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، عن تسلل مجموعات مسلحة إلى قرى بريف دير الزور الشرقي من جهة غربي الفرات: “لابدّ بدايةً من التأكيد على أنّ تحريض وتجييش السوريّين ضدّ بعضهم، هي سياسة ممنهجة وممارسة لدى النظام منذ استيلائه على السلطة في سوريا”.
وتابع: “في كلّ بلاد العالم المحترم، تبني الحكومات مراكز دراسات وأبحاث علميّة، اجتماعية أو سياسيّة، تستشرف المستقبل، تتنبأ بالأخطار، وتسعى لتفادي الكوارث، أمّا في سوريا الأسد، فلم يعمل النظام إلّا على تأسيس أجهزة الأمن المختلفة، وكلّ جهاز مهمّته التجسّس على المواطنين، وجمع المعلومات عنهم، ومُراقبة الأجهزة الأخرى، ونشر ثقافة التسلّق والنفاق والوصوليّة وعدم الثقة، كلّ ذلك ادّخره ليستعمله لإيقاع السوريين ببعضهم، وبالتالي إضعافهم لاستدامة فساده واستبداده”.
“وللحقّ فقد أفسدت قوّات سوريا الديمقراطية خطط النظام وكشفت تحريضه الممنهج واستغلال بعض عملائه والكثير من السذّج لمهاجمة مناطق الإدارة الذاتيّة حيث تعيش وتتعايش جميع مكوّنات منطقة شرق الفرات دون تفريق عرقي دينيّ أو طائفيّ، سعياً منه لتخريب المشروع الواعد والوحيد المرشّح أن يكون بديلاً عن النظام”، أكد المُعارض السوري.
وحيال اتهام الإدارة المدنية في دير الزور شرقي سوريا، “النظام في دمشق” بأنه يحاول عبر شعارات قومية وعرقية إحداث شرخ بين الإدارة وسكان المنطقة، وإمكانية تجاوز مناطق الإدارة الذاتية، للفكر البعث الإقصائي لبقية المكونات، أوضح زيتون: “إنّ اتّهام قوّات سوريا الديمقراطيّة منذ اللحظة الأولى للنظام وحده بمحاولة بثّ الفتنة وإشعال نار الحرب بين مكوّنات الشعب السوري، وأيضاً اتّباع سياسة إعلاميّة تهديئيّة متّزنة، لم تقطع الطريق على النظام وخططه الشيطانيّة فحسب، بل أثبتت نضوج تجربتها وتجاوزها الفعلي لفكر البعث العنصري، وقدرتها ودأبها على إحلال مفاهيم المواطنة والمساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني”.
الإشادة بموقف قسد
أما بخصوص إبداء مسؤولي السلطة في دمشق، تأييدهم الصريح للأزمة التي حصلت في دير الزور، وتجييشهم من أمكن للعشائر العربية على قسد، بيّن زيتون: “الحقيقة أنّ النظام السوري وإنّ كان يحاول استعادة سيطرته على كافّة الأراضي السوريّة ولا سيّما منابع النفط، إلّا أنّني أكاد أجزم بأنّ تخريب أيّة تجربة ناجحة لتعايش السوريّين بسلام، هي أولويّة عند النظام، لكي يتابع خداع العالم بأنّه الوحيد القادر على حكم الشعوب السوريّة المتكارهة والمتقاتلة حسب روايته”.
وأكمل: “النظام بكلّ رموزه وعلى جميع المستويات، لم يخفِ سعادته اللّا متناهية لهذه المواجهة بين خصومه ومعارضيه، وهو يكون في أفضل حالاته عندما يزيد الانقسام والكراهية في صفوف أعدائه، لا سيّما أنّه استبشر خيراً بتلك المواجهات ليغطّي على الاحتجاجات المستمرّة في محافظة السويداء، وأيضاً على تزايد أصوات التذمّر والتململ بين صفوف الشريحة الّتي تواليه على أساس عقائدي بحت”.
وختم المُعارض السوري عصام زيتون حديثه لـ تارجيت، بالقول: “لا بدّ لي من الإشادة بموقف قسد بالغ الحكمة في استيعاب الفتنة وحصرها بسببها الرئيس، وهو مُحاسبة أحد قيادييها الفاسدين تحت القانون، وعدم الانجرار لفخّ النظام ومُحاولاته استغلال هذا الحدث للتحريض وبثّ الكراهية بين السوريين”.
وبعد المرحلة الحرجة التي تجاوزتها مناطق الإدارة الذاتية في دير الزور، ورغم أن الأحداث خلفت جرحاً، لكن الواضح بأن لدى قوات سوريا الديمقراطية الإرادة والرغبة لمداواته بالإصلاح وتجاوز أخطاء الماضي، وهو ما تفتقد إليه السلطة الحاكمة في دمشق، التي دمرت 7 حواضر سورية، رفضاً منها للإقرار بالأخطاء أو الأحرى بالكوارث التي ارتكبتها على مدى عقود.