في لحظات معدودة تحولت منازل وبنايات في المغرب إلى أكوام تراب وأنقاض بين ثناياها يقبع مئات القتلى بينهم رضع وأطفال وشيوخ ونساء، وآلاف آخرون شردوا وبدأوا خوض غمار رحلة مرهقة يبحثون عن مأوى لهم، وصيحات الاستغاثة تدوي والدموع تتساقط في كل بقعة تقريباً، لكن هذا الوضع المأساوي قوبل بشماتة لا يمكن أن يكون لها أبداً ما يبررها من قبل موالين لحكومة دمشق سوى أنهم تجردوا تماماً من إنسانيتهم.
وكتب موالون لبشار الأسد عبارات عدة عبر منصات التواصل الاجتماعي حملت لغة السخرية والشماتة مما ألم بالمغرب، من هؤلاء عمر رحمون المعروف بعراب المصالحات والذي كتب عبر منصة “إكس” أو (تويتر سابقا) قائلاً إن الزلزال الأخير أتى جزاءً لعدم تضامن المغرب مع السوريين خلال الزلزال الذي وقع في فبراير الماضي، وزعم أن المغاربة كانوا يسخرون ممن يقدمون الدعم للسوريين.
موقف المغرب من زلزال سوريا
تقول الكاتبة الصحفية المغربية مريم فساحي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنهم قد تعودوا من حكومة بشار الأسد وشبيحته على مثل هذه التصريحات، حتى عندما كان الزلزال في شمال سوريا خرج الشبيحة بتصريحات شامتة في بني وطنهم، لمجرد أن الزلزال طال مناطق يقطنها معارضون لبشار الأسد، وبالتالي هذا أمر كما قلت ليس بالجديد ولا يمكن استغرابه.
وعن مزاعم امتناع “الرباط” عن تقديم العون للمناطق المنكوبة جراء الزلزال في سوريا كما ذكر هؤلاء الشامتين، قالت “فساحي” إن المغرب حكومة و شعباً دائماً مواقفهم واضحة بأنهم داعمون للشعب السوري ويقفون خلفه، و لكن وقت أزمة الزلزال كان هناك تصرفاً غريباً من حكومة دمشق بالإصرار على أن تمر المساعدات من مطار دمشق الدولي والذي يخضع لسيطرة القوات الحكومية ولأسباب معروفة.
وعن تلك الأسباب، أوضحت الكاتبة الصحفية المغربية أن حكومة بشار الأسد كانت تريد مرور المساعدات عبر مطار دمشق الدولي فقط؛ من أجل أجل نهب كل تلك المعونات والاستفادة منها، وهناك تقارير عدة تؤكد ما قامت به حكومة دمشق بشأن المساعدات والمعونات، ولهذا السبب فإن المملكة المغربية قررت وقف تقديم المساعدات لهذه الحكومة وليس للشعب السوري، لأن المساعدات في النهاية لم تكن تصل للشعب المتضرر بل تقع تحت سيطرة النظام.
وتلفت “فساحي” النظر إلى أنه في أشد أوقات أزمة الزلزال كانت المواد الأساسية المقدمة ضمن المساعدات يتم بيعها في الأسواق، فنظام بشار الأسد كل ما في الأمر أنه أراد الاستفادة من المعونات التي كانت تصل بهدف إغاثة المتضررين، كما أنه من ناحية ثانية أراد منعها عن مناطق معارضة لحكمه، وبالتالي “الرباط” لم تقبل بمثل هذه الوضعية، وكل ما كانت تريده أن تصل المساعدات لمستحقيها لا قبضة النظام ولا أن يتم تسييس عملية توزيعها.
وكانت تقارير عدة، من بينها موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أكدت أن حكومة دمشق منعت وصول مساعدات أساسية مثل الغذاء والإمدادات الطبية والخيام من دخول الأحياء ذات الغالبية الكردية في مدينة حلب، كما أن الأمر ذاته قامت به الفصائل المسلحة الموالية لتركيا عندما منعت دخول المساعدات إلى عفرين، بحسب ما وثقت منظمة العفو الدولية.
وفي فبراير الماضي وبالتزامن مع أحداث الزلزال المؤسفة في سوريا أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً أكدت خلاله أن حكومة دمشق نهبت 90% من المساعدات المقدمة لإغاثة المتضررين من الزلزال، مؤكدة وقتها أن تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحكومة والمنظمات التي أنشأتها الأجهزة الأمنية بمثابة دعم للإرهاب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها بشار الأسد بحق شعبه وإن كانت نوايا الدول المقدمة للمساعدات طيبة.
مرضى نفسيون
من جهته، يقول الكاتب الصحفي المغربي عزيز بيلبودالي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه كمواطن مغربي يدعو إخوته من سوريا خاصة منهم الشامتين، إلى زيارة المغرب ومشاهدة مواطنيهم النازحين من سوريا وكيف يعاملهم المغاربة بكرامة وبحب وبكل إنسانية، معرباً عن اعتقاده بأن من يزعمون أن المغاربة شمتوا في سوريا عندما أصابها الزلزال هم كاذبون، فالمغاربة ليس من طبعهم الشماتة حتى مع الأعداء فما بالك بالإخوة الأشقاء.
وقال “بيلبودالي” إن من يشمت في أخيه أو في أي إنسان أياً كان لونه أو جنسه أو دينه فإنه شخص مريض نفسي ويحتاج إلى العلاج، مشدداً في الوقت ذاته على أن سوريا جزء من الوطن العربي الكبير وستظل لها مكانة خاصة في قلوب المغاربة مهما صدر من قلة ربما تحتاج إلى تقويم نفسي، في إشارة إلى من شمتوا في ضحايا زلزال المغرب.
ولم يكن عمر رحمون وحده الذي كتب هذه العبارات الشامتة، فعلى سبيل المثال المذيعة السورية علا شفيع زعمت عبر حسابها على منصة “إكس” أنه لم يتفوه مغربي واحد بأي رسالة تعزية أو تضامن للشعب السوري وقت الزلزال، وأن المغاربة فجروا في خصومتهم ووصفوا أهل الشام بالكفر، بل قدموا المساعدات إلى دولة الجابون في نفس الوقت في استفزاز صريح للسوريين.
فئات لا تعبر عن الشعب السوري
وتعليقاً على مثل هذه التصرفات من قبل موالين لحكومة دمشق، يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية إن هناك بعض الفئات في الدول العربية غير وطنية وفاقدة للهوية هي التي تلجأ إلى مسألة الشمانة والسخرية، وقد رأينا هذه المسألة في بعض القضايا العربية، لكن في كل الأحوال هذا أمر مرفوض ويضر بالعلاقات العربية – العربية.
وأضاف، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن الشعب السوري معروف بخلقه الطيب وهؤلاء الشامتين لا يعبرون عنه فليست هذه أخلاق السوريين، وإنما هؤلاء فئة لا تعبر إلا عن نفسها، ومعروف أن ورائها دوافع سياسية، بسبب مسألة تحفظ المغرب على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، أو بعض المواقف السياسية المغربية من حكومة دمشق، لكن يفترض أنه مهما كانت الخلافات السياسية ما كان ينبغي أن تصل الأمور إلى حد الشماتة، فما حدث أمر قدري والخسائر في الأرواح البشرية لا يمكن أن تكون أبداً موضعاً للشماتة.
وشدد “إسماعيل” على أن ما جرى في سوريا من قبل والمغرب لاحقاً من تداعيات مدمرة للزلزال وخسائر في الأرواح سواء هنا أو هناك من الأمور التي يجب أن تكون مدعاة للتضامن وأن تقف الدول العربية مع بعضها البعض بصرف النظر عن المواقف السياسية، فالأولوية يجب أن تكون للتلاحم العربي وليس الشماتة، مؤكداً أنه لا يمكن أبداً أن تكون هذه الأصوات الشامتة معبرة عن السوريين وأخلاقهم التي يعرفها الجميع.
وكانت المملكة المغربية إحدى الدول العربية التي لديها تحفظات على عودة حكومة دمشق إلى مقعدها الذي كان شاغراً في جامعة الدول العربية منذ عام 2011، إذ شارك بشار الأسد في قمة جدة التي عقدت في مايو الماضي بالمملكة العربية السعودية، فيما أرجع البعض موقف الرباط بالتحفظ إلى أن بشار الأسد ليس لديه موقفاً واضحاً بشأن دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في إشارة إلى قضية “البوليساريو”.
وأشارت أحدث الإحصائيات الرسمية في المغرب إلى أن الزلزال تسبب في سقوط 3 آلاف قتيل حتى الآن، بينما هناك 6 آلاف آخرين بين جرحى ومصابين، فيما ذكر معهد المسح الجيولوجي بالولايات المتحدة الأمريكية أن المغرب سيتكلف فاتورة اقتصادية باهظة قد تصل إلى 9 مليار يورو جراء هذا الزلزال أي نحو 8% من الناتج الإجمالي الخام المسجل لعام 2022 بالمغرب.