بين غياب التعليم والبطالة.. الخناق يضيق على اللاجئين السوريين في النمسا

لا يزال اللاجئون السوريون يواجهون كثيراً من الإشكاليات التي تحول دون اندماجهم في المجتمعات الأوروبية أو على الأقل تلبية احتياجاتهم، بحسب تقرير حديث للحكومة النمساوية، والذي زعم أن مستويات التعليم المتدنية لديهم كنتيجة للحرب الأهلية تشكل تحدياً كبيراً، لكن هناك من يرى في المقابل أن الحكومات الغربية صاحبة مسؤولية رئيسية في عدم قدرة هؤلاء على الانخراط بشكل طبيعي في مجتمعات الدول التي التجأوا إليها.

ويأتي صدور هذا التقرير في وقت تشن الحكومة النمساوية ذات الميول اليمينية حملة لخفض أعداد اللاجئين القادمين إلى أراضيها من خلال عمليات تفتيش أكثر صرامة والاستعانة بأجهزة حديثة لهذا الغرض، إذ تسود توجهات بإبعاد المهاجرين وترحيلهم والحد من فرصهم في الحصول على حق اللجوء والاستقرار والعيش في النمسا أو أوروبا.

تفاصيل تقرير الحكومة النمساوية

وفق التقرير الذي أعده مجلس خبراء تابع لحكومة النمسا وأعلنت بعض تفاصيله سوزان راب وزيرة الاندماج، فإن المهاجرين الذين يصلون أوروبا لا سيما السوريين والأفغان لديهم مستويات تعليم متدنية للغاية، وكثيرٌ منهم ليس لديهم معرفة بالأبجدية اللاتينية، بل إن منهم من لا يعرفون حتى القراءة والكتابة بلغتهم الأم (أميون)، ومن ثم أصبح هؤلاء – وغالبتيهم من الشباب – يعانون من إيجاد فرص عمل.

وذكر التقرير أن هذا الوضع يظهر بشكل خاص بين السوريين، إذ أن 78% منهم بحاجة إلى دروس محو أمية، وقد انعكس ذلك على أدائهم في العمل، إذ أن 48% من اللاجئات السوريات و32% من الرجال عاطلون عن العمل، وهذا التراجع في المستوى التعليمي مرتبط بانهيار النظام التعليمي في سوريا نتيجة الحرب وكذلك احتياج هؤلاء اللاجئين لفترات عبور تستغرق وقتاً حتى الاستقرار في النمسا وأوروبا.

ولفت التقرير الحكومي النمساوي إلى أن غالبية المهاجرين من السوريين والأفغان هم من ذوي الأعمار الصغيرة، حيث يبلغ متوسط أعمارهم 26 عاماً، ما يعني أن عديداً من هؤلاء بقوا في منازلهم خلال سن المدرسة، نظراً للصراع الطويل في تلك المناطق، في وقت ارتفع بشكل عام أعداد طالبي اللجوء إلى النمسا الذين بحاجة إلى محو الأمية بنسبة 80%..

المسؤولية على عاتق هؤلاء

تعليقاً على هذا التقرير، يقول صلاح فرحو، وهو مدرب اندماج ومعلم لغة ألمانية في النمسا، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن اللاجئين السوريين حين أتوا إلى النمسا أو أوروبا كانت لديهم توقعات بشأن مستقبل زاهر وأوضاع حقوقية جيدة ومساواة في التعامل، لكن للأسف طبيعة البيروقراطية الأوروبية من جهة، والنزعة العنصرية للحكومة النمساوية جعلت اللاجئين السوريين وغيرهم يصطدمون بالواقع، الأمر الذي كان سبباً رئيسياً في تأخر تعلمهم اللغة ومن ثم الاندماج والاستقرار بهذا البلد.

ويقول فرحو إنه لا شك أن الأزمة السورية ألقت بظلالها على المؤسسات التعليمية في البلاد وهذا شيء محزن، لكن لا يعني أن اللاجئين السوريين وغيرهم ممن لم يذهبوا إلى الصفوف العليا أو لم يتعلموا القراءة والكتابة باللغة العربية غير قادرين على تعلم اللغة الألمانية، فما يجب هو أن يتم توفير الشروط والظروف المناسبة لهم كي يستطيعوا التعلم.

ويرى خبير ومدرب الاندماج بالنمسا أن هذه الظروف والشروط ليست متوفرة نهائياً في المؤسسات التعليمية الخاصة بتعليم اللاجئين اللغة الألمانية، معتبراً أن السياسة الرسمية لصندوق الاندماج النمساوي سلبية وتعيق تعلم اللاجئين للغة الألمانية والذين يعانون من ظروف سيئة لا سيما في المدارس.

وأوضح أنه بسبب إهمال إما مقصود أو غير مقصود – وهو على الأغلب مقصود من الحكومة النمساوية – لا يتم توفير منازل للاجئين الشباب، وبالتالي يضطرون للعيش في ما يسمى بالسكن الشبابي، وهو عبارة عن شقة مساحتها من 50 إلى 70 متر ويقطن فيها من 6 إلى 8 شباب يتشاركون حماماً واحداً، وهذا وضع من شأنه تعزيز الشعور بعدم الاستقرار لديهم، وعندما يكون هؤلاء الشباب غير مستقرين في نومهم ومأكلهم ومشربهم ودراستهم فإنه من الصعب أن يكون لديهم التركيز اللازم للدراسة وتعلم الألمانية التي تعد واحدة من أصعب اللغات.

ثم يتحدث فرحو عن الأجواء في المدارس، فيقول إنه لا يتم تقديم أية استشارات اجتماعية لهؤلاء اللاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 26 سنة، لا سيما في ظل حاجتهم للتعامل مع مؤسسات الدولة وهم غير قادرين على ذلك لعدم درايتهم باللغة ومتطلبات النظام البيروقراطي وما يلزم من أوراق، وكأنه يتم القذف باللاجئ في الشارع ويقال له أدر أمورك بنفسك.

ويقول كذلك إن أحد أسباب عدم تركيز اللاجئين في عملية التعليم ترتبط ببعض الإجراءات القانونية التي يعانون منها، فكثير منهم يأتون متزوجين ولديهم عائلة وربما أطفال وقد يضطرون للانتظار إلى ما يقارب 3 سنوات كي يستقدموا عائلتهم، وهذا يشغل جانباً كبيراً من تفكيرهم على حساب التركيز في الدراسة والتعليم.

ويرى فرحو، في ختام تصريحاته لمنصة تارجيت الإعلامية، أن ما جاء في تقرير حكومة النمسا حكم غير أخلاقي بحق اللاجئين السوريين واللاجئين بصفة عامة، ولا يليق بدولة مثل النمسا، لأنه حين يرى التقرير أن السوريين مستواهم التعليمي متدن ولا يستطيعون الاندماج والحصول على وظيفة دون توفير الظروف الملائمة لكي يتعلموا فإن هذا لا شك أمر غير أخلاقي.

هنا تكمن المشكلة

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” إن واحدة من كل ثلاث مدارس سورية دمرت أو تضررت أو أعيد استخدامها لأغراض أخرى بسبب الحرب كإيواء النازحين، مع اكتظاظ تشهده الفصول، كما كان للزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير تأثيراً مدمراً على التعليم، فيما ذكر تقرير فيينا أن العديد من الشباب يصلون إلى النمسا بعد أن مروا بتجارب مؤلمة، أو على الأقل مرهقة بشكل استثنائي خلال رحلتهم للهجرة أو في مناطق النزاع داخل دولتهم.

بدوره، يقول رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية ـ المقيم في النمسا ـ إن مسألة الاندماج تتعلق بالشخص وما يحمله من إرث ثقافي، وقد لجأ معظم هؤلاء إلى الدول الأوروبية هروباً من جحيم المأساة التي تحدث في سوريا، ولم يكن في حسبان أي منهم يوماً أن يجد نفسه في مكان بأوروبا على الأقل الذين يقال إنهم من الأميين.

وأضاف درار، في تصريحات خاصة لمنصة تارجيت الإعلامية، أن الاندماج لم يعد مشكلة لدى الأميين، لأنه بات يعيش أوساط كثير من السوريين الذين يعرفون بعضهم من نفس المناطق والجهات التي جاءوا منها ويتفاهمون ويتعاملون مع بعضهم البعض، وكثير من هؤلاء عملوا بالأعمال ذات الطبيعة اليدوية مثل أسواق الخضار والبقالة أو العمل كأجير، وهذا الأمر ليس موضع معاناة لدى غير المتعلمين.

وأوضح السياسي السوري أن المشكلة الحقيقية تظهر لدى المتعلمين لا سيما حملة المؤهلات العليا، فكثير منهم يحتاجون إلى معادلة في مؤهلاتهم الدراسية، وبالتالي يعانون من أجل الحصول على وظيفة مناسبة عكس الوضع بالنسبة لغير المتعلمين الذين يمكنهم العمل ببساطة بإحدى الوظائف التي سبق الإشارة إليها.

أما بالنسبة لمسألة التعلم، يقول الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية إن التعليم الأولي متاح لكل من يأتي إلى النمسا، فهناك معاهد تعطي دروساً أولية وكثيرون يتعلمون اللغة الألمانية على الأقل التحدث بها إن لم يكن بمقدورهم الكتابة، وحتى الأمي يستطيع أن يتابع ويتعلم، مشيراً إلى أنه يعرف الكثيرين من الذين يتكلمون الألمانية أفضل من أناس عاشوا لفترات طويلة في النمسا.

وتحدث درار عن التعليم في سوريا، وقال إنه بالأساس كان هشاً لا سيما في الفترة الأخيرة، وقبل الأزمة كذلك كانت هناك إشكاليات، فقد كانت الأمية واسعة في الريف رغم أن هناك تعليم مجاني، كما أن عدد المتعلمين في الجامعات قليل جداً مقارنة بأعداد السوريين، فقد كان عدد الجامعات في كل سوريا اثنين فقط بحلب ودمشق ثم جاءت بعد ذلك تشرين والبعث.

أما عن بقية المدن، يقول إنه ليس فيها جامعات رغم أن بعضها مدن كبيرة مثل الرقة أو الحسكة، وحتى عندما تم فتح معاهد تعليمية أو ملحق بالجامعات في تلك المدن كان التعليم بها قاصراً على الفروع الأدبية وليست العلمية مثل الطب والهندسة وما شابه، وبالتالي فإن السوريين يعانون على صعيد التعليم قبل وبعد 2011.

ولا تقتصر معاناة اللاجئين السوريين في عديد من الدول على مسألة التعليم، فربما تكون هذه أقل مشكلاتهم، ولكنهم باتوا يعانون أمام توجه دولي لإعادتهم مرة أخرى إلى سوريا أو ترحيلهم لمناطق أخرى في ظل ارتفاع الأصوات اليمينية لا سيما المتطرفة، كما أن هناك دولاً تقدم على ترحيلهم قسراً مثل تركيا التي تستضيف أكبر عدد منهم.

قد يعجبك ايضا