بعد مرور أكثر من شهر على الأحداث التي شهدتها مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، على خلفية اعتداء قائد ما يسمى “الدفاع الوطني” التابع لقوات حكومة دمشق المدعو عبد القادر حمو، على الشيخ عبد العزيز المسلط أحد شيوخ قبيلة الجبور، وما تبع ذلك من إعلان القبيلة النفير العام والهجوم على المربع الأمني التابع لدمشق بالمدينة، عادت التوترات هناك وسط تقارير عن رفض عناصر بـ”الدفاع الوطني” عزل المدعو حمو وحصول اشتباكات وانشقاقات بصفوف الفصيل.
وكالة أنباء هاوار السورية نقلت عن مصادرها، أن المربع الأمني بمدينة الحسكة شهد اشتباكات بين قوات حكومة دمشق و”الدفاع الوطني” الذي سيطر على الفرن الآلي بالمنطقة، وذلك بعد سيطرة قوات دمشق على أربع نقاط له ومحاصرة مقر المدعو عبد القادر حمو الذي يرفض قرار عزله رفقة عدد من عناصره الذين أعلنوا انشقاقهم، مشيرةً إلى أن “حمو” أقدم فجر يوم الخميس على تفجير صهريج موضوع تحت الأرض لفك الحصار عن منزله.
وفي أعقاب اعتداء المدعو عبد القادر حمو على الشيخ عبد العزيز المسلط في الثالث عشر من آب/ أغسطس الماضي، أعلنت حكومة دمشق عزل “حمو” من قيادة “الدفاع الوطني” في محاولة لامتصاص غضب أبناء قبيلة الجبور الذين توافدوا إلى محيط المربع الأمني من جميع أنحاء محافظة الحسكة وهددوا باقتحام مقر “الدفاع الوطني”، في حال عدم الاستجابة لمطالبهم وحل “الدفاع الوطني” ومحاسبة حمو.
وفي اليوم التالي، اندلعت مواجهات بين عناصر من قوات حكومة دمشق وأبناء قبيلة الجبور، على خلفية اقتحام أبناء القبيلة للمربع الأمني تنديداً بعدم محاسبة “حمو”، ما أسفر عن إصابة عنصر من قوات دمشق وأربعة من قبيلة الجبور، وأعربت جهات عديدة دعمها للقبيلة ورفضها لإهانة الرموز العشائرية، حيث قال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي، إن جريمة الاعتداء الصريحة على الشيخ المسلط هي شكل من أشكال الآفات اللاأخلاقية المفرطة في الحقد، ومثل هذه الأفعال تحرض على الكراهية وتهدد النسيج الاجتماعي، في حين أرسلت قبيلتي البكارة والعكيدات تعزيزات من الشدادي ودير الزور، إلى الحسكة لدعم قبيلة الجبور، خلال الاعتصام الذي نظمه أبناء القبيلة في المدينة.
فلتان أمني
وتسلط التوترات المتصاعدة في المربع الأمني التابع لحكومة دمشق بمدينة الحسكة، وما تخللها من رفض المدعو عبد القادر حمو وعدد من عناصره قرار عزله، الضوء على حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تشهدها مناطق سيطرة حكومة دمشق وغياب سلطة القانون، حيث تقول تقارير إن “حمو” يستند على دعم إيران له، على اعتبار أنه أحد أذرعها بالمنطقة والمسؤول الأول عن عمليات تجارة المخدرات بالتعاون مع فصائل تابعة لطهران وجماعة حزب الله اللبناني.
انتهاكات وتنفيذ أجندات
الصحفي السوري ضياء الدين التمر، قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إنه منذ تأسيس ميليشيات الدفاع الوطني اعتمدت حكومة دمشق في طريقة تأسيسها على مجموعة من الخارجين عن القانون وتجار المخدرات والأسلحة والمطلوبين بجرائم جنائية لاستغلال ذلك لضمان ولائهم لقوات النظام مقابل تأمين الحماية لهم وبالوقت نفسه يقومون بتنفيذ ما يملى عليهم من قبل النظام أو حتى إيران التي دخلت بعد ذلك على الخط وتولت عمليات تمويلهم وتسليحهم وتوجيههم لتنفيذ مخططاتها في المناطق التي يتواجدون فيها، ولكون وجود قوات النظام بالمناطق التي تتواجد فيها ميليشيات الدفاع الوطني ضعيف يتم الاعتماد على هذه الميليشيات وإعطاء صورة أن هذه النظام متواجد وبذات الوقت ينفذون الأجندات الإيرانية، مقابل إطلاق يدهم بعمليات الفساد التي تتم على الحواجز وفي مؤسسات النظام وتجارة المخدرات وزراعتها وشوهد من ذلك الكثير في مدينة الحسكة والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام بالقامشلي”.
مجموعات غير منضبطة سلوكياً وأخلاقياً
من جانبه، قال عضو المجلس الرئاسي لمجلس سوريا الديمقراطية إبراهيم الثلاج في تصريحات لتارجيت: “إن مجموعات الدفاع الوطني التي ظهرت بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 تأسست كقوى تدافع عن النظام السوري وتدعي “الوطنية”، لكن هذه المجموعات بالأساس هي مجموعات غير منضبطة سلوكياً وأخلاقياً يطغى عليها طابع الفساد وتجاوزاتها في الحسكة ليست جديدة حيث سبق التوترات الأخيرة بالمربع الأمني بالحسكة، انتهاكاتها بالقامشلي قبل نحو ثلاثة أعوام وما تبع ذلك من طردها من “حي طي” جنوبي المدينة وعلى هذا الأساس بدأ الصراع، مضيفاً أن عبد القادر حمو يرى نفسه أنه محسوب على الميليشيات الإيرانية ويرى نفسه فوق النظام، لذلك أقدم منذ فترة على الإساءة لأحد شيوخ قبيلة الجبور ويواصل انتهاكاته، وهذه نتيجة طبيعة لتشكيل مجموعات “الدفاع الوطني” الغير منضبط”.
ويضيف الصحفي ضياء الدين التمر، أن علاقة هذه الميليشيات أصبحت وثيقة بإيران خاصةً بعد تولي الإيرانيين والفصائل التابعة لإيران هذا الملف بشكل مباشر نتيجة فشل قوات النظام في تنفيذ الأجندة الإيرانية ونشر التشيع وتشكيل جماعات موالية لطهران، والأوضاع تتجه لتقليم أظافر هذه الميليشيات أو ربما القضاء عليها بشكل كامل بعد أن أثبتت فشلها أكثر من مرة وتحولت من أداة تنفيذ الأجندات إلى أداة انتفاع شخصية تخدم فقط العناصر المتواجدين فيها والذين يقودونها ومنهم المدعو عبد القادر حمو، المعروف أنه مطلوب بجرائم جنائية منها قتل اثنين من أبناء عمومته وهم من وجهاء العشائر المعروفين بالمنطقة، ويؤكد، أن قوات النظام وبتوجيه إيراني أمنت الحماية لهذا الشخص الخارج عن القانون مقابل ضمان ولائه وتنفيذ أجنداتها، لذلك حاول الظهور بمظهر القوي والتمرد على مشغليه، فارتأت قوات النظام وبعد مناقشات مطولة مع مسؤول الملف الإيراني بالمنطقة، الحد من صلاحياته ووقف انتهاكاته وتجاوزاته، وما أثارته من غضب شعبي خاصةً بين أبناء القبائل وعلى وجه التحديد قبيلة الجبور العربية، فارتأوا أن تقليم أظافره ربما يساعدهم لاحقاً في تكوين صورة مقبولة لدى القبائل والعشائر، كما يحاول النظام من خلال قنواته إرسال رسالة أنه أنهى ملف عبد القادر حمو لكسب ود القبائل واستقطابهم بعيداً عن فلك الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”.
انتهاكات بحق المدنيين
وتتهم حكومة دمشق بإطلاق يد ما يسمى “الدفاع الوطني” وغيره من الفصائل التي تم تشكيلها خلال الأزمة، ضد المدنيين السوريين والتغاضي عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها هذه الفصائل من أجل ضمان ولائها، حيث توثق تقارير تنفيذها عمليات قتل واغتيالات واختطاف وسرقات وفرض إتاوات بمناطق متفرقة من البلاد، كما أنها تتهم بالوقوف وراء أغلب عمليات تجارة وتهريب المخدرات كأحد المصادر للحصول على التمويل.
ويشير التمر، إلى أنه وبنفس الطريقة التي تم فيها النفخ في هذا البالون، يتم الآن إعادة ضبط الأمور وتهديد حمو بكشف الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها وربما ينتهي الأمر بتصفيته إن لم يكن على أيدي قوات النظام على أيدي أشخاص لهم معه ثأر عشائري وربما من أبناء عشيرته وعمومته الذين قتل اثنين منهم، لافتاً إلى أنه ما يساعد على إنهاء هذا الملف هو أن الأحداث الأخيرة أثبتت أن المنطقة بكل مكوناتها لا تريد الانجرار للفتنة وضرب الاستقرار لذلك تدخلت قيادات بقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومجلس سوريا الديمقراطية باجتماعات ونقاشات مع قبيلة الجبور لنزع فتيل التوتر مقابل رضوخ النظام لمسألة عزل عبد القادر حمو”.
وفصيل “الدفاع الوطني” تم تشكيله من قبل حكومة دمشق في عام 2012 لمواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضدها قبل أن يشارك في عمليات عسكرية مع تحول الحراك إلى صراع مسلح، وتقول تقارير إن عدد عناصره يفوق 100 ألف ويتهم بتنفيذ مجازر بحق السوريين أبرزها مجزرة قرية “البيضة” في بانياس بمحافظة طرطوس غربي البلاد عام 2013، التي وثقتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.